لم ينسَ أمين عام حزب الله حسن نصرالله، ذكر بشار الأسد في كل المقاطع التي يحيّي فيها محور المقاومة منذ خطابه الأول بعد السابع من أكتوبر إلى اليوم، بل تقصّد إسقاطه. ولم ينسَ المحور إسناد كلمة للرئيس السوري بشار الأسد في يوم القدس، حينما تحدّث كل من الراحلين إبراهيم رئيسي واسماعيل هنية وعبد الملك الحوثي والسيد نصرالله وزياد نخالة وهادي العامري بإسم المحور وساحاته. آنذاك في الثالث من نيسان الماضي سأل متابعون عن كلمة بشار الأسد. فيما المحور لم يُعلّق، والأسد كذلك، إذ حافظ الأخير على سياسة «الصمت» عن كلّ ما هو مهم، والتي انتهجها منذ فجر السابع من أكتوبر 2023، إلى لحظة كتابة هذه المقالة.
شيء لم يستفزّ بشار الأسد للهجوم أو الإسناد أو تحذير إسرائيل أو حتى السماح لمواطنيه في التظاهر في العاصمة السورية دمشق، دعما لأطفال غزة. لم يَهجر الأسد القضية الفلسطينية فحسب، بل غابت عنه قضايا السوريين أيضا. لا أحد يذكر موقفاً للنظام السوري بعد مجزرة مجدل شمس يستحق التوقف عنده، بعد استشهاد 14 مدنياً سورياً. فقد أصدرالأسد بيانا باهتاً عن الحادثة بعد أكثر من أربع وعشرين ساعة لم يرتقِ لخانة كسر سياسة «الصمت». البعض قد يظنّ أنّ حقده على أهالي الجولان الذين تظاهروا في مجدل شمس دعماً لإخوتهم وإخوانهم في السويداء ضدّ النظام السوري، إلا أنَّ واقع الأمر أكثر من ذلك. بشار الأسد أُخرج من المعادلة «المقاومة» كُلياً. وفيما كتاب وصحافيون تحدّثوا عن عتب إيراني كبير، إلّا أنَّ أمين عام حزب الله برّر للأسد غيابه في كلمته الأخيرة معتبرا أّن لا داعٍ لسوريا أن ترد.
صراع المحاور
لم يحضر بشار الأسد مراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان التي اغتيل على هامشها اسماعيل هنية. بل رأيناه في موسكو، بعد أن استدعاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل حادثة مجدل شمس بأيام قليلة، والمصادر تقول إنَّ بوتين أراد تأكيد المؤكّد بألا تدخل سوريا على خط الاشتعال.
صراع النفوذ بين إيران وروسيا على الأرض السورية التي فيها 5 جيوش اليوم، ليس بجديد. معسكران روسي وآخر إيراني في قلب غرفة صنع القرار السورية، «إن كان ثمة من قرار». ولولا هذا الواقع، لما ضُربت القنصلية الإيرانية في قلب العاصمة دمشق مطلع نيسان الماضي. تلك الصفعة الكبيرة التي تبيّن للإيرانيين أنَّ تواطؤًا سورياً إسرائيلياً كان خلفها. وقد دفعت ثمنه لونا الشبل المعروفة من العام 2015، بانتمائها للجناح الروسي داخل النظام السوري.
تملك روسيا على الأراضي السورية 4 مراكز عسكرية استراتيجية. أهمها قاعدة حميميم في اللاذقية التي لم توفّرها في حربها على أوكرانيا، إذ منها انتقل مرتزقة سوريون للمشاركة مع جيش يفغيني بريغوجين (زعيم فاغنر) في أوكرانيا. وقاعدة بحرية أخرى في طرطوس وثالثة في حماة والأخيرة في القامشلي وضعت فيها موسكو مقاتلات حربية ومنظومات دفاع جوي ومروحيات.
أما إيران، فحضورها العسكري على الأراضي السورية المستباحة، أكثر بكثير. إذ لطهران حوالي 500 موقع عسكري في كل من حلب واللاذقية وحماة وحمص ودير الزور والبوكمال وريف دمشق، والقنيطرة ودرعا (الجنوبيتين القريبتين من إسرائيل). وهنا إشارة إلى تقارير أشارت في السابق إلى انسحاب القوات الإيرانية من القنيطرة المحاذية للجولان المحتل لصالح القوات الروسية، وقد حصل ذلك بعد أن تعرضت مواقع إيرانية هناك لقصف إسرائيلي.
الجديد اليوم، ما كشفته مصادر لقناة العربية قالت إنّ رئيس الأركان السوري عبد الكريم محمود إبراهيم زار طهران سرًّا دون علم الأسد وبحث نقل وسائل قتالية من الجيش السوري إلى حزب الله لنقلها برا عبر الحدود السورية اللبنانية. فما كان لإسرائيل إلا أن قصفت أمس الخميس وللمرة الأولى نقاطا عسكرية للنظام السوري في محيط مطار الشعيرات في المنطقة الوسطى ووقعت أيضا عدة انفجارات داخل فوج «أبو اللبن» في منطقة الحمرات شرق حمص حيث طالت مستودعا للذخيرة بحسب مصادر ميدانية.
في المحصّلة يغيب الأسد اليوم عن المنطقة المتفجّرة ويُغيّب الدولة السورية عن الإسناد. وتبقى الثابتة الوحيدة أنّ الأسد أعطى روسيا وإيران ما تريدان مقابل بقائه في قصر المهاجرين، ويبدو أنَّه أعطى إسرائيل أيضاً ما تريد. ليرجع بنا المشهد من جديد إلى العام 2013 يوم أرادت إدارة أوباما توجيه ضربة عسكرية قوية للنظام السوري كرد فعل على مجزرة الغوطة، واستخدام النظام للسلاح الكيميائي، فكانت إسرائيل الأحرص على النظام السوري واستمراريته إنطلاقا من أسباب مرتبطة بأمنها وأمانها.