سيطرة لبنانية ثانية تواليًا على سلّة غرب آسيا: الرياضي بطلًا والحكمة ثالثًا

سيطرة لبنانية ثانية تواليًا على سلّة غرب آسيا: الرياضي بطلًا والحكمة ثالثًا

  • ٢٠ أيار ٢٠٢٥
  • محمد فوّاز

ولعلّ ما يجعل إنجازه الأخير في دوري غرب آسيا أكثر من مجرّد فوز، هو السياق الذي أُحرز فيه: موسمٌ طويل، خصومٌ عتاة، ضغوط جماهيرية وإعلامية، وواقع لبناني داخلي مأزوم، لم يمنع هذه المنظومة من البقاء صلبةً، متماسكةً، متقدّمةً على الآخرين بخطوات عديدة. في المقابل، قد يبدو المركز الثالث للبعض مجرّد عزاء بعد الفشل في نيل الذهب، لكن في الحالة الحكماوية، هو أكثر من ذلك بكثير. إنه دليل على أنّ الفريق لم يستسلم للانكسار، بل نهض سريعًا، وأثبت أنّ روح الانتصار لا تُقاس فقط بعدد الكؤوس، بل بقدرة المجموعة على النّهوض في وجه الانتكاسات.

ليست كلّ الانتصارات سواء. فبعضها عابرٌ ينطفئ مع الوقت، وبعضها آخر يتجذّر في الذاكرة الجماعية لشعبٍ بأكمله، لأنه لا يُعبّر عن فوزٍ رياضيّ فحسب، بل عن روح وطن، وثقافة كفاح، وبوصلة هوية. في هذا السّياق، يندرج إنجاز النادي "الرياضي" بيروت، الذي لم يكتفِ فقط باعتلاء منصّة التتويج على حساب طبيعت الإيراني، بل فعلها للعام الثاني تواليًا، بلا خسارة، وبأداءٍ يكاد يشبه الأسطورة في اكتماله. وأكمل الحكمة بيروت منصة التتويج بانتزاعه المركز الثالث والميدالية البرونزية على حساب شباب الأهلي الإماراتي.
يطلق عليه محبّوه "القلعة الصفراء"، ولم يأتِ هذا اللقب من فراغ؛ فالرياضي لم يكن يومًا مجرّد نادٍ رياضي، بل هو مؤسسة سلّوية عريقة تتوارث المجد، وتربّي اللاعبين على ثقافة الفوز، لا بوصفه غاية، بل باعتباره سلوكًا دائمًا. حين يعتلي الرياضي القمّة، لا يبدو الأمر استثناءً، بل استمرارًا لتقليدٍ صارم، يجعل من الخسارة أمرًا غريبًا عن قاموسه.
ولعلّ ما يجعل إنجازه الأخير في دوري غرب آسيا (Final 8 FIBAWASL) أكثر من مجرّد فوز، هو السياق الذي أُحرز فيه: موسمٌ طويل، خصومٌ عتاة، ضغوط جماهيرية وإعلامية، وواقع لبناني داخلي مأزوم، لم يمنع هذه المنظومة من البقاء صلبةً، متماسكةً، متقدّمةً على الآخرين بخطوات عديدة.
للمرة الثانية على التوالي، يتربّع فريق القلعة الصفراء على عرش دوري غرب آسيا لكرة السلة، محققًا إنجازًا استثنائيًا يؤكد هيمنته القارية، بفوز كاسح على فريق طبيعت الايراني بنتيجة 104-77 في المباراة النهائية.

سجّل الرياضي 13 فوزًا متواليًا من دون أي خسارة في نسخة 2025 من البطولة، بينها اكتساح تامّ لمباريات "الفاينل 8". هذه الأرقام وحدها كفيلة بإثبات التفوّق، لكنّها لا تشرح وحدها سرّ ما حدث؛ فالفريق لم ينتصر فقط، بل قدّم أداءً جماليًا، متناسقًا، يُدرّس في كليّات الرياضة: تناغم، تمركز، قرارات سريعة، حلول متجدّدة، ودفاع حديدي.

وائل عرقجي، قائد الموكب، لم يكن مجرّد هدّاف، بل كان عقل الفريق وروحه. في كل مرّة استشعر فيها الخطر، انتفض مبكرًا، كما في الربع الأول من النهائي، حيث سجّل 12 نقطة وقلب تأخر فريقه إلى تفوّقٍ ساحق. ومعه لمع نجم ماركوس جورج-هانت، الذي جسّد شخصية الرياضي الطامح دومًا، بعدما أخفق في تحقيق اللقب مرتيْن مع الكويت، وعاد ليبلغ المجد من بوابة الفريق اللبناني العريق.
أما ثون ميكر، فقدّم أداءً يليق بلقب "MVP" السابق، جامعًا بين القوة البدنية، والذكاء الدفاعي، والدور الحاسم تحت السلّة. وإلى جانبه، لم يكن أمير سعود أقل إبهارًا، فقد قدّم من دكّة البدلاء ما يعجز عنه لاعبون أساسيون في فرق كبرى.
المدرّب أحمد فران لا يُقاس فقط بعدد الألقاب التي حصدها، بل بذهنية العمل الجماعي التي زرعها في فريقه. قليل من الفرق في المنطقة تملك ما يملكه الرياضي من انضباط تكتيكي، واستعداد نفسي، وتواضع في النصر. 
تصريح فران بعد التتويج لم يكن احتفاليًا فارغًا، بل احترافيًا: "نحن ما زلنا جائعين". وكأن البطولة مجرد خطوة، لا نهاية، في رحلة صعود مستمر.
في لحظة التتويج، لا يمكن تجاهل الصورة الأهمّ: الجماهير اللبنانية الحاضرة بكثافة، تهتف، تبكي، وتحتضن الحلم الذي تحقّق أخيرًا على أرض الوطن. العام الماضي، حُرِمت هذه الجماهير من التتويج في الدوحة، فكان الحنين مضاعفًا، وكان الانفجار الفرِح هذه المرة أكثر عمقًا. الرياضي لم يمنحهم فقط كأسًا، بل لحظة انتماء نادرة، في بلد تتزاحم فيه الأزمات.
إنجاز الرياضي هو رسالة، تقول إن لبنان، على الرَّغم من كلّ تعبه، لا يزال يملك ما يقدّمه للعالم. وإنّ الرياضة ليست فقط مباراة تُلعب وتُنسى، بل هي أيضًا بناءُ ذاكرة وطنية، ونسجُ سردية فخرٍ تحتاجها الشعوب في أوقات الهشاشة.
ما فعله الرياضي هو تمرين في الإيمان، نموذج في التصميم، ودليل على أن المؤسسات الصلبة، حين تُبنى على أسس صحيحة، تُنتج مجدًا يصعب كسره.
يتجه تركيز الرياضي وطبيعت الآن نحو دوري أبطال آسيا لكرة السلة 2025، المقرر ما بين 9 و15 حزيران، حيث سيمثلان منطقة غرب آسيا، ويتطلّع الرياضي إلى تكرار إنجازه القاري على هذا الصعيد أيضًا.

الحكمة بين الخيبة والبرونز

لم تكن مباراة المركز الثالث مجرّد لقاء تحصيل حاصل بالنسبة للحكمة، بل كانت معركة استعادة التوازن النفسي والمعنوي بعد ضربة موجعة تلقاها الفريق في نصف النهائي. ففي نهائيات 2025، دخل "القلعة الخضراء" مواجهته أمام شباب الأهلي الإماراتي وهو يجرّ خلفه ثقل خيبة حلم كان قريبًا، لكنّه خرج من ملعب نهاد نوفل مساء الأحد مرفوع الرأس، بانتصارٍ عريضٍ بنتيجة 100-86 وضعه على منصّة التتويج البرونزية، وكرّس حضوره المستمر بين نخبة الفرق الآسيوية.
قد يبدو المركز الثالث للبعض مجرّد عزاء بعد الفشل في نيل الذهب، لكن في الحالة الحكماوية، هو أكثر من ذلك بكثير. إنه فعل مقاومة، ودليل على أنّ الفريق لم يستسلم لانكسار الأمس، بل نهض سريعًا، وأثبت أنّ روح الانتصار لا تُقاس فقط بعدد الكؤوس، بل بقدرة المجموعة على النّهوض في وجه الانتكاسات.
حين تتحدّث عن شخصية الحكمة في هذه المباراة، لا يمكنك أن تتجاوز جاد خليل، الذي لم يكن فقط صانع اللعب، بل كان صانع الأمل. على مدار أربعين دقيقة لم يغادر الملعب، جسدًا ولا تركيزًا. أحرز 27 نقطة بمعدّلات تصويب عالية (55٪)، ورافقها بـ9 تمريرات حاسمة و6 متابعات، وكان قائدًا هادئًا في لحظة توتّر، ومحرّكًا لموجة الحسم حين بدأت المباراة تميل إلى منطقة الخطر.
في الربع الأخير، وبينما قلّص شباب الأهلي الفارق إلى نقطة واحدة، نهض خليل وأطلق تسديدة متوسطة المدى شكّلت نقطة التحوّل في اللقاء، فتبعته مساهمات فاعلة من عمر جمال الدين وجيرار حديديان، ليحسم الفريق اللبناني المواجهة بسلسلة حاسمة من النقاط.
ربّما لم يحقق الحكمة اللقب الذي كان يطمح إليه، خاصة بعد أن خسر نهائي النسخة الماضية أمام الرياضي، لكنّ وجوده على منصة التتويج للعام الثاني تواليًا، يؤكّد أنّ هذا الفريق لم يعد مفاجأة موسمية، بل رقمًا ثابتًا في المعادلة الآسيوية. نجاحه في المحافظة على موقعه ضمن الثلاثة الكبار هو بحد ذاتِه إنجاز استراتيجي يعكس بنية فنية صلبة، وذهنية تنافسية راسخة.
الفوز بالميدالية البرونزية يُعدّ محطةً استراتيجيةً في مسيرة "القلعة الخضراء". إنه يرسّخ الثقة بالبنية الحالية للفريق، ويمنح اللاعبين الشباب مساحةً للنضج تحت مظلة طموح لا يخفت. وقد تُقرأ هذه النتيجة بوصفها فصلًا وسطًا في حكاية طويلة لم تكتمل بعد، عنوانها الإصرار على العودة إلى القمّة، لكن عبر بناء متراكم لا يقف عند بطولة واحدة.