لبنان… من زراعة الحشيشة إلى محور لتجارة المخدرات العالمية
لبنان… من زراعة الحشيشة إلى محور لتجارة المخدرات العالمية
لبنان بلد ينتج ويهرّب ويستهلك المخدرات. تجارة المخدرات ليست مجرد قضية جنائية، بل إقتصاد ظل قائم على مبدأ «الإختصاص» بين العصابات.
منذ عقود طويلة إرتبط اسم لبنان بزراعة الحشيشة في سهل البقاع، لكن الصورة اليوم باتت أعقد بكثير. فالدولة الصغيرة تحولت تدريجياً إلى محطة رئيسية في خريطة تجارة المخدرات العالمية، تجمع بين كونها دولة مُنتِجة لبعض الأنواع، ومعبراً أساسياً لتهريب أنواع أخرى، إضافة إلى كونها سوقاً إستهلاكية متنامية.
الحشيشة تبقى المنتج الأبرز محلياً، إذ تزرع بكميات كبيرة وتُصدَّر إلى الخارج، حتى باتت جزءاً من إقتصاد ظل يصعب ضبطه. أما الكبتاغون، فهو يُصنَّع إمّا في لبنان وإمّا في سوريا، ليُهرَّب عبر الأراضي اللبنانية نحو الخليج، حيث الطلب عليه مرتفع. كذلك، يُصنَّع جزء من الأفيون ويحوّل إلى هيرويين داخل لبنان، فيما تصل كميات أخرى من هذه المادة من آسيا الوسطى، وخصوصاً من أفغانستان، قبل أن تجد طريقها إلى السوق المحلية.
في المقابل، تأتي الحبوب المخدرة الصناعية مثل الإكستاسي من أوروبا، بينما الكوكايين – وهو التجارة الأضخم والأكثر ربحاً – يصل من أميركا الجنوبية، خاصة من كولومبيا والبيرو. وهكذا، يصبح لبنان في موقع «plaque tournante» أي نقطة محورية لتوزيع المخدرات: فهو مصدر لبعضها، ومعبر لبعضها الآخر، وسوق نهائي لأنواع أخرى.
هذه التجارة تُقدَّر بمئات ملايين الدولارات سنوياً، ولا يمكن أن تستمر بهذا الحجم من دون شراكة بين شبكات إجرامية منظّمة، وعناصر فاسدة داخل أجهزة الدولة، أو قوى أمر واقع تفرض نفوذها. ولكل نوع من المخدرات مسار تهريب خاص به، ولكل شبكة مختصون: من المنتجين والمصنّعين، إلى المهربين، وصولاً إلى الموزعين والمروجين.
لكن السؤال الأهم يبقى: ما الذي حوّل هذه الدولة الصغيرة إلى مركز إنتاج وتهريب وترويج بهذا الحجم؟ الجواب يكمن في ضعف الدولة وعجزها عن فرض سلطتها على أراضيها وحدودها، مقابل إستغلال قوى الأمر الواقع فائض القوة الذي تمتلكه. هذه القوى وجدت في تجارة المخدرات وسيلة سريعة وفعالة لجني الأرباح، فأقامت شبكات موازية تستفيد من الفراغ الأمني وتحوّل الفساد إلى غطاء. وبهذا، صار إقتصاد الظل مرتبطاً عضوياً بموازين القوى الداخلية، حيث يتقاطع المال مع النفوذ، والجريمة مع السياسة.
على المستوى الإجتماعي، تختلف خارطة الإستهلاك بين الفئات: فالحشيش منتشر بشكل واسع بين شرائح الشباب وطلاب الجامعات. أما الكوكايين فيبقى «مخدر الأغنياء» المرتبط بأماكن السهر والطبقات الميسورة. الهيرويين هو مخدر الفقراء، بينما الحبوب مثل الإكستاسي تلقى رواجاً بين الشباب في المناسبات والحفلات. في المقابل، يبقى الكبتاغون موجهاً في الأساس للتصدير إلى الخليج، حيث يشكل أحد أبرز مصادر التمويل للعصابات.
وتطرح الأرقام أسئلة صادمة: وفق مصادر أمنية، يدخل إلى لبنان نحو أربعة أطنان من الكوكايين سنوياً. هذه الكميات تُنقل إلى البقاع الشمالي حيث تُعالج في مطابخ خاصة، قبل أن تُوزّع عبر شبكات مروّجين في مختلف المناطق. الأموال التي تُجنى يومياً تُجمع ليلاً وتُنقل بدورها إلى البقاع الشمالي، ثم تُعاد توجيهها إلى الخارج، في مشهد يُظهر حجم التواطؤ أو التقصير، وغياب أي قدرة حقيقية للدولة على ضبط هذه الشبكات.
لبنان إذاً يقف أمام معضلة مزدوجة: من جهة، بلد ينتج ويهرّب ويستهلك المخدرات، ومن جهة أخرى، دولة عاجزة عن فرض سيطرتها على أراضيها وحدودها. تجارة المخدرات ليست مجرد قضية جنائية، بل إقتصاد ظل قائم على مبدأ «الإختصاص» بين العصابات، يهدد المجتمع والإقتصاد والأمن على حد سواء. وللحديث تتمة…