تسارع الخطى بين الروبوت ورحم الأم

تسارع الخطى بين الروبوت ورحم الأم

  • ١٩ آب ٢٠٢٥
  • تيريزا كرم

تكنولوجيا الحمل الآلي تضع العالم في مواجهة مباشرة مع أسئلة أخلاقية وقانونية معقدة حول طبيعة الأمومة والحياة.

 في اللحظة التي تكتشف فيها الأم خبر حملها، يتولّد بداخلها إحساس فريد لا يشبه أي شعور آخر: طفل ينمو من رحم علاقة حب، ليغدو الرابط بينهما روحًا داخل روح. منذ تلك اللحظة، يبدأ حوار صامت بين الأم وجنينها، علاقة عاطفية وبيولوجية تتجاوز حدود العلاقات الإنسانية المعتادة، وتمتد لتصبح إرتباطاً دائماً.

لكننا نقف اليوم أمام مفارقة مفصلية: عالم يتسارع فيه الذكاء الاصطناعي ليزاحم أكثر التجارب إنسانية ودفئًا. فبعد أن حلّ الروبوت مكان الإنسان في الكتابة والإبداع، محوِّلًا النصوص إلى عبارات باردة خالية من الإحساس، ها هو اليوم يطرق باب الأمومة نفسها، في مشهد يهدّد بإفراغ التجربة الأكثر عاطفية من معناها الإنساني العميق.

لقد اهتم الباحثون منذ عقود بمفهوم التعلق الأمومي بالجنين (MFA)، باعتباره الرابط العاطفي والمعرفي والسلوكي الذي تطوره المرأة تجاه جنينها أثناء الحمل. وأظهرت الدراسات أنّ هذا التعلق يمثّل عامل حماية أساسي في بناء علاقة صحية بين الأم وطفلها بعد الولادة، بل ويؤثر في نمو الطفل العاطفي والسلوكي والمعرفي في سنواته الأولى.

من اللافت أنّ التجارب الحياتية السابقة للأم، خصوصًا علاقتها بوالديها خلال الطفولة والمراهقة، تؤثر بشكل مباشر على مستوى هذا التعلق. فالرعاية الوالدية الإيجابية تزرع لدى المرأة بذور العاطفة والرعاية، لتنعكس لاحقًا في طريقة تواصلها مع جنينها، بينما قد يؤدي غيابها أو الحماية المفرطة إلى إضعاف هذه الرابطة. وتشير نتائج دراسات حديثة إلى أنّ الرعاية المتصوّرة من قِبل الأم والأب تترك أثرًا مباشرًا في عمق التعلق بين الأم والجنين، حتى بعد ضبط العوامل البيولوجية والإجتماعية مثل عمر الحمل وعمر الأم.

ومن المعلوم،  أنّ الحمل ليس مجرد عملية بيولوجية، بل تجربة وجودية تعيد تشكيل إدراك المرأة لذاتها ولطفلها. ففي أحشائها يتكوّن كيان جديد، ومعه تتكوّن أيضًا صورة الأمومة ذاتها؛ صورة مليئة بالمخاوف والتوقعات والأحلام، تُترجم إلى حوار داخلي تُجريه الأم مع جنينها. ومن خلال هذا الحوار، تُرسم ملامح العلاقة المستقبلية بين الأم وطفلها، لتصبح مرحلة الحمل أساسًا للعاطفة والرعاية في ما بعد الولادة.

وفي المقابل، في خطوة تبدو كأنّها من روايات الخيال العلمي، كشفت شركة «كايوا تكنولوجي» الصينية عن مشروعها الطموح لتطوير ما قد يكون أوّل «روبوت حامل لجنين بشري» في العالم. تستخدم الشركة المذكورة  تقنية رحم إصطناعي داخل روبوت، يتيح للجنين البشري الذي وضع فيه النمو داخل سائل أمنيوسي إصطناعي وتغذيته عبر أنبوب يحاكي الحبل السري. ومن المتوقع أن يُطرح الروبوت بحلول عام 2026   بسعر يقل عن 13,900 دولار، ليصبح بديلًا عن الحمل الطبيعي للأشخاص الراغبين في تجنّب أعباء الحمل البشري.

وعلى الرغم من التفاؤل الذي تبديه الشركة، يشير خبراء إلى أنّ التقنية الحالية للأرحام الإصطناعية ما زالت تقتصر على دعم حياة الأجنة الخُدّج بعد فترة حمل جزئية، أما تجربة حمل كامل داخل رحم إصطناعي ما زالت تشكل  تحدياً علمياً كبيراً. وأنّ التجارب الناجحة في هذا الإطار إقتصرت على نمو جنين خروف داخل «كيس حيوي» في سياق الأبحاث  في مستشفى للأطفال في فيلادلفيا عام 2017.  

لقد أثار الإعلان عن الروبوت الحامل موجة واسعة من النقاش العام في الصين وحول العالم. منهم من يرى في هذا الإبتكار أملاً كبيراً لمن يعانون من العقم ووسيلة لحماية النساء من مخاطر الحمل والولادة،  في المقابل يحذر المعارضون من تداعيات أخلاقية خطيرة، مثل غياب الرابط العاطفي والبيولوجي بين الأم والجنين، واحتمالية تحويل الإنجاب إلى عملية تجارية.

لكن الفارق الجوهري يبقى واضحًا: بينما الحمل البشري ينطوي على تجربة عاطفية معقدة تشكل علاقة الأم بطفلها مدى الحياة، يقتصر الروبوت على محاكاة العمليات البيولوجية، دون أي إحساس أو عاطفة حقيقية. فحتى لو نجحت التكنولوجيا في نمو الجنين وولادته، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن لآلة أن تحاكي الحنان، الخوف، الفرح، والحب الذي يولده الحمل البشري؟ أو ترسم آفاق المستقبل باتجاهاته غير المتوقعة؟