بشير الجميل: بين الحلم المسيحي والإتهام بالعمالة

بشير الجميل: بين الحلم المسيحي والإتهام بالعمالة

  • ١٤ أيلول ٢٠٢٥
  • أنطوني سعد

بشير كان زعيماً مسيحياً ذا رؤية، أدخل خطاباً جديداً يرفع شعار الدولة والكيان اللبناني في مواجهة مشاريع التفتيت

شكّل بشير الجميل، قائد القوات اللبنانية والرئيس المنتخب الذي اغتيل قبل أن يتسلّم منصبه، إحدى أكثر الشخصيات إشكالية في تاريخ لبنان الحديث. بالنسبة إلى قطاع واسع من المسيحيين كان رمزاً للحلم بدولة قوية، تعيد الإعتبار إلى دورهم بعد سنوات من التهميش. أمّا لخصومه، فكان مشروعاً إسرائيلياً مكتمل الأركان، وصل بدبابة العدو، وارتبط إسمه بمجازر ودماء لم تجِف حتى اليوم.

الحقيقة أنّ بشير تدرّج في مساره السياسي من قائد ميليشيا مسيحية تخوض حرب وجود ضدّ منظمة التحرير الفلسطينية وحلفائها اللبنانيين، إلى زعيم مسيحي إستثمر خطاب القوة ليصعد في الساحة اللبنانية. إرتبط إسمه بمحطات دموية بارزة: مجزرة إهدن التي قضى فيها طوني فرنجية وعائلته، وإقتحام منطقة الصفرا ضدّ داني شمعون وحزبه الوطنيين الأحرار، فضلاً عن معارك دامية ضدّ الفلسطينيين واليسار اللبناني. هذه الأحداث تركت في الذاكرة صورة «أمير حرب» لا يتردد في استخدام العنف السياسي لتصفية الخصوم.

لكن الوجه الآخر لبشير كان زعيماً مسيحياً ذا رؤية، عمل على تنظيم الميليشيا وتحويلها إلى قوة سياسية-عسكرية متماسكة، وأدخل خطاباً جديداً يرفع شعار الدولة والكيان اللبناني في مواجهة مشاريع التفتيت. إنتخابه رئيساً للجمهورية في آب 1982 حمل أبعاداً رمزية: مسيحي شاب يَعِد بإعادة بناء الدولة، في لحظة تاريخية بدت فيها إسرائيل في أوج قوتها داخل لبنان.

العلاقة مع إسرائيل تبقى النقطة الأكثر إثارة للجدل. فقد نسج الجميل تحالفاً ميدانياً معها ضدّ منظمة التحرير، مستفيداً من سلاحها ودعمها السياسي، لكن الوثائق والمعطيات تشير إلى أنّه لم يكن مطيعاً بالكامل. إسرائيل رأت فيه وسيلة لتحقيق هدف واحد: إنهاء الوجود الفلسطيني المسلح. أما هو فكان يراهن على الدعم الإسرائيلي لتثبيت موقعه ثم فرض أجندته اللبنانية. إغتياله في 14 أيلول 1982 وضع حداً لهذه الموازنة الدقيقة، وأنهى سريعاً «المشروع البشيري» قبل أن يختبر في الحكم.

يبقى السؤال: لو قُدِّر لبشير أن يحكم، هل كان عهده سيكون إمتداداً لعهد شقيقه أمين الجميل، المليء بالتسويات والتنازلات، أم أنّه كان سيفرض نموذجاً مختلفاً من السلطة الصلبة التي أرادها؟ أنصاره يجزمون أنّه كان سيبني دولة قوية لكل اللبنانيين، وخصومه يصرّون أنّه كان سيغرق في نزعة إستبدادية دموية.

بشير الجميل لم يكن ملاكاً ولا شيطاناً محضاً. كان إبناً للحرب الأهلية بوجهَيها: وجه المقاومة بعيون جماعته، ووجه الدم والعمالة بعيون خصومه. مقتله لم يكن فقط نهاية رجل، بل نهاية حلم مسيحي بتكريس «الرئيس القوي»، وبداية مرحلة طويلة من ضياع التوازنات اللبنانية.