ليلة «الاحتفال» السوري في لبنان… حادث عابر أم فصل من معركة أكبر؟
ليلة «الاحتفال» السوري في لبنان… حادث عابر أم فصل من معركة أكبر؟
مع غياب أي قرار واضح لضبط الشارع، تصبح الساحة مفتوحة أمام توظيف الكتلة الكبيرة من السوريين في لبنان، بوصفها عنصر ضغط قابل للإستخدام سياسياً وأمنياً.
مرّت ذكرى عام على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، لكن ارتدادات هذا الحدث لم تبقَ داخل الحدود السورية. ففي شوارع بيروت وصيدا، تحوّلت المناسبة إلى ليلة صاخبة من «الإحتفالات» التي أقامها بعض السوريين المقيمين في لبنان، سرعان ما خرجت عن طابعها الرمزي لتتحول إلى مواجهات وإشكالات مع مناصري حزب الله، أعادت التوتر إلى الشارع وفتحت باب الأسئلة حول خلفيات ما جرى.
ظاهرياً،يمكن توصيف ما حصل على أنّه تعبير عاطفي عن حدث مفصلي في تاريخ سوريا، اختلط فيه الفرح بالفوضى، كما يحدث غالباً في مناسبات مشابهة داخل بيئة إجتماعية هشة كلبنان. لكن القراءة الأعمق لما جرى تُظهر أنّ المسألة تتجاوز مجرد إحتفال، خصوصاً مع تكرار الإشكالات في أكثر من منطقة، وبحدّة سياسية واضحة هذه المرة.
في بيروت، كما في صيدا، لم تكن الإشتباكات عفوية بالكامل. الشعارات، أماكن التجمع، وطبيعة الإحتكاك، كلها عكست إصطفافات سياسية أكثر مما هي خلافات فردية. وهو ما يعيد طرح السؤال: هل نحن أمام حدث إجتماعي خارج عن السيطرة، أم أمام رسالة سياسية يتم اختبارها في الشارع اللبناني؟
بحسب مصدر أمني غربي مطّلع، فإنّ ما حصل لا يمكن فصله عن مقاربة جديدة يجري تداولها في بعض العواصم الغربية للتعامل مع حزب الله في لبنان. هذه المقاربة تقوم على فتح جبهة ضغط غير مباشرة، لا عبر المواجهة العسكرية، بل من خلال توظيف الواقع السوري داخل لبنان، وتحديداً الكتلة الكبيرة من السوريين المقيمين فيه، بوصفها عنصر ضغط قابل للاستخدام سياسياً وأمنياً.
المصدر نفسه يشير إلى أنّ الغرب بات يعتبر أنّ المواجهة المباشرة مع حزب الله استنفدت أدواتها، وأنّ البحث جارٍ عن وسائل أقل كلفة وأكثر تأثيراً. وفي هذا السياق، يشكّل الملف السوري في لبنان ورقة حساسة، كثافة بشرية كبيرة، تراكم إجتماعي وإقتصادي، توتر سياسي، ودولة لبنانية عاجزة أو غير راغبة في الحسم.
ومع غياب أي قرار واضح من الحكومة اللبنانية لضبط الشارع أو إدارة هذا الملف بحزم، تصبح الساحة مفتوحة أمام إستخدام السوريين كورقة ضغط. ليس بالضرورة عبر دفعهم إلى الصدام المباشر، بل عبر ترك التوتر يتراكم، وإظهار حزب الله كطرف داخلي يعيق الإستقرار، ويقف في مواجهة «مزاج شعبي متغيّر» داخل لبنان.
في هذا الإطار، لا يخطئ من يربط بين ما جرى وبين الخطاب الغربي المتصاعد حول أولوية نزع سلاح حزب الله. فالتلويح بورقة عدم الإستقرار الداخلي، الطائفي والإجتماعي، قد يشكّل مرحلة جديدة من الضغط السياسي، عنوانها أنّ استمرار السلاح لا يهدد الخارج، بل الداخل اللبناني نفسه.
السؤال الأخطر يبقى: إلى أي مدى يمكن أن يذهب هذا المسار؟ وهل يُترك لبنان مجدداً كساحة اختبارات، تُستخدم فيها جماعات مقيمة على أرضه كأدوات صراع؟ ما جرى في تلك الليلة قد لا يكون سوى إنذار مبكر، في بلد اعتاد أن تبدأ فيه المعارك بصوت احتفال، وتنتهي بفوضى شاملة.

