الصين... لا صداقات في الشرق الأوسط

الصين... لا صداقات في الشرق الأوسط

  • ١٠ شباط ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

أعلنت شركة «أمبري» للأمن البحري تعرّض سفينتي (Star nasia) «ستار ناسيا» الأميركية، و(Morning Tide) «مورنيغ تايد »البريطانية، للإستهداف من قبل الحوثيين في 6 شباط. ولا تزال السفينتين في البحر الأحمر منذ الإستهداف يوم الثلثاء عند الساعة 9 و39 دقيقة. وكانتا متجهتين إلى الهند، وكان من المفترض أن تصلا في 17 شباط الى ميناء «فيساخاباتنام».

التجارة العالمية بين الصين والحوثيين

تستحوذ التجارة العالمية على النقاش اليوم، مع كل ما يحدث في البحر الأحمر، حيث يستهدف الحوثيون سفن تجارية أميركية وبريطانية، دعماً للمقاومة في غزة، مما أدى إلى تعطيل التجارة العالمية، وقام عدد متزايد من الدول بإرسال سفن لحماية الممر. أما الصين فتقف على الحياد، وبحسب وكالة «رويترز»، أقصى ما قامت به بكين هو الضغط سراً على إيران للتدخّل، على الرغم من نفي المسؤولين الإيرانيين لهذه التقارير.

 

 

الفتور الصيني في إتخاذ موقفٍ واضح من الحرب على قطاع غزة، وفي الاستهدافات في البحر الأحمر، قابله تدخل مباشر من الإدارة الأميركية، التي دعمت إسرائيل بمليارات الدولارات، إلى جانب دورها كمدافع رئيسي عنها في الساحة الدولية. وإتخذت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إجراءات في البحر الأحمر، وشنّت ضربات ضدّ الحوثيين في اليمن، وحشدت فرقة عمل دولية للمساعدة في ضمان حريّة الملاحة في الممر.

منذ بداية الحرب على قطاع غزة، كان النهج الذي تبنته الصين يتّسم بالحذر، وإنتظر الرئيس الصيني «شي جين بينغ» قرابة الأسبوعين قبل الإدلاء بأي تصريح، مما أثار غضب المسؤولين الإسرائيليين. وفي الأشهر التي تلت ذلك، قدّمت الصين نفسها كصانعة للسلام، داعية إلى وقف إطلاق النار وإقامة دولة فلسطينية دون الذهاب إلى حدّ توريط نفسها بشكل مباشر في الصراع.

خلال 12 ساعة من الإجتماعات يومي 26 و27 كانون الثاني في «بانكوك»، حاول مستشار الأمن القومي الأمريكي «جيك سوليفان»، إقناع وزير الخارجية الصيني «وانغ يي»، بإستخدام الصين نفوذها لوقف التهديد لشريان رئيسي للتجارة العالمية. وواضح أنّ الصين لا تريد إستعراض عضلاتها في الشرق الأوسط، وترى أنّ أمن المنطقة هو مستنقع من صنع أميركا، مستغلةً الفرصة للحديث عن التضامن مع العالم العربي.


وتحرص الصين على الأمن في منطقة الشرق الأوسط، ويوم أغلقت سفينة الحاويات «إيفرغيفن» قناة السويس عام 2021، لمدة ستة أيام على مقربة من البحر الأحمر، قدّرت وزارة التجارة الصينية أنّ 60% من صادراتها من البضائع إلى أوروبا كانت تستخدم هذا الطريق (في العام الماضي حوالي 17% من صادرات الصين من السلع إلى أوروبا، وكانت صادرات السلع في جميع أنحاء العالم إلى الإتحاد الأوروبي وبريطانيا).

يعتبر البحر الأحمر ممراً أساسياً للتجارة العالمية، وتظهر البيانات المقدمة إلى مجلة «الإيكونوميست» من قبل شركة «سباير جلوبال»، أنّه قبل كانون الأول، كانت 99% من سفن الحاويات التي تبحر بين أوروبا والصين، تمرّ عبر قناة السويس. وبحلول الأسبوع الثاني من شهر كانون الثاني، إنخفض العدد الى النصف أما إعتماد طريق «كيب» قد يزيد من مدة الرحلة أسبوعين إضافيين، ويزيد من تكاليف النقل، بالمقابل يتمّ تجنّب أقساط التأمين المرتفعة التي تطلبها شركات التأمين حالياً لعبور البحر الأحمر. وإرتفع مؤشر الشحن بالحاويات الصينية، وهو مقياس لأسعار الحاويات في الموانئ الصينية الكبرى، بأكثر من الضعف منذ أواخر عام 2023 للشحن إلى أوروبا.


لاعب مراقب
في بداية الحرب على قطاع غزة، قال وزير الخارجية الصيني «وانغ يي» إنّ إسرائيل تتمادى في ردّها على عملية «طوفان الأقصى»، وتخطّت الدفاع عن النفس. وحاولت «بيكين» لعب دور الوسيط للتوصّل إلى وقف إطلاق النار، وتأمين الحماية للمدنيين، وممر آمن لإدخال المساعدات، والحفاظ على أساسيات الأمن للمدنيين. وإقترحت «بكين» خطة سلام من خمس نقاط، داعيةً إلى عقد مؤتمر سلام إسرائيلي -فلسطيني. وأرسلت في تشرين الأول، مبعوثها الإقليمي إلى قطر ومصر للحثّ على وقف إطلاق النار، وتعهدت مذ ذلك بتقديم حوالي 4 ملايين دولاراً كمساعدات إنسانية لغزة، وإستضافت وفداً من الوزراء العرب وشاركت في قمة إفتراضية لكتلة «البريكس» بشأن الحرب.

ومع تزايد الغضب العالمي إزاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كانت الصين حريصة على البقاء على الهامش، خوفاً من توريط نفسها في صراع متصاعد أو تعريض علاقاتها الإقليمية للخطر. وفي الوقت الذي تواجه فيه واشنطن ردود فعل عنيفة بسبب دعمها لإسرائيل، إغتنمت «بكين» الفرصة للإنحياز إلى الجنوب العالمي. ولطالما أعطت الصين الأولوية لتنمية العلاقات السياسية والإقتصادية مع دول الجنوب، وقد إختتم وزير الخارجية الصيني رحلته الخارجية الأولى لعام 2024، بزيارة مصر وتونس وتوغو وساحل العاج.

وكان الرئيس الصيني «شي جين بينغ» قد أعلن عام 2022، عن «مبادرة الأمن العالمي» التي تهدف إلى حشد الدعم للصين، وخاصة بين الدول المستاءة من الهيمنة الأمريكية، داعيةً إلى التصدّي لفكرة «الحرب الباردة» ومعارضة «السعي لتحقيق أمن الفرد على حساب أمن الآخرين». وكانت الفكرة هي أنّ الصراعات سوف تنحسر إذا ركزت البلدان على بناء إقتصاداتها.

وأخذت الديبلوماسية الصينية منحىً بارزاً، بعد نجاح دورها كوسيط في تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران. وبعدها وافقت الممكلة العربية السعودية في آذار 2023، على مذكرة تفاهم تمنحها موقع «شريك الحوار» في منظمة «شنغهاي للتعاون»، وهي الخطوة الأولى نحو العضوية الكاملة. فيما تعتبر نيّة السعودية للإنضمام إلى المنظمة إنتصاراً للصين، التي كانت تسعى إلى تعزيز نفوذها الجيوسياسي، وتحدّي النظام الدولي الحالي الذي تقوده الولايات المتحدة. وكان العنصر الدبلوماسي في هذا الجهد حاسماً. ولعب النفوذ الإقتصادي الصيني دوراً اساسياً في تحقيق هذه الإنجازات الدبلوماسية.

الصين: صديق لدود لإسرائيل

 

في أيلول عام 2021، شيّدت شركة «مجموعة ميناء شانغهاي الدولي المحدودة» ميناءً في حيفا، كأول ميناء كبير في إسرائيل منذ 60 عام، ويعتبر من بين الموانئ الأسرع والأكثر فعالية من حيث التكلفة على ساحل البحر الأبيض المتوسط.

 

وقد أثار بناء هذا الميناء قلق الولايات المتحدة، حيث إعترفت البحرية الأمريكية عام 2018، بأنّ عملياتها الطويلة الأمد في حيفا قد تتغيّر بمجرد إستحواذ شركة صينية على الميناء المدني، بحسب ما نقلت «جيروزاليم بوست». فيما تُعتبر حيفا مركز تدريبات منتظمة للبحرية الأمريكية - الإسرائيلية المشتركة ، إنّما إتفاق عام 2015 بين وزارة النقل الإسرائيلية ومجموعة شنغهاي الدولية للموانئ، التي تمتلك الحكومة الصينية حصة أغلبية فيها، أثار مخاوف إستخباراتية وأمنية، دفعت إلى إجراء مراجعة مشتركة بين الوكالات. وبموجب الإتفاق بين الطرفين، نالت  الصين حقّ إستثمار  الميناء لمدة 25 عاماً. وقد التزمت الشركة الصينية بمبلغ ملياري دولار للمشروع.

 

وفي السنوات الأخيرة، ورغم أنّ الطرفين ليسا شركاء طبيعيين، تحسنت العلاقات بين الصين وإسرائيل تتوسع بسرعة على عدد من الجبهات. وإرتفعت التجارة والاستثمار والتبادلات التعليمية والسياحة بشكلٍ ملحوظ، بين عامي 2013 و2022، وبلغ مجمل إستيراد البضائع من الصين 17.62 مليار دولار في عام 2022. وتتنوّع الواردات من الصين فتشمل الآلات لمشاريع البنى التحتية والأبنية والمنتجات الإستهلاكية. وعلى الرغم من الزيادة في السلع المتبادلة مع الصين، فإنّ حجم التجارة لا يزال صغير نسبياً مقارنة بحجم التجارة مع الإتحاد الأوروبي البالغ 49.19 مليار دولار، والولايات المتحدة البالغ 22.04 مليار دولار. وبلغت الإستثمارات الصينية في إسرائيل 14.7 مليار دولار من عام 2005 إلى عام 2022. و ترتكز على دعم البنى التحتية الحيوية لإسرائيل إلى مبادرة الحزام والطريق. ويشمل ذلك ميناء حيفا، وميناء أشدود، والأنفاق تحت الأرض وأنظمة التحكّم في جبال الكرمل الشمالية، ونظام مترو الأنفاق في تل أبيب. 

وتشهد العلاقات التجارية بين إسرائيل والصين إتجاهاً تصاعدياً مستمراً، خاصة عندما يتعلق الأمر بالسلع. بين عامي 2018 و2020، كان حجم التجارة مع الصين (لا تشمل التجارة مع هونج كونج أو الماس) مستقراً، بينما في الفترة 2021-2022، إرتفعت تجارة السلع، وبالتالي وارداتها، بشكل ملحوظ.

 


سياق تاريخي
يوم تمّ إعلان قيام  الكيان الإسرائيلي، في 14 أيار 1948، إمتنعت الصين عن الإعتراف به، وعلى الرغم من ذلك كانت إسرائيل أول الدولة في الشرق الأوسط تعترف بجمهورية الصين الشعبية في 8 كانون الثاني عام 1950، بعد الثورة في الأول من تشرين الأول عام 1949.

لكن بقيت العلاقة بين الطرفين سيئة، على إعتبار أنّ إسرائيل حليفة للولايات المتحدة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، مقابل دعم الصين لمنظمة التحرير الفلسطينية. وفي عام 1992، أسُتأنفت العلاقات الديبلوماسية بين الصين وإسرائيل، ووقِعَت البروتوكولات في دار ضيافة «دياويوتاي» بين وزير الخارجية الصيني «تشيان تشيتشن» ونظيره الإسرائيلي «ديفيد ليفي».

أتت خطوة الصين يومها بعد إنهيار الإتحاد لسوفياتي، والخشية من إنتشار نفوذ الولايات المتحدة الأميركية، ولم تتخلَ عن دعمها للقضية الفلسطينية إذ قال وزير الخارجية «وو جيان» في 22 كانون الثاني 1992، إنّ الصين لا تزال تدعم «الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني». وتطورت العلاقة بين الطرفين، إلى أن وُقِعت إتفاقية «شراكة الإبتكار الشاملة» عام 2017، لتصبح الصين أكبر شريك تجاري لإسرائيل.

وعلى الرغم من ذلك، لم تكن الصين حليفاً داعماً لإسرائيل، فقد وجهت إنتقادات لإسرائيل عند بناء الجدار العازل في الضفة الغربية، كما صوتت لصالح تحقيق الأمم المتحدة في جرائم الحرب في غزة عام 2014.