الحرب المقبلة من المصارف لا من السماء
الحرب المقبلة من المصارف لا من السماء
المرحلة القادمة هي معركة فصل المال عن السلاح. إقفال شركات، تجميد حسابات، هروب سيولة، وانكماش شبكات إقتصادية كاملة. هذه حرب لا تُستخدم فيها الطائرات فقط، بل تُستخدم فيها المصارف، والدفاتر، والأرقام.
في الأسابيع الأخيرة تغيّر النقاش في واشنطن. لم يعد تركيز الإدارة الأميركية على سلاح حزب الله أو على خط النار في الجنوب، بل على البنية المالية التي تسمح لهذه القوة أن تنمو وتستمر. الحديث عن تحويلات بمليارات الدولارات من إيران ليس رقماً تقنياً، بل هو أساس مسار جديد: تجفيف التمويل قبل الحرب، وربما بدلاً من الحرب.
وفد وزارة الخزانة الذي زار بيروت لم يأتِ للسياحة الدبلوماسية. جاء حاملاً لوائح بأسماء أشخاص ومؤسسات وشركات وصرافين وتجار سيارات ومكاتب تحويل. هذه ليست أسماء عابرة. هذه مفاصل شبكة كاملة بُنيت على مدى عقود، بين لبنان، أفريقيا، أميركا الجنوبية، أوروبا، وحتى روسيا. الأميركي يريد ضرب هذه المفاصل واحدة تلو الأخرى. يريد تفكيك الشبكة بلا إنفجار، ولكن مع إنهيار تدريجي لقدرتها على تمرير الأموال.
هذه الشبكة لم تُبنَ على العقيدة وحدها. الجزء الأخطر فيها أنّها تعمل على قاعدة «المصلحة» لا «الإيمان». الديسبورا اللبنانية لعبت فيها دوراً أكبر من أي خطاب سياسي. شركات واجهة، مؤسسات خيريّة، ثغرات في الجمارك، ملفات استيراد وتصدير، تحويلات غير مرئية، وحتى العملات الرقمية. كل ذلك شكّل شرايين دعم لوجستي ومالي دخلت في صلب قدرة الحزب على تمويل السلاح والعمليات والخدمات.
اليوم الأميركي يريد تحويل كل نقطة في هذه السلسلة إلى مخاطرة. أميركا لا تريد أن تمنع السلاح فقط، بل تريد أن تجعل المال مكلفاً وخطيراً ومهدِّداً لكل من يقترب منه. واللافت أنّ إسرائيل تسير على الطريق نفسه، فهي أيضاً انتقلت من استهداف الصف الأول إلى استهداف كوادر صغيرة، ومراكز تجميع أموال، وشخصيات كانت تُعتبر هامشية في الماضي.
النتيجة المتوقعة لن تكون بسيطة على الداخل اللبناني. إقفال شركات، تجميد حسابات، هروب سيولة، وانكماش شبكات إقتصادية كاملة. هناك أشخاص سيدخلون قائمة العقوبات فقط لأنّهم نقلوا مبلغاً، سلّفوا صديقاً، أو وقّعوا فاتورة في المكان الخطأ. هذه حرب لا تُستخدم فيها الطائرات فقط، بل تُستخدم فيها المصارف، والدفاتر، والأرقام.
المرحلة المقبلة هي معركة فصل المال عن السلاح. إقتلاع الشريان قبل إستهداف الجسد. وإذا نجحت واشنطن في هذه الاستراتيجية، فسيكون حزب الله أمام معركة غير مألوفة: معركة تُحسم في الأنظمة المصرفية قبل المتاريس، وفي الحسابات قبل الحدود.

