«يوضاس» في بكركي... كل المبادرات تمرّ بـ«طاولة برّي»
«يوضاس» في بكركي... كل المبادرات تمرّ بـ«طاولة برّي»
في ظلّ إنسداد الأفق السياسي وتعثّر انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية، أطلق البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي «مبادرة وطنية جامعة» تحت عنوان «وثيقة بكركي». وفيما تغيب السياسة وأيّ حراك جدّي عن ملف انتخاب رأس الدولة هذه الأيام، تبقى هذه المبادرة مجرّد محاولة، وربما الأخيرة، لتوحيد الرؤية المسيحية وتشكيل خارطة طريق لمعالجة الأزمات التي يعاني منها لبنان.
وعلى الرغم من أن كلمة «جامعة» تظلّ تعبيراً مبالغاً فيه، تبقى المبادرة أفضل الممكن. فـ «تيار المردة» لا يشارك في لقاءات بكركي المتتالية، تماماً كما تغيب القوى النيابية الجديدة المنبثقة عن «ثورة 17 تشرين»، فيما التوافق بين حزبيّ «القوات اللبنانية» و «التيار الوطني الحر» يبدو متعذّراً، إذ قال النائب السابق أنطوان زهرا أنّ «هناك يوضاس في بكركي»، في إشارة إلى الخيانة التي قد تتعرّض لها المبادرة.
«توافق» على كل شيء.. وخلاف على «حزب الله»
لا يُحيط التكتم المبالغ به حول المبادرة، حيث يُعرب راعي أبرشية أنطلياس المارونيّة المطران أنطوان بو نجم عن أسفه لـ «التسريبات البعيدة عن روحيّة المبادرة ومضمونها»، ويدعو الأفرقاء للالتزام «بميثاق العمل الصامت والهادئ». وتفيد مصادر خاصة لـ«بيروت تايم» إلى أنّ «الهوة كبيرة بين الأفرقاء المشاركين في لقاءات بكركي، وبخاصة بين التيار الوطني الحر وباقي المشاركين ، وتحديداً حول الملف المرتبط بالنظرة إلى أعمال حزب الله العسكرية في الجنوب اللبناني، وعلى الصعيد الوطني العام».
وحصل اللقاء الثاني للمبادرة في 22 آذار الحالي، حيث شارك، بحضور البطريرك الماروني، النائب فادي كرم (القوات اللبنانية)، النائب جورج عطالله والمستشار أنطوان قسطنطين (التيار الوطني الحر)، ساسين ساسين (الكتائب اللبنانية)، حبيب مالك (مشروع وطن الإنسان)، إدوار طيّون (حركة الاستقلال)، فرانسوا زعتر (الوطنيون الأحرار) ومطارنة موارنة في اللقاء.
من المعلوم أنّ العلاقة شبه المقطوعة بين أكبر حزبين مسيحيين، تحافظ على حبل صرّة وحيد قائم بين نواب قضاء الكورة الأرثوذكس، كرم وعطالله، ولا تتخطى المستوى النيابي بـ «طلب من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع».
في المقابل، منذ العام الماضي وحتى الأمس القريب، أطلق رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل ثلاث محاولات، على الأقل، للتواصل والتوافق مع جعجع، إلا أنّ الأخير رفض بشكل حازم غالباً، أو وضع شروطاً قاسية على باسيل تتعلق بنقض كل مبادئ تفاهمه مع حزب الله، كما حصل الأسبوع الماضي.
وتفيد المعلومات أن معظم النقاشات في بكركي تسودها الإيجابية، وبخاصة تلك المرتبطة بملف تطبيق اللامركزية الإدارية، والحفاظ على سيادة لبنان، وتطبيق الدستور واتفاق الطائف وغيرها من الملفات التي «لا يختلف عليها المسيحيون كثيراً» حسب المصادر. أما التباعد في الآراء بين المجتمعين، فيتعلق بـ «سلاح حزب الله ونزعه وتطبيق القرارات الدولية المرتبطة بهذا السلاح»، حيث يغرد «التيار الوطني الحر» وحيداً مقابل البقية.
على الرغم من تأكيد المجتمعين أنّ «الأجواء الإيجابية سائدة غالباً»، يبقى انتظار بيان المبادرة النهائي وأثاره في التقدم في مسألة انتخاب رئيس للجمهورية، فيما يُدرك الجميع أنّ استمرار إغلاق رئيس مجلس النواب لأبواب البرلمان يُمثل«العلّة الأساسية التي تشوب الديمقراطية اللبنانية» بحسب مصادر المشاركين في بكركي.
نبيه بري: «الأمر لي»
لا يزال رئيس السلطة الثانية مُستحكم في عملية انتخاب رئيس السلطة الأولى في لبنان. نبيه بري هو اللاعب الأساسي في تلك العملية، فهو المتمسّك بمرشح «الثنائي الشيعي» سليمان فرنجيه، وهو المُسَوِّف لكل المبادرات، أكانت تلك العائدة لسفراء «اللجنة الخماسية»أم مبادرة تكتل «الاعتدال الوطني»، وربما قريباً «مبادرة بكركي».
وعلى الرغم من أنّ الحياة الديمقراطية لا تفترض «دوراً سلبياً لأحد أركان السلطات الرسمية»، بحسب مصادر «بيروت تايم» يبقى الواقع القائم أقوى من المطلوب والمفترَض، فيما «يعلم الجميع في بكركي وغيرها، أن الدخول إلى جلسة تنتج رئيساً تحتّم الجلوس والتفاوض على طاولة نبيه بري».
وكان رئيس مجلس النواب قد قام بالدعوة مراراً إلى «طاولة حوار» رفضتها قوى المعارضة بحجة «مخالفتها للدستور» حيناً أو لأنّ مضمونها «سيكون للنقاش حول ولاية فرنجيه» أحياناً أخرى. ومن المؤكد أنّ لهذه القوى قدرة حقيقية على رفع «فيتو» على وصول مرشح «الثنائي الشيعي»، لكن امتلاك قدرة التعطيل لا تعني، بالضرورة، إمتلاك قدرة التقرير.
وحفاظاً على دوره كلاعب أساسي في النظام السياسي اللبناني وعملية انتخاب رئيس للجمهورية، يراوغ نبيه برّي للحفاظ على مبادرته الخاصة القائمة على تنظيم طاولة حوار لإيصال مرشحه الزغرتاوي، ويدافع عنها بتسويف كل المبادرات الأخرى. ففي وقت أفهم الرجل سفراء «اللجنة الخماسية» أنّ تمسكه بفرنجيه ثابت، قام بتسويف وخردقة مبادرة «تكتل الاعتدال» النيابي القائمة، في صلبها، على فتح أبواب البرلمان اللبناني أمام عملية الانتخاب.
مع وثوب «مبادرة بكركي» نحو طرح حقيقي للأزمة اللبنانية ومسألة الملف الرئاسي، لا شيء يمنع قيام رئيس البرلمان في تسويفها أكان بحجة «فئويتها المسيحية»، أو بحجة «عدم اكتمالها إلا بطاولة حوار وطنية جامعة».
يبقى أنّ كل الطرق المؤدية إلى بعبدا تمّر بعين التينة، أقلّه إلى الآن. هذا طالما يمسك رئيس المجلس بمفاتيح البرلمان ويستمر بتنسيق الأدوار مع حزب الله «المقاوم» ونبيه برّي «السياسي».