بين 14 آذار و 17 تشرين.. تعدّدت الأسباب والإنتفاضة واحدة

بين 14 آذار و 17 تشرين.. تعدّدت الأسباب والإنتفاضة واحدة

  • ١٤ آذار ٢٠٢٤
  • كاسندرا حمادة

يوم ١٤ آذار سنة ٢٠٠٥، كان حركة شعبية مركزية بإمتياز في ساحة الشهداء، حركة عابرة للطوائف والمناطق، حيث فرضت مشهداً وطنيّاً معبراً، خالٍ من أي عصب طائفي.

وأسفر عنها  التحرّر من الوصاية السورية آنذاك، بالطبع مع عوامل أخرى داخلية وخارجية.

ومشهد 14 آذار أعاد أيضاً أحداث 1943، حيث نال لبنان إستقلاله وتحرّر من الإنتداب الفرنسي. 

أمّا عام 2019،  عندما إفترش الشعب اللبناني أيضاً مختلف الساحات في المناطق اللبنانية، وأطلقت  «ثورة 17 تشرين»، فلم تكن بعيدة عن أجواء «ثورة الأرز»! 
بين ثورة الأرز وثورة 17 تشرين، كان قد مرّ 17 عاماً، ولم تتوحّد  خلالها صفوف اللبنانيين حول موقف واحد خاصّة بعد تشرذم أفرقاء 14 آذار، رغم  أنّ الثورة عصبها كان قاعدة ثورة الأرز الشعبية وما تداخل معها من فرقاء.  
فهل تأثير قيادة هذه الأحزاب على مناصريها أفشل  ثورة 17 تشرين ؟ 

تبخّر14 آذار..
 
في المقابل، لا بدّ من الإعتراف بنجاح إنتفاضة 14 آذار، من حيث المطلب السيادي. 
وفي هذا  السياق يقول النائب السابق فارس سعيد وأحد أركان ١٤ آذار لـ«بيروت تايم»، أنّه بعد تشرذم أطراف 14 آذار، تمكّن «حزب الله» بالتوسّع بسيطرته على مؤسسات الدولة كافّة.  ويذكر عندما كانت 14 آذار حاضرة في السياسة اللبنانية، إستطاعت حكومة الرئيس السابق فؤاد السنيورة فرض القرار 1701 ، حيث كان «حزب الله» وراء الدولة، أمّا اليوم الحكومة هي من تقف خلف الحزب الذي يتحكّم وحده بالقرارات وبزمام المفاوضات مع الخارج. وبالتالي، تشرذم أطراف 14 آذار، أدّى الى ضعف الدولة في لبنان لصالح الحزب.  وبرأيه، يحلّ اليوم «حزب الله» مكان إتفاق الطائف والدستور، بسبب تغيّب شعار «لا لسلاح حزب الله» بين صفوف المعارضة( أو إنتفاضة 17 تشرين)، على عكس قوى 14 آذار التي فعّل حضورها في المجلس النيابي سيادة الدولة. إذ إنّ سلاح «حزب الله» يلغي صناديق الإقتراع، إذا لم يكن صوت المعارضة واحد. 

وفي سياق متّصل يشرح الأمين العام السابق ل«حركة اليسار الد يمقراطي» وليد فخر الدين، أنّ 14 آذار بقيت خارج إطار السلطة، حيث كانت معركتها تتمثّل بمحاربة الإحتلال السوري، وبدأ معها مشروع سيادة الدولة منذ عام2000، ونجحت بإنهاء الإحتلال.  ويكمل: للأسف، إنتقلت 14 آذار من المشاريع الكبرى الى المشاريع الصغرى والمصالح الخاصّة، ما أدّى إلى تشرذمها. في هذه الأوقات، إستغّل «حزب الله» هذه المشاريع، كونه كان جاهزاً لتغطية صفقات المحاصصة بين مختلف الأطراف. 
وعلى الرغم من القوّة الشعبية التي خرجت من أحضان 14 آذار إلّا أنّ الحزب حافظ على آلية التنظيم. 

بين 17 تشرين و14 آذار.. لحظة غضب
يعتبر فخر الدين، أنّ 17 تشرين هي وليدة اللحظة، حيث نشأت من حالة غضب شعبية  كبيرة تجاه السلطة الفاسدة التي تتعامل بفوقية مع مواطنيها، كما أتت في إطار ردّة الفعل على  سوء إدارة الدولة. تجمّع الآلاف في مختلف الساحات يوم 17 تشرين، ما شكّل صدمة ايجابية وقتها. 
يسرد فخر الدين موقف مماثل لهذه الصدمة، إذ أنّه يوم 21 شباط 2005، كان قد تمت الدعوة الى مظاهرة من مكان جريمة إغتيال رفيق الحريري، في السان جورج لتصل الى ساحة الشهداء، وتوقّعت الأوساط مشاركة حوالي 3000 شخصاً في المسيرة. وفي لحظة، إحتشد حوالي مئة ألف شخص، ليلتفت سمير قصيرمتعجّباً ويسأل فخر الدين: من هؤلاء الناس؟ 
لا يختلف الغضب الذي دفع الناس الى الشارع بين 17 تشرين و14 آذار، الّا أنّ يوم 14 آذار كان عامل الدّم، هو من يحرّك نفوس اللبنانيين. 


من 14 آذار الى 17 تشرين.. 
ومن جهّة أخرى، يرى فخر الدين أنّ غالبية وجوه 17 تشرين، أتت من خلفية 14 آذار، إنّما لم تكن الوحيدة في الساحة وشاركتها أطراف 8 آذار.  ودليل على ذلك، التناغمات غير المتناهية بين  مجموعات 17 تشرين، خاصّة أنّ البعض منها كان على تقارب مع «حزب الله». وإفتقدت 17 تشرين الى آلية تنظيم واضحة كذلك الشعار الواحد، على عكس ٤ا آذار حيث كان هناك إجتماعات أسبوعية، وآلية واضحة تمثلت بالبيان التأسيسي في فندق البريستول. وفي السياق، يلفت فخر الدين أنّ كلّ  حالة شعبية عفوية  بلا مشروع قيادي تذهب حتماً الى الفشل. 

كسر القيود الطائفية 
تمكّنت كلّ من 17 تشرين و14 آذار كسر القيود الطائفية، فمن ينسى المشهد الذي تصدّر إنتفاضة 17 تشرين، حين نادت صور لطرابلس وطرابلس لصور، كذلك من ينسى عام 2005، الدروز،السنة والمسيحيين على صوت واحد: حرية، سيادة، إستقلال. 
توحّدت صفوف اللبنانيين من جميع الطوائف والمناطق، يعكس أهم قدرات الشعب اللبناني للخروج من أزماته، إلّا أنّ عامل الخوف والترهيب، فرض نفسه في العامين 2005 و2019. 
من هنا، يعتبر فخر الدين أنّ نقطة التحوّل لـ 14 آذار، إبتدأت مع إغتيال جورج حاوي، وسمير قصير، ولا ينسى حالة الخوف والهلع  بين القوى السياسية آنذاك. 

المقاربة بين 17 تشرين و14 آذار، تسلّط الضوء على الأحزاب التي تتسابق على إعتلاء الكراسي في لبنان، وبين« ثورة، ثورة».. و«حرية ،سيادة، إستقلال»، لا يترك الإنتهازيّون فرصة الّا وينهشون بحقوق الشعب أكان على الصعيد المطلبي المعيشي، أم الحرية والإستقلال. 
في الإنتفاضة المقبلة ،على أمل  أن يتحرّر الشباب اللبناني من كلّ غطاء طائفي أوحزبي، ومن الجهل السياسي  ومن عقدة التخويف من الآخر،فيخرج من منطقته السياسية الآمنة الى رحاب المواطنية.