زيارة يزيد بن فرحان إلى بيروت: إطلاق مبكر لمعركة الغالبية النيابية
زيارة يزيد بن فرحان إلى بيروت: إطلاق مبكر لمعركة الغالبية النيابية
الرياض قررت هذه المرة الخروج من سياسة الإنتظار إلى سياسة الهجوم، تمدّ اليد إلى خصوم الأمس تحت قاعدة «نحاربكم لننتصر بكم لا عليكم»
زيارة الموفد السعودي يزيد بن فرحان إلى لبنان الأسبوع الماضي لم تكن بروتوكولية عادية، بل جاءت لتفتح رسميًا موسم الإنتخابات النيابية وتطلق معركة مبكرة على الغالبية البرلمانية بين محور المقاومة من جهة، وخصومه «السياديين» من جهة أخرى. الجولة التي شملت لقاءات سياسية واسعة حملت إشارات واضحة إلى توجّه سعودي لإعادة رسم الخريطة الإنتخابية، خصوصًا في البيئات السنّية والمناطق المفصلية.
المحطة الأبرز في الزيارة كانت لقاءه بصائب سلام، نجل الرئيس السابق تمام سلام، الذي يبرز اليوم كوجه جديد للسياسة السعودية في بيروت. صائب يستعد لقيادة لائحة مدعومة من الرياض في دائرة بيروت الثانية، حيث تسعى المملكة لإعادة الحضور السنّي القوي الذي فقدته بعد تراجع تيار المستقبل وغياب قياداته التقليدية، وذلك عبر تقديم بديل سياسي جديد قادر على ملء الفراغ الذي تركه «المستقبل» في العاصمة. هذا اللقاء عُدّ بمثابة إعلان واضح عن نيّة الرياض الإستثمار المباشر في الساحة البيروتية عبر شخصية شابة قادرة على منافسة حلفاء المقاومة في قلب بيروت.
اللقاء الثاني اللافت كان مع النائب فيصل كرامي في طرابلس. تاريخيًا، إرتبط إسم كرامي بمحور المقاومة، مستفيدًا من علاقاته الوثيقة بسوريا وحزب الله، لكنه في الآونة الأخيرة أرسل إشارات متتالية توحي بتبدّل في موقعه السياسي. لقاء بن فرحان جاء ليكرّس هذا التحوّل، في خطوة قد تفتح الطريق أمام تحالفات جديدة في الشمال تُضعِف نفوذ المحور في مدينة كان يحاول منذ سنوات نسج تحالفات داخلها لإلغاء دورها.
أما اللقاء الثالث فجمع بن فرحان بالنائب حسن مراد، ممثل البقاع الغربي وحليف المحور التاريخي هناك. مراد، الذي مثّل لسنوات إمتدادًا للخط المقاوم في البرلمان، بدا اليوم في موقع إعادة تموضع، أو على الأقل ترك باب الخيارات مفتوحًا. هذا التحوّل يحمل خطورة بالغة على المحور، إذ يهدد بفقدان أحد ركائزه الأساسية في منطقة حساسة إنتخابيًا، ما قد يمهّد لخسارات أوسع أمام خصومه.
ولم تقتصر تحركات بن فرحان على هذه المحطات الثلاث، إذ التقى أيضًا بعدد من الشخصيات السنّية القريبة منه، وعلى رأسها صديقه وضاح الصادق الذي تربطه علاقة وثيقة بالأمير منذ ما قبل توليه الملف اللبناني، والذي تعبّر مواقفه بوضوح عن تماهي مع توجهات المملكة الداعية إلى بناء دولة قوية وقادرة. ويُعتبر الصادق أبرز حلفاء السعودية في بيروت وواجهة أساسية للمشروع السيادي فيها. كما التقى أيضًا بالوزير السابق أشرف ريفي، رأس حربة التيار السيادي في طرابلس، والذي يُعد من أبرز الأصوات الداعية لمواجهة نفوذ محور المقاومة في الشمال.
وفي المحصّلة، يبدو أنّ بن فرحان أعاد ترتيب الساحة السنّية بخطة مدروسة تقوم على تشكيل لوائح متعددة وقوية في العاصمة بقيادة وضاح الصادق، صائب سلام، فؤاد مخزومي و«الأحباش»، لا لائحة واحدة، بما يتيح الإستفادة القصوى من كسور الحواصل وتحويلها إلى مقاعد مضمونة. وفي طرابلس دفع بأشرف ريفي وفيصل كرامي إلى واجهة المواجهة، فيما حاصر خصومه في البقاع الغربي ليبني جبهة سنّية متماسكة قادرة على تحدي المشروع الإيراني. الرسالة واضحة مفادها أنّ الرياض قررت هذه المرة الخروج من سياسة الإنتظار إلى سياسة الهجوم، تمدّ اليد إلى خصوم الأمس تحت قاعدة «نحاربكم لننتصر بكم لا عليكم»، ومؤكدة أنّ استراتيجيتها الناعمة قادرة على إضعاف سلاح المحور عبر صناديق الإقتراع والتحالفات الذكية.