الرياضة في لبنان: سجينة المحاصصة والطائفية

الرياضة في لبنان: سجينة المحاصصة والطائفية

  • ١٠ تموز ٢٠٢٤
  • محمد فوّاز

مستقبل الرياضة في لبنان، هل ستظل رهينة للمحاصصات الحزبية والطائفية، ومتى ستصبح رمزاً وطنياً جامعاً؟

تعتبر الرياضة مرآة تعكس صورة البلاد وتقدّمها وتحضّرها. وتحوّلت منظمات الألعاب العالمية، الأولمبية والدولية والقارية، إلى منظمات مستقلة تسعى لتتحرر من قيود السياسة والسلطات والحكام، لتفرض أنظمة وقوانين أشمل تضمن لقاء الرياضيين والرياضيات، بعيداً عن العنصرية والطائفية وكل ما يضرّ بإنسانية الإنسان. 
وفي نظرة إلى واقع رياضاتنا وتركيبات اتحاداتها ونواديها، وخصوصاً كرة القدم وكرة السلة عندنا، وفي ظروف واقع البلد المنقسم سياسياً وطائفياً، تشهد الرياضة حروباً ومعارك تسقط فيها ألعاب وجماهير ضحايا وتسقط معها سمعة البلد.
تحت عنوان «الرياضة للحياة» ترفيه وتلاقٍ وتسامح، تجمع الرياضة ما تفرقه السياسة وحواشيها، فتحوّلت هدفاً يطارده رجالها ليستغلوا مواردها وجماهيرها.
وفي هذا الإطار، انطلقت التحضيرات والاتصالات واستقطابات الأندية طائفياً وسياسياً ومذهبياً ومالياً لضمان أصواتها في انتخابات الاتحادات الرياضية على مختلف تنوّعها، ليصار بعدها لوضع اليد على اللجنة الأولمبية. 
وبدأت «البوانتاجات» لمعرفة مدى سيطرة هذا الطرف أو ذاك على هذه اللعبة أو تلك وحجم الحاجة للأصوات لضمان الفوز والتحكّم باتحاد لعبة ما. كذلك، تجري اتصالات بين الاطراف السياسية والطائفية لتقاسم الحصص والمناصب عندما لا يتمكن طرف ما من ضمان الأكثرية في الجمعية العمومية للأندية والاتحادات ولاحقاً اللجنة الأولمبية.
كل ذلك على مرأى ومسمع من وزارة الشباب والرياضة التي تعتمد سياسة «التطنيش» لأنّها هي محسوبة أيضاً على طرف سياسي تحكّم بها منذ إنشائها. 

الرياضة في لبنان
لذا، تعتبر الرياضة في لبنان حالة فريدة. فالمعروف أنّ الرياضة تخفّف الاحتقان الفئوي في المجتمع الواحد، لكن الوضع مختلف في لبنان، حيث ترتبط معظم النوادي الرياضية الهاوية والاحترافية بالطوائف والمذاهب والسياسيين. وأكبر دليل على ذلك هو التنافس والتناحر والتقاسم القائم بين المسلمين والمسيحيين في كرة القدم وكرة السلة وبقية الالعاب.
لكن إلى أين تسير رياضاتنا ومسيّروها وحاكمو نواديها من أهل السياسة والمال الداعم والمال المستغل لأغراض سياسية ـ انتخابية ـ تبييضيّة؟ وكم ناد مدعوم يمتص الزعيم والبيك والريس عسلَه ثم يتركه في أحلك ظروفه بلا غطاء يدبّر حاله وأحواله ويكمل مشواره مكسوراً؟!
ووصلت الأمور بنواد شعبية كبرى كالنجمة والأنصار والرياضي والحكمة إلى أن تقع في براثن المال السياسي البراق، فتغذت منه فترة، وخصوصاً خلال مراحل الغليان السياسي ـ الطائفي، لكنها تراجعت تدريجياً فغدت تستجدي العطف والترجّي لتسدّ بعض حاجاتها الأساسية، بعدما فقدت غذاءها الأساسي، وبدأت تبحث عن جماهيرها المبعثرة بين هاربة ونافرة وكارهة.
وتحوّلت الرياضة في لبنان إلى وسيلة للمواجهات المباشرة بين الطوائف، مما دفع وزارة الداخلية لحظر حضور المشجعين في الملاعب عقب الاشتباكات المتكررة القائمة على الاحتقان السياسي والطائفي والمذهبي والتي، حسب المسؤولين المعنيين، تهدّد السلم الأهلي. وحتى بعد رفع الحظر، تم تحديد أعداد معيّنة من المشجعين للحضور لكن الملاعب بقيت شبه فارغة.

دعم الرياضة والتحديات
وفي هذا الإطار، تتردّد الشركات الكبيرة في دعم الفرق الرياضية خوفاً من الانغماس في الانتماء السياسي أو المذهبي. وبما أنّ كل الفرق المحترفة للرجال مدعومة من السياسيين، يجب أن يساهم المنتخب الوطني في بناء شخصية لبنانية موحدة. وعلى الرغم من أنّ منتخب كرة القدم لم يحقق الكثير، فإنّ منتخب كرة السلة هو المرشح شبه الأوحد لتوحيد الشعب اللبناني حوله.
أمام لبنان طريق طويل للتحوّل من دولة طائفية إلى دولة علمانية، لكن هناك بعض البشائر، مثل إمكانية حذف الانتماء الديني من سجلات القيد وظهور جمعيات غير حكومية تشجع الرياضة كوسيلة للتغيير الاجتماعي والسلمي.
من هنا يجب التوقّف عند الدور التوحيدي والجامع للرياضة وامكانية مقاومة الطائفية من خلال التربية الرياضيّة. لكن المشهد الرياضي اللبناني منقسم بشكل حادّ ما بين الديانات والطوائف بحيث أصبحت الرياضة كما الاتحادات الرياضية امتداداً وأداة للسياسيين يستغلّونها بغية السيطرة على الشباب فغدت الرياضات التنافسية وسيلة للتأكيد على الخصوصيّة الطائفية. مع أنّ التمييز ما بين السياسة الرياضية كعامل انصهار وطني يشجّع على قيم المواطنية وليس الفردية، وتسييس الرياضة لم يتمّ حتى الآن اذ لا تعتبر الرياضة ضرورية ما لم تكن تخدم مصلحة معينة.
الرياضة اللبنانية وإن كانت تخضع للمعايير الطائفية والمذهبية والسياسية بحيث تُغلّب هذا المنطق على روح المنافسة الرياضية، تعكس واقعاً متشابكاً تكتنفه بارقة أمل خصوصاً في كرة السلّة حيث يختلط اللاعبون بغضّ النظر عن طوائفهم. 
ولا يمكن أن ننسى أنّ عدم الاستقرار السياسي يؤثر بشكل أساسي في دعم الأندية والاتحادات وتنظيم الفعاليات الرياضية واستمراريتها.
كذلك، الأزمة الإقتصادية أثّرت بشكل كبير في عملية تمويل الأندية والمنتخبات الرياضية، مما أدى إلى نقص في الموارد في القطاعين العام والخاص والمرافق الرياضية.
كما تحتاج البنية التحتية الرياضية في لبنان إلى تطوير وتحسين لتلبية احتياجات الرياضيين والفرق.

سؤال المستقبل
إلى أين تسير رياضاتنا تحت إدارة السياسيين والداعمين الماليين؟ كم نادٍ مدعوم يُستغل ثم يُترك بلا غطاء؟ نوادٍ مثل النجمة والأنصار والرياضي والحكمة والعهد والراسينغ وأبرز الأندية اللبنانية تتغذى من المال السياسي، بسبب الظروف الاقتصادية المزرية في لبنان وغياب وزارة الشباب والرياضة عن السمع لجهة دعم الأندية والاتحادات، بالإضافة إلى عدم قدرة اللجنة الأولمبية المسيّسة أيضاً على المساعدة إلا عبر صندوق الدعم الأولمبي الذي يضع شروطاً مشدّدة لمساعدات محدودة تخصّص كلها للألعاب الفردية.
محاربة العنصرية هي عملية معقدّة فهوية الانسان لا تقتصر على لون بشرته أو معتقده أو جنسه. أما تغيير العقليات فيمرّ حكماً بمساءلة جميع الأفكار والأحكام المسبقة التي نتلقاها خصوصاً أنّ الانسان كائن وبالتالي فإنّ الخوف من الآخر لا يأتي بشكل طبيعي بل يكتسبه من خلال الموروثات العائلية والمجتمعيّة نحو إنقاذ الرياضة.
وعلى الرغم من التحديات على المستويات كافة، هناك جهود مستمرة لتعزيز الرياضة في لبنان من خلال مبادرات من القطاع الخاص خصوصاً لعدم قدرة القطاع العام على تمويل أي مرفق. ويتم ذلك، من خلال تطوير المواهب الشابة عبر برامج تدريبية ومنح دراسية، والشراكات الدولية لتعزيز البنية التحتية الرياضية وتوفير الدعم الفني، وتنظيم المناسبات الرياضية المحلية بكثرة لزيادة المشاركة الشعبية وتشجيع الشباب على الانخراط في الأنشطة الرياضية.

أوضاع الرياضات
تُعتبر كرة القدم الرياضة الأكثر شعبية في لبنان، إذ يتواجد في لبنان العديد من الأندية المعروفة مثل ناديي النجمة والأنصار والعهد والصفاء والحكمة والراسينغ. وبسبب التحديات الاقتصادية والسياسية التي يواجهها البلد، تعاني كرة القدم على المستويات كافة، على الرغم من الدعم الآتي من الاتحادين الدولي والآسيوي، لكن آليات توظيف هذا الدعم بالشكل المناسب والمنتج دونه عقبات متنوّعة.
في المقابل، تُعد كرة السلة واحدة من الرياضات المفضلة في لبنان، وقد حقق المنتخب اللبناني لكرة السلة إنجازات كبيرة على المستويات العربية والآسيوية والدولية. وتضم البلاد عدة أندية بارزة مثل ناديي الحكمة والرياضي بيروت، التي حققت نجاحات عديدة في البطولات الإقليمية، وآخرها تأهل الرياضي إلى كأس العالم للأندية المقررة في أيلول في سنغافورة.
كما يشارك اللبنانيون ويتألقون في مجموعة متنوعة من الرياضات الفردية مثل التنس، وكمال الأجسام، ورياضات القتال مثل التايكواندو والجودو والكيك بوكسينغ. وقد حقق الرياضيون اللبنانيون إنجازات ملحوظة على المستوى الدولي في هذه الرياضات.