في دائرة العنف.. الجلاد ضحية!

في دائرة العنف.. الجلاد ضحية!

  • ١٥ أيار ٢٠٢٥
  • كاسندرا حمادة

لم يعُد العنف ضدّ النساء مجرّد خبر عابر أو رقم في تقرير، بل باتت تجربة التعرض للعنف أو مجرد التهديد به جزءًا من الواقع الذي تتقاسمه النساء، بصرف النظر عن الخلفيات الثقافية أو الإجتماعية.

تتجلّى مشكلة العنف ضد النساء في أشكال مخيفة ومتعددة حول العالم. وتُعدّ تجربة التعدي العنيف – أو التهديد به – خيطًا مشتركًا في نسيج الحياة اليومية للنساء في مختلف المجتمعات. ومن حوادث العنف الأخيرة في لبنان، وقعت ميليسا غونزاليس ضحية المعتدي طوني (ف).. لم يكتفِ المعتدي بإطلاق حلقة العنف على المرأة بإطار عادي، لا بل نشر لها صوراً  بشعر وجسم محروق.. بمثابة تشريع مرضي للتعذيب، و وقد اتّهم الشاب طوني ف.بخطفها، وتعذيبها. 
ككلّ حوادث العنف، أثارت هذه القضية بلبلة على مواقع التواصل الإجتماعي، إلا أنّ سرعان ما تداخلت الاتهامات مع كثرة الأخبار والشائعات، وكان من اللافت الظهور الإعلامي للمعتدي وأخت الضحية.  من الناحية القانونية، لم ترِد معلومات ما إذا كان المتّهم سيدرج تحت المحاسبة القانونية، لكنّ السؤال الأبرز في هذه القضية، في ذهن كلّ امرأة أو  طفل أو حتى رجل،  نتيجة هذه الحوادث المتكرّرة، ما هو السبب وراء هذا العنف اللا محدود. 
من وجهة نظرعلمية، يقال أنّ المجرم من المنظور النفسي هو ضحية، وقبل أن نواجه العنف، لا بدّ من معرفة الأسباب.
في هذا الإطار، اشارت نتائج دراستين إلى أنّ التفكير المرتاب/البارانويدي قد يكون شائعًا بين مدمني الكوكايين، وأنّ السلوك العنيف والجريمة مرتبطان باستخدام الكوكايين، وأنّ التفكير البارانويدي والحاجة إلى المال لشراء الكوكايين قد يكونان من أسباب السلوك الإجرامي العنيف لدى مستخدمي الكوكايين.
 بالإشارة إلى أنّ، العديد من مدمني المخدرات الذين يستخدمون الكوكايين بشكل متكرّر وبجرعات كبيرة  يعانون من أعراض نفسية واضحة سريريًا، مثل الارتياب، والبارانويا، والأوهام، والتهيج، والانفجارية، كما يظهرون سلوكًا عنيفًا. 
وفي دراسة أجريت في أكتوبر 1988 حول الأعراض النفسية، شارك 452 رجلاً في مقابلات هاتفية منظمة. وفي دراسة ثانية أُجريت في تشرين الأول 1989، تم إجراء مقابلات هاتفية مع 200 من مدمني الكراك من الذكور والإناث. استخلصت كلتا الدراستين معلومات عن السلوكيات العنيفة المرتبطة باستخدام الكوكايين.
بالتالي، تراوحت السلوكيات العنيفة التي أبلغ عنها المدمنون من عدوان نفسي بسيط إلى أفعال جسدية خطيرة شملت القتل والاغتصاب. وتبين أنّ الآليات الدوائية الكامنة وراء العنف المرتبط بالكوكايين قد تشمل أنظمة الناقلات العصبية المعروفة التي يؤثر فيها الكوكايين. ومن التفسيرات المحتملة أنّ الكوكايين يؤثر في مناطق معينة من الدماغ، وخصوصًا الجهاز الحوفي، وهو المسؤول عن السلوكيات العدوانية والعنيفة. ويوصى بإجراء مزيد من الدراسات لتحديد طبيعة العنف المرتبط بالكوكايين وتواتره وشدته بشكل أكثر دقة.
من جهّته، يشرح المتخصّص فؤاد قدّوم أنّ هناك عوامل داخلية وخارجية تدفع الفرد إلى ارتكاب أعمال عنف خطيرة.
 فمن ناحية العوامل الداخلية، تلعب الصدمات النفسية المتراكمة دورًا جوهريًا في تشكيل السلوك العدواني. وعندما يفتقر الإنسان إلى هدف واضح في حياته، يُصبح هذا الفراغ أحد العوامل الرئيسية التي تغذّي ميول العنف لديه. لذلك، عندما يعجز الفرد عن إثبات نفسه في المجتمع بسبب صدمات الطفولة، فقد يحاول تعويض ذلك من خلال سلوكيات ملفتة، كمثل الإفراط في رسم الوشوم (التاتو) على جسده.
أما العوامل الخارجية ترتكز على الوضع المعيشي، فعندما يعجز الفرد عن إثبات نفسه في المجتمع بسبب أوضاع مالية صعبة أو فشل في تحقيق الذات، فقد يحاول تعويض ذلك من خلال سلوكيات ملفتة، كمثل الإفراط في رسم الوشوم (التاتو) على جسده أو التعنيف.
 وفي بعض الحالات، يُعبّر هذا السلوك عن محاولة لإبراز صورة «الرجولة»، والتي قد تليها ممارسات عنيفة أو سلوك عدواني. وعندما يشعر الشخص أنّه غير قادر على فرض وجوده بطريقة سليمة، قد يصبح العنف وسيلته لفرض ذاته ولملء شعوره بالنقص.
ويشير قدّوم إلى أنّ المخدرات تلعب  أيضًا دورًا كبيرًا في هذا السياق؛ فهي تؤثر على الوعي والمنطق، وتدفع بالفرد إلى التصرف وفقًا لغرائزه وصدماته السابقة، بعيدًا عن سيطرة العقل الواعي. ومن هنا، يصبح سلوكه موجهًا أكثر من قبل اللاوعي، ما يزيد من احتمالية التصرفات العنيفة وغير العقلانية.
وفيما يخصّ العلاقات العاطفية، يتبيّن أنّ بعض النساء، خصوصًا في الفئة العمرية بين 25 و40 عاماً، قد ينجذبن إلى شركاء يتمتعون بكاريزما معينة تُظهر قدرتهم على الحماية والسيطرة، حتى وإن ارتبط ذلك بالعنف. يعود ذلك في بعض الحالات إلى نشأة هؤلاء النساء في بيئة تُقيّد التعبير العاطفي أو تعاني من غياب الحماية العاطفية، ما يدفعهن للبحث عن شريك يعوّض هذا النقص، حتى وإن اتسمت العلاقة بالإيذاء.
في مثل هذه العلاقات، تتحول الشريكة إلى وسيلة يعبّر بها الشريك عن أزماته وصراعاته الداخلية الناتجة عن تجارب حياتية صعبة، غالبًا ما تكون اقتصادية أو نفسية. لكن مع الوعي والدعم النفسي المناسب، يمكن للضحية أن تدرك هذه الديناميكية وتفكّ ارتباطها بالعلاقة المؤذية.
إلى ذلك، يمكن القول أنّ للعوامل الاقتصادية دورًا كبيرًا في العنف الأسري. في جميع الثقافات، وفي بعض حالات الفقر قد تؤدي بطالة الرجل إلى فقدانه الشعور بالقدرة والهوية الذكورية التقليدية، ما يولد سلوكًا عدوانيًا تجاه الشريكة. 
في هذا السياق لا بدّ من التطرّق إلى الأطفال الذين يعيشون في بيئات عنيفة يترسخ مفهوم العنف  بمثابة وسيلة لحل النزاعات لديهم، ما يدفع البعض من المعنفين الى اعتباره سوكاً طبيعياً، وإذا افتقر هؤلاء إلى الموارد أو السّمات التي تعزّز الصمود، قد يعيدون إنتاج دائرة العنف . 
لا تزال ظاهرة العنف ضد النساء تتجلى في صور مروعة ومتعددة حول العالم، حاملةً في طياتها تهديدًا يوميًا لحياة ملايين النساء. في مختلف المجتمعات، باتت تجربة التعرض للعنف أو مجرد التهديد به جزءًا من الواقع الذي تتقاسمه النساء، بصرف النظر عن الخلفيات الثقافية أو الاجتماعية.