نيسان 1996.. شاهد على دبلوماسية الشهيد رفيق الحريري

نيسان 1996.. شاهد على دبلوماسية الشهيد رفيق الحريري

  • ١٤ شباط ٢٠٢٤
  • كاسندرا حمادة

منذ أن بدأت إسرائيل هجماتها على لبنان سنة 1982، والمقاومة اللبنانية في الجنوب، لم تتوقّف يوماً عن عمليّاتها العسكرية ضدّ الإحتلال. تفاقمت الأمور عام 1993 وردّت إسرائيل بهجوم ضخم ضدّ لبنان لعرقلة أعمال «حزب الله»، الذي بات قرار المقاومة في يده.

تمثّلت هذه الفترة بالنار والبارود، حيث إستمرّ الحزب بعمليّاته، وكان سلاح «الكاتيوشا»، من أهم الصواريخ التي يستخدمها  الحزب  للضغط  على إسرائيل. 
إستمرّ التصعيد في المواقف والعمليّات على إمتداد عام 1995، من إغتيالات وهجمات عديدة. 
أمّا الموقف السياسي لخّصه رئيس حكومة لبنان  آنذاك،  الرئيس الشهيد رفيق الحريري، قائلاً في تصريح له، في 30 نوفمبر، أنّ «زمن الحلول العسكرية في الشرق الأوسط قد ولّى، وحلّ النزاع العربي- الإسرائيلي، على كلّ المستويات  يجب أن يكون سياسياً». 
إلّا أنّ المشهدية تغيرت سنة 1996 وتحديداً في شهر نيسان، إذ وُضِعت المنطقة على حافة حرب وشيكة، نتيجة العمليات العسكرية. 

إعلان مرحلة «عناقيد الغضب»
ففي مطلع نيسان من عام 1996، غطّت غيمة سوداء سماء لبنان، وعمّ الذعر بين المواطنين، نتيجة تصاعد التوّترات بين إسرائيل ولبنان. 
 وفي 11 نيسان، أعلن المسؤولون  الإسرائيليون عملية «عناقيد الغضب» كتدبير وقائي وإنتقامي من قصف «حزب الله» المستمر على مراكز الإحتلال آنذاك. 
وقعت  الدولة اللبنانية في صراع بين السلام و قرار إستمرار الحرب على يد «حزب الله»، فكان لا بدّ من تحرّك دبلوماسي قام به الرئيس رفيق الحريري، لعودة الأمن إلى لبنان وإرضاء جميع الأطراف. 
في هذه الحقبة، كانت المجازر تسيطر على المشهد الجنوبي، وراحت لعبة الموت تتكرّر.  وكان اليوم الثامن من عمليات «عناقيد الغضب»، يوماً دموياً منذ  ساعات الصباح، حيث قتلت إسرائيل أم و10 أطفال. لم تكن هذه المجزرة الأولى، فكان قد سبقها، قصف لسيارات الإسعاف التي تنقل الأطفال… 
 
محاولات الحريري لوقف حمام الدّم
 في 13 نيسان، وبينما كانت العمليات العسكرية عنوان المشهد الجنوبي، أعلن رفيق الحريري في خطاب له  أنّ «المقاربة التي تقوم بها إسرائيل لمعالجة مشكلة «حزب الله»، هي مقاربة خاطئة ولن تؤدّي إلى أي مكان، والآن يضعون ضغوطاً على الحكومة اللبنانية». 
وفي السياق، حصل تواصلٌ  بين «حزب الله» والشهيد الحريري، الذي كان يسعى إلى التوفيق بين إرادة المقاومة في الدفاع عن أرض لبنان، وإرادة الدولة اللبنانية في الحفاظ على سلامة  وسيادة البلاد. 
وطلب من «حزب الله»، التخفيف من عملياته وسط ضغوط كبيرة تمارس على الحكومة، إلّا أنّ وتيرة العمليات لم تتوقّف. 
تقدّم وزير الخارجية  آنذاك فارس بويز شكوى الى مجلس الأمن، لكن سرعان ما طلب رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري، سحب الشكوى، معتبراً أنّ إستعمال هذه الشكاوى تقلّل من القدرة العسكرية للمقاومة بحسب ما قاله مستشار الرفيق الحريري مصطفى ناصر في إحدى المقابلات.  
حاول الحريري إحداث خرقٍ من خلال الجولات الدولية. ووظف كلّ إمكاناته وعلاقاته الدولية والعربية، لكبح جماح إسرائيل، بحيث قضى غالبية أيام الإعتداءات في الجو، متنقلاً من عاصمة إلى أخرى، لضمان موقف دولي مندّد بإسرائيل وداعم للبنان. لم يتوقف ولم يهدأ، إلى حين تمكّنه من إنتزاع ما عُرِف لاحقاً بـ «تفاهم نيسان».
 إستغل الحريري الأب علاقاته الدولية، فأقنع الرئيس الفرنسي في ذلك الوقت  «جاك شيراك» بضرورة التحرّك. 
وقال بعد ذلك في إحدى تصريحاته : «الآن نحن قادرون على ضمان أمن حدودنا في حال إنسحبت إسرائيل». 
لم تمنع الجهود الدبلوماسية الحريري من مواصلة المساعي. 
وقال في 14 نيسان في إحدى المقابلات: «لنفترض أنّ حزب الله هو المشكلة، فعلى إسرائيل أن تنسحب، وبهذا لن يبقى لحزب الله أي مبرّر للبقاء». 

«تفاهم نيسان».. إنجاز في عهد حكومة الحريري
 إرتكبت إسرائيل إحدى أبشع مجازرها في بلدة قانا في عدوان «عناقيد الغضب»، الذي أدّى إلى سقوط أكثر من 100 شهيد، من الأطفال والنساء والشيوخ.  هذه الأحداث دفعت الحريري لإطلاق صرخة دولية من أجل إعطاء المقاومة شرعية دولية، فكان «تفاهم نيسان» 1996 على هذا الأساس. 
واللافت ب«تفاهم نيسان»، كانت المباركة الأميركية - الفرنسية، التي أنتجت ثمارها بالضغط على إسرائيل، فجرى  تثبيت تفاهم أنتج التزاماً مكتوباً بتحييد المدنيين.
ويقوم جوهر الإتفاق، على أنّه إذا حاولت إسرائيل قصف منشآت عسكرية أو مدنية، يحقّ للمقاومة أن تقوم بعمليات ردّ مباشرة على إسرائيل.
واهمّ ما نصّ عليه الإتفاق، هو عدم إطلاق صواريخ «الكاتيوشا» من قبل «حزب الله» -المحطّة البارزة في الحرب النفسية على إسرائيل- وعدم إستهداف المدنيين في المنطقتين أي شمالي الأراضي المحتلة وفي جنوب لبنان المحتل آنذاك.
وقبل دخول  قرار وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ بعد الإعلان عنه في الساعة السادسة مساء يوم 26 نيسان، أطلق «حزب الله» فجراً آخر صاروخ من لبنان.

 حقّق الرئيس الشهيد رفيق الحريري من خلال الشروط التي فرضها على التفاهم إنجازاً كبيراً لبسط السيادة اللبنانية على جنوب لبنان، من خلال إنتشار الجيش اللبناني فيه، بعدما كان ممنوعاً من ذلك طوال عقد من الزمن. 
وعليه، يتردّد حتى يومنا هذا، مصطلح «تفاهم نيسان»، تزامناً مع المساعي الدولية للتهدئة الجنوبية، حيث من المتوقّع إبرام إتّفاق مشابه له. إنّما، هل المعطيات اليوم مشابهة لما كانت عليه في  عهد حكومة الحريري الأب سنة 1996؟