نقابة المحامين.. خرق للإصطفافات والقوات تعزّز حضورها

نقابة المحامين.. خرق للإصطفافات والقوات تعزّز حضورها

  • ١٧ تشرين الثاني ٢٠٢٥
  • أنطوني سعد

دعم حزبي منظّم، تمرّد على تصويت الأحزاب، تصويت مستقلّ كثيف، وخوف من تسليم النقابة لتحالف مع الممانعة. النتيجة كانت واضحة: إكتساح.

ما جرى في نقابة المحامين لم يكن انتخابات مهنية عادية، بل صفعة سياسية كاملة أصابت معظم الأحزاب، وخاصة الذين دخلوا المعركة بثقة زائدة وبخطاب أكبر من حجمهم. في سابقة نقابية نادرة، اجتمعت كل القوى، من اليمين إلى اليسار، حول المحامي إيلي بازرلي، إبن النقابة ورفيق معظم النقباء السابقين، الرجل الذي لطالما حلم بمنصب النقيب ورأى فيه تتويجاً لمسيرته داخل البيت النقابي. دعمته الكتائب، وباركت له أحزاب وشخصيات، وبدت الطريق مفتوحة أمامه… إلى أن حصل ما لم يكن في الحسبان.

فالكتائب التي تعيش مقاطعة سياسية داخلية، وجدت نفسها تتحالف داخل النقابة مع التيار الوطني الحر. نعم، نفس التحالف الذي كانوا يهاجمونه صباحاً أقاموه مساءً داخل النقابة. دعموا مرشحاً عونياً صِرفاً، ودخلوا في تفاهمات مع أحزاب الممانعة، من حزب الله إلى القومي السوري، تحت عنوان واحد: تحقيق الفوز مهما كان الثمن. لكن المفارقة أن كل هذا «الفولكلور التحالفي» إنهار دفعة واحدة، لا منصب، لا خطاب سياسي، ولا حتى تبرير مقنع للخسارة أمام جمهورهم.

على الجهة المقابلة، كان عماد مارتينوس يخوض المعركة وحيداً تقريباً… إلا من دعم القوات اللبنانية. ومع ذلك، اجتاح صناديق الإقتراع كما اجتاح النقابة نفسها، وأسقط خصومه بالضربة القاضية. وهنا ظهرت معطيات إضافية قلبت المشهد، فشخصية مارتينوس الهادئة والصلبة لعبت دوراً مركزياً، إذ جذبت محامين من خارج الخط السياسي التقليدي، كما أنّ كثيرين داخل أحزاب مختلفة رفضوا الإنصياع لقرار قياداتهم وصوّتوا له سراً. فوق ذلك، نسبة كبيرة من المستقلين اختارته لأنّه بدا الأقرب إلى الخط المهني الحقيقي بعيداً عن الإصطفافات.

وفي المقابل، كان جزء واسع من الناخبين متخوّفاً من انتخاب مرشح مدعوم من حزب الله، خصوصاً بعد تحالفات اللحظة الأخيرة التي وُصفت بأنّها «مريبة». هذا العامل دفع شريحة من المترددين إلى التصويت لمارتينوس، ليس فقط إقتناعاً، بل هرباً من خيار يرَون أنّه يمهّد لتسييس النقابة في اتجاه لا يريدونه.

هذه العوامل كلّها اجتمعت، شخصية قوية، دعم حزبي منظّم، تمرّد على تصويت الأحزاب، تصويت مستقلّ كثيف، وخوف من تسليم النقابة لتحالف مع الممانعة. النتيجة كانت واضحة: اكتساح.

فالقوات اللبنانية تراكم الانتصارات من نقابة إلى أخرى، وتستخدم هذه المواقع لإظهار حجمها السياسي الفعلي، بعيداً عن المبالغات أو الخطابات العاطفية. نقابة المحامين، التي تُعدّ من أكثر المؤسسات المهنية تأثيراً في لبنان، أصبحت اليوم جزءاً من رصيد القوات، ما يضيف إلى حضورها قوة إضافية وشرعية تمثيلية يصعب تجاهلها في المزاج المسيحي والوطني معاً.

ويبقى السؤال: هل ما حدث مجرد محطة نقابية، أم أنّه صورة أولية لما قد يحدث في الإنتخابات النيابية المقبلة؟ هل تعكس هذه النتيجة تحوّلاً فعلياً في المزاج العام، أم أنّ حسابات البرلمان تبقى مختلفة عن صناديق النقابة؟
ما نعرفه اليوم هو التالي: القوات ربحت جولة كبيرة، وخصومها خسروا معركة كانوا يعتبرونها مضمونة. أما الحقيقة النهائية فستتضح في المعركة الأكبر… في البرلمان، حيث تُقاس الأحجام الفعلية، ويُعرف من يملك القوة الحقيقية، ومن كان يختبئ خلف تحالفات تعبّر عنه أقل مما تكشفه