التسونامي الانتخابي أخطر من التسونامي الطبيعي

التسونامي الانتخابي أخطر من التسونامي الطبيعي

  • ٢٦ أيار ٢٠٢٥

إنها المرة الأولى أفرح فيها لفوز التيار الوطني الحر البارحة في جزين، ليس حباً بالتيار ولا كرهاً بالقوات، بل خوفاً من "التسونامي" أياً كان بطله

 
إنها المرة الأولى أفرح فيها لفوز التيار الوطني الحر البارحة في جزين، ليس حباً بالتيار ولا كرهاً بالقوات، بل خوفاً من "التسونامي" أياً كان بطله. ربما كان وليد جنبلاط أول من استخدم تعبير "التسونامي" متوقعاً أن يحصد التيار العوني آنذاك معظم أصوات المسيحيين، ومنذ ذلك الوقت ونحن نسمّي "تسونامي" كل ظاهرة انتخابية تحصل على الأكثرية الساحقة من أصوات الناخبين من طائفة معينة، نتيجة موجة عارمة من التأييد تجرف معها الأصوات، كما تجرف أمواج التسونامي العاتية كل ما يقف في طريقها من بشر وحجر وشجر نتيجة الدفع الهائلة لطاقة المياه.
من حظ المسيحيين ولبنان ومن حظ القوات أيضاً ألا يكتمل معها التسونامي الانتخابي في الانتخابات البلدية، فتسونامي ميشال عون جرف الأخضر واليابس وأخذنا إلى جهنم، وتسوناميات حزب الله المتتالية دمّرته ودمّرت البلاد معه.
التسونامي الانتخابي يشبه كثيراً التسونامي الطبيعي ويشكّل خطراً على الديمقراطية تماماً كما يشكّل التسونامي الطبيعي خطراً على حياة البشر وعمرانهم.
فمن جهة، ينتزع التسونامي الانتخابي حرية الانتخاب من الناخب الفرد ويحوّله ضحية للمدّ الجماهيري في ظروف تاريخية معينة تجعل الجماعة الطائفية الناخبة كتلة واحدة متراصة تنتخب بحسب ما تعتقد أنه مصلحتها.
ومن جهة ثانية، وكما أن التسونامي الطبيعي لا يترك إلا الخراب من بعده، كذلك يفعل التسونامي الانتخابي الذي لا يكتفي بتعطيل إرادة الفرد الناخب بل يحوّل المنتصر مستبداً تتعطّل معه الحياة الديمقراطية التي تتطلب وجود أكثرية عقلانية وأقلية قادرة على المعارضة.
وعندما تتعطّل الديمقراطية، تجنح السلطات في العادة نحو قرارات علمتنا التجربة أنها لا تجلب لشعوبها إلا الخراب.
والتسونامي الانتخابي أخطر من التسونامي الطبيعي، لأن ما يخرّبه من عقول ومؤسسات لا يمكن إصلاحه بنفس السهولة والسرعة التي يُصلح بواسطتهما خراب التسونامي الطبيعي.
شعوبنا المتديّنة تحب التسونامي وتصفّق له، لأنها تتوق إلى إلغاء الآخر معتقدة أنها الأقوى أو الأشرف باعتراف الله نفسه، مستعيدة في ضميرها الجمعي أسطورة النبي نوح الذي أخبرنا بأنّ الله اصطفاه هو وجماعته من بين جميع البشر، فأنقذهم وحدهم من الطوفان الذي أراد به تطهير البشرية وتنقيتها.
الطوفان والتسونامي توأمان، كلاهما ينصران طرفاً على حساب الآخرين، ولا يخلّفان وراءهما سوى الموت