الميثاقية... تناحر بين النّص والتطبيق!

الميثاقية... تناحر بين النّص والتطبيق!

  • ٠٨ آب ٢٠٢٥
  • كمال أحمد دمج

لم يعطِ الدستور حق «الڤيتو» للطوائف بأن تقصي نفسها أو تعتكف عن المشاركة في السلطة كوسيلة لفرض مآربها وتعطيل البلد كله تحت حجاب الميثاقية التوافقية.


جاءت مقدّمة الدستور اللبناني في الفقرتين (أ - ي) منها لتنصَّ على أنَّ «لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه... ولا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك»، فما هو هذا الميثاق؟ وأيُّ دور للميثاقية في النظام اللبناني؟
إنبثق الميثاق الوطني، وهو إتفاق غير مكتوب، عن توافق لبناني أو بالأحرى عن تسوية سياسية أغلقت الباب على انقسام لبناني حول التركيبة الداخلية والتموضع الإقليمي والهوية اللبنانية وموقع لبنان بين الشرق والغرب، عبر انصهار إسلامي - مسيحي تحت راية هذا الكيان الناشئ حينها، عُبِّر عنها وما زال بـ «صيغة العيش المشترك»، التي تضمن حكم البلد بالتآخي بين الديانَتَيْن الموجودتين أصولاً في هذه الأرض، وهذا يعني عملياً ألَّا يجوز لأي سلطة في لبنان أن تتكوّن بجميع أركانها من ديانة واحدة وإقصاء الديانة الأخرى عن القرار الوطني، وذلك بهدف دحض تعسّف إحدى الديانَتَيْن في ممارسة السلطة على حساب الديانة الأخرى. وفي التطبيق الدستوري لهذا الأمر، جاءت المادة ٢٤ من الدستور لتفرض إنتخاب المجلس النيابي على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين ونسبياً بين الطوائف ونسبياً بين المناطق. كذلك جاءت المادة  ٩٥ منه لتوصي بتمثيل الطوائف بصورة عادلة في الحكومة بما يتلاءم والوفاق الوطني، وهو المتمثّل عملياً بالمناصفة والنسبية في كافة المؤسسات الدستورية.
وإنطلاقاً من هذا السرد الدستوري، يُلاحَظ أنَّ العقد الإجتماعي المنبثق عن الميثاق الوطني بين اللبنانيين حريص كل الحرص على الشراكة الإسلامية - المسيحية في إدارة البلد بالتوازن بينهما، دون إيلاء أيّ حق أو أيّ دور للطوائف والمذاهب المتفرّعة عن تلك الديانَتَيْن في تعطيل البلد على وجودها الفعّال في السلطة، ولم يعطِ الدستور حق «الڤيتو» للطوائف بأن تقصي نفسها أو تعتكف عن المشاركة في السلطة كوسيلة لفرض مآربها وتعطيل البلد كله تحت حجاب الميثاقية التوافقية. فباختصار، لا يمكن لدولة أن تدار وأن تستمر وتستقر وتنمو إن انتهجت نظام مجلس الأمن القائم على المصالح الدولية، لا على العيش المشترك في إقليم واحد ونظام واحد وتاريخ واحد... أمّة واحدة تعيش تحت سماء واحدة، وإلّا فما الذي يمنع العلويين أو السريانيين أو اللاتينيين أو الأشوريين اللبنانيين مثلاً من الإحتجاج على عدم ميثاقية الحكومة وعدم ميثاقية قراراتها بسبب تغييبهم عن عضويتها!!؟
إنَّ الميثاقية إذاً هي حتماً دينية بين المسلمين والمسيحيين، وأبداً ليست طائفية أو مذهبية. وما يؤكّد هذا الأمر هو أنَّ الدستور اللبناني لم يولي أي من الديانَتَيْن الأكثرية القادرة على التقرير في أيٍّ من السلطات الدستورية، وهذه هي الضمانة للمسلمين والمسيحيين معاً بعدم إتاحة المجال لأيّ من الطرفين في الإستئثار بالحكم والقرار. والتقرير إذاً، أكان برلمانياً، أو حكومياً، يكون بالأكثرية، أي بالتشارك بين الديانَتَيْن وليس بالإجماع بين كافة الطوائف والمذاهب.