تكريماً لريمون جبارة.. مسرح مونو يعيد إحياء «تحت رعاية زكور»

تكريماً لريمون جبارة.. مسرح مونو يعيد إحياء «تحت رعاية زكور»

  • ٠٢ آذار ٢٠٢٤
  • إلياس معلوف

انطلق عرض مسرحية «تحت رعاية زكور» إخراج غابرييل يمين في مسرح مونو ويستمر العرض حتى 6 آذار. وفي«تحت رعاية زكور»، يقود غابريال يمين 16 ممثلاً لرفع النقاش المثير للجدل حول مواضيع قديمة. ويأتي العمل ضمن تكريم مسرح مونو للممثل والمخرج المسرحي اللبناني الراحل ريمون جبارة بأربع مسرحيات من مسرحه. أربعة مخرجين مشهورين يقدمون رؤيتهم لقصص العملاق الذي سيكون له تأثير دائم على صورة المسرح اللبناني.

ونقتنص هذه الفرصة اليوم  للحديث عن أبرز رموز الحركة المسرحية الحديثة في لبنان. أسدلت الستارة على حياة ريمون جبارة عام 2015 عن عمر ناهز ثمانين عاما.  لم يهجر جبارة المسرح ولا الحياة الثقافية، حتى بعد أن أصابه شلل نصفي في تسعينات القرن الماضي، بقي يجوب المسارح على كرسيه المتحرك، وسيجارته في فمه، ليتابع كل مستجد، مصرًا على الاستمرار، عزيمته شدته لاستعادة أعمال وكتابة أخرى.

وجبارة المولود في بلدة قرنة شهوان (قضاء المتن شمال بيروت) في الأول من نيسان/أبريل 1935، بدأ مسيرته المسرحية كممثل، في ستينات القرن المنصرم، عندما بدأت لجنة مهرجانات بعلبك الدولية تهتم بالمسرح اللبناني وتدعمه، عبر تأسيس معهد المسرح الحديث، وفرقة المسرح الحديث، اللذين التحق بهما ريمون جبارة.

ومع فرقة المسرح الحديث، وحلقة المسرح اللبناني، وفرقة المسرح الحر التي ساهم في تأسيسها وغيرها ، لمع نجمه على خشبات المسارح، بين العامين 1960 و1970، وأصبح من أبرز الممثلين.

ريمون جبارة، بدأ ممثلاً في أعمال طموحة، فقد لعب دور «إجيست» في مسرحية «الذباب» لسارتر، ودور «كريون» في مسرحية «أنتيغون»، و«ديب» في مسرحية «لعبة الختيار»، و«سعدون» في «الزنزلخت» من كتابة عصام محفوظ وإخراج برج فازليان.

تجربة الفرق المسرحية استهوته، فأسس فرقة «المسرح الحر» مع برج فازليان ومادونا غازي وآخرين، قبل أن يقرر الانتقال إلى الكتابة والإخراج معا عام 1970 متسلحًا بتجاربه التي قطفها مع كبار المسرحيين في ذلك الوقت. فقدّم أول أعماله «دسدمونه» وهي مسرحية مقتبسة طبعها بنزعاته الذاتية وبما فيها من تهكم وسخرية ورفضٍ، وحمّلها نقدًا لاذعًا للانسان «الضحية الغبية» في ظل الأنظمة العربية والدولية. وكانت أولى بواكير مسرحياته التي نهلت من المسرح الإغريقي وشكلت أحد الأعمال الطليعية وقتها. ورغم أن المسرحية لم تجد صدى شعبيًا يذكر، فإنها استقبلت بحفاوة كبيرة من المثقفين، وأسالت حبرًا كثيرًا، ووصفت بأنها «مختلفة» و«لا تشبه غيرها من الأعمال».


هكذا بدأ ريمون جبارة يشق طريقه إلى الكتابة والإخراج؛ حيث استطاع أن يضع على الخشبة ما يقارب 15 مسرحية، وهو المؤمن أن الأدب لا يصلح لوضعه على المسرح، بل هو شيء آخر. لذلك كتب ما يليق بنبض المسرح، وما يخاطب روح المتفرج، مبتعدًا في أعماله كليًا من المباشرة والتعليمية والنصح المقيت. 

بقدر ما يحب ريمون جبارة الشكوى والتململ، والتعبير عن الحيرة، والحالات الكابوسية، لا بد من الاعتراف بأنه كان محظوظًا فنيًا منذ مسرحيته الأولى؛ حيث عرضت على «مسرح بعلبك»، المكان الذي يتمنى الوصول إليه كثيرون ولا يحققون مرادهم. في بعلبك أيضا عرض «تحت رعاية زكور» كما كانت له صولات وجولات على «مسرح كازينو لبنان» حيث عرض «قندلفت يصعد إلى السماء» و«ذكر النحل» و«شربل». كان محظوظًا أيضا حيث تمكن من السفر والعرض في بلدان كثيرة، ومثل لبنان في مهرجانات مختلفة منها «مهرجان شيراز» في إيران في سبعينات القرن الماضي، ونال جوائز كثيرة تقديرًا لإبداعاته. في مسرحية «تحت رعاية زكور» (1972) بدا متفلتًا من الاقتباس، وبرزت موهبته الفذّة في الإخراج، ورؤيته لواقع الإنسان في المجتمعات العربية. وهذه الرؤية توسلت السخرية الموجعة للإضاءة على الأشخاص. وقد أسست المسرحية لنقلة نوعية في مساره الإخراجي.

عُين مدير عام ورئيس لمجلس إدارة «تلفزيون لبنان» بين عامي 1987 و1990، غرق في العمل الإداري وأصيب بعارض صحي. ومنذ التسعينات، أعاد تقديم مسرحيات، مثل «من قطف زهرة الخريف» و«زردشت صار كلبًا»، و«شربل» مع ممثلين جدد، مما أرجعه إلى الخشبة وأتاح الفرصة للجيل الشاب للتعرف على أحد رواد المسرح الحاذقين. كما قدم «بيكنيك عَ خطوط التماس» عام 1997. أما آخر ما شاهده محبوه على المسرح فهي «مقتل إن وأخواتها» عام 2012. وابتعد تمامًا من الأساليب التعليمية والنصائح المملة. بأسلوبه الساخر والسوداوي، الذي يجمع بين قسوة الطفولة والمرض، ومعاناة الحروب والتدمير، وحساسيته للتفاوتات الاجتماعية، استطاع جبارة أن يبتكر عالمًا قاسيًا وجريئًا، يدفع المشاهد إلى حافة الاستفزاز المؤلم، ويستخدم أسلوبًا نقديًا يستدرج الابتسامة بعنف.