إنفجار 4 آب.. أفقدني أمي وأبي وأولادي هاجروا

إنفجار 4 آب.. أفقدني أمي وأبي وأولادي هاجروا

  • ٠٤ آب ٢٠٢٥
  • إلياس معلوف

.لقد غيّر إنفجار 4 آب حياتنا تماماً؛ فبعد أشهر قليلة من رحيل أبي، لحقت به أمي، وأولادي هاجروا لم أمنعهم، بل دفعتهم للخروج، خوفاً عليهم من هذا البلد

 

«أشتاق إلى العائلة... إلى أمي، وأبي، وأختي، وأخي. أشتاق إلينا نحن الخمسة. قبل أيامٍ قليلة، لا أعرف لِمَ، خطر لي أن أعود وأتصفح ألبومات الصور الخاصة بنا، نحن الخمسة»
كارول برمكي قزح، كانت تنتظر إنتهاء عملية جراحية  لإبن عمتها مع سائر أفراد العائلة في مستشفى القديس جاورجيوس(الروم) يوم الرابع من آب غادرت قبل الكارثة الى منزلها في طبرجا فيما بقي والدها برفقة مريض العائلة، فأدركته لحظة إنفجار النيترات في مرفأ بيروت
تقول:وصلت إلى طبرجا... من مستشفى الروم إلى طبرجا، استغرق الطريق ساعة تقريبًا. وما إن وصلنا حتى أتانا إتصال هاتفي يخبرنا بضرورة العودة إلى بيروت. نزلت أنا وزوجي، وقالوا لنا ألا نذهب إلى مستشفى الروم بل إلى مستشفى المشرق لأن والدي مصاب. وصلنا إلى مستشفى المشرق وكنت أسأل زوجي: «جو»، أين أبي بين هؤلاء الجرحى؟' فقال لي: «والدكِ ليس هنا، هو في الأسفل في طابق آخر، ربما الطابق الرابع أو الخامس تحت الأرض» لم أستوعب ما الذي يعنيه بالطابق الرابع أو الخامس تحت الأرض..
قال لي: «علينا أن ننزل إلى هناك». عندما نزلت، شعرت ببرودة  قاسية، فقلت له: «هنا توجد ثلاجات الموتى». فأجابني: «نعم»

- يُقال دائمًا يا كارول، إنّه عندما يصيب مكروه أحد الطرفين، ينكسر الطرف الآخر.
أجل، لم تصمد أمي كثيراً بعده، لقد أصيبت بمرض السرطان بعد عامين من وفاته ولم تصمد طويلًا، ففارقت الحياة بعد أربعة أشهر. لكنها خلال هذين العامين كانت شخصاً حزيناً يتظاهر أمامنا بالسعادة. كنا جميعاً نمثل على بعضنا البعض، لّأننا على ما يبدو لا نجيد التعبير عن مشاعرنا.
ما هذه الدموع؟
إنّه الشوق للعائلة. أنا أتحدث إليهم كل يوم. أُهدي لهم البيت الأول من المسبحة يومياً وأقول لهم: «أنا على يقينٍ أنّكم تروننا من عليائكم، فلتستمروا في النظر إلينا. ورغم أنّكم قد لا تستطيعون إرسال رسالة مباشرة أو نصيحة، أتمنى أن تكونوا ملاكنا الحارس من السماء، لي ولزوجي ولأولادي ولإخوتي».
لقد تغير نمط عيشنا كثيرًا بعد الإنفجار. لم أتردّد في أن يغادر جميع أولادي البلاد. شعرتُ، ولا أعرف إن كان التعبير دقيقًا بالإشمئزاز مما قد سنتعرّض له في هذا البلد.
كانت علاقة أبي بإخوتي جميلة جدًا. أختي، لحظها العاثر، لا تزال تحزن على ما جرى، فقد سافرت إلى دبي لمدة 24 ساعة، ووقعت الحادثة خلال هذه الساعات الأربع والعشرين. هي تندم في كل مرة تتحدث فيها عن الأمر وتبكي وكأن المصاب وقع اليوم، وتقول:«ليتني كنتُ هناك»
أما الأولاد، فبعد مرور خمس سنوات، لا يزالون ينشرون قصصاً على مواقع التواصل الإجتماعي تعبر عن إشتياقهم له، ويكتبون كلمات تؤثر فيّ كثيراً. أنا لا أستطيع التعبير بمثل هذه القوة، فما زلت غير مصدقة أنّه لم يعُد موجوداً. لكننا نؤمن بأنّه يرانا من فوق ويشهد على نجاحنا. في كل مرة يكتبون شيئاً، أشعر بمدى إشتياقهم له، وأقول في نفسي: «إنّهم مجرد شبان كيف لهم أن يحملوا كل هذه التفاصيل»
إنّ قوة الانفجار الذي وقع عند مستشفى الروم موثقة في الفيديو، وبما أنّه توفي هناك، أحبت نوادي الروتاري الدولية أن تكرمه.  كانت لفتة جميلة جداً أن يتمّ إنشاء غرفة ولادة في مستشفى الروم تحمل إسمه، وكان الشعار آنذاك:«حيثما ماتت روح، ستولد كل يوم روح جديدة».
أتصور أنّ هذه السنة ليست كبقية السنوات. هذا العام شعرت بشيء مختلف، شعرت بوجود أمل. ولكن كي لا نخدع أنفسنا، كما قلت، هناك سبب ومسبّب، وربما طفل في العاشرة من عمره يعرف من هو السبب ومن هو المسبّب. لا يزال الأشخاص الذين لم يُحاسَبوا موجودين، ويجب أن ينالوا جزاءهم، لأنّنا لا نريد العيش في غابة.