القضاء اللبناني والمحكمة العسكرية «فانوس سحري» لحزب الله

القضاء اللبناني والمحكمة العسكرية «فانوس سحري» لحزب الله

  • ٣٠ آذار ٢٠٢٤
  • خاص بيروت تايم

يخضع القضاء اللبناني ل«حزب الله»، ومراقبة سريعة للقضايا التي تناولها وتحديداً القضاء العسكري منه، ستكون كفيلة بالتأكيد أنّ القضاء يتحول إلى «أداة» بيد «حزب الله» لتنفيذ رغباته.

وأحكام المحكمة العسكرية هي خير دليل، ففي ملف أحداث خلدة في 21 آب 2021 الذي كان عبارة عن إشكال بين مجموعة مسلحة تابعة ل«حزب الله» وسرايا المقاومة  من جهة ومجموعة مسلحة من أهالي عرب خلدة (العشائر العربية) من جهة أخرى، قد وقع الإشكال خلال تشييع الشاب علي شبلي الذي قُتل في عملية ثأر، ومن التداعيات، مقتل أربعة عناصر من «حزب الله» وجرح عشرات الأشخاص، وقامت المحكمة العسكرية بتبرئة جميع عناصر «حزب الله»، وجاء القرار الإتهامي لقاضي التحقيق العسكري الأول فادي عقيقي، بعدم ترك الموقوفين في الملف، وعددهم 32 شخصاً. وللمفارقة، جميع الموقوفين كانوا من أبناء العشائر العربية، ولم يتمّ توقيف أي عنصر تابع ل«حزب الله» أو سرايا المقاومة. 
ولا تقف المسألة هنا، بل إنّ المحكمة العسكرية لم تُحقّق ولم تستمع إلى أي مسلح تابع ل«حزب الله»، بالرغم من الشكاوى العديدة التي قدمت ضدّ مجموعة من المسلحين التابعين للحزب المعروفة هوياتهم والموثقة أفعالهم في مقاطع الفيديو. 
والإستنسابية طغت على هذا الملف، ونجحت ضغوط «حزب الله» في تبرئة جميع عناصره المسلحة وعدم التعرّض لهم بأي شكل من الأشكال، وفي نيسان 2023 أصدر رئيس المحكمة العسكرية العقيد الركن خليل جابر الأحكام القضائية في ملف أحداث خلدة، وقرّر سجن المدّعى عليهم من أبناء العشائر، أما الأحكام كانت صادمة وتراوحت بالسجن بين السنة وصولاً إلى 10 سنوات، وأصدر أيضاً أحكام الإعدام بحقّ المدّعى عليهم من أبناء خلدة المتوارين عن الأنظار، وتوجّه الأهالي نحو إستئناف هذا القرار ووتمّ تحويله الى محكمة التمييز التي تعيد النظر في هذه الأحكام.
قضية أخرى تؤشر أنّ المحكمة العسكرية تتماشى مع رغبات «حزب الله» وتحاول إرضاءها، وهي قضية محمد عياد المتهم بقتل الجندي الإيرلندي من قوات اليونيفيل «شون روني» في العاقبية، حين دخلت الآلية العسكرية التابعة لليونيفيل إلى العاقبية فتعرّضت لإطلاق نار وقتل الجندي. والمحكمة نفسها إتهمت عناصر تابعة ل«حزب الله» بجريمة القتل عمداً، فتمّ تصوير الحزب أنّه يلتزم القوانين ولا يتجاوزها ، إذ سلّم الشاب عياد إلى المحكمة العسكرية لمحاكمته على جريمته، ولكن هذا المشهد المسرحي سُرعان ما إنتهى ، بعد أن أفرجت المحكمة العسكرية  برئاسة العميد الركن خليل جابر عن الموقوف عياد بحجة وضعه الصحي، إذ قيل أنّه مصاب بالسرطان وبحاجة إلى رعاية طبية! وإن كانت هذه الحجة غير مقنعة كثيراً أو تؤكد أنّ الإستنسابية فرضت نفسها بالقوة، وهي حجة«حزب الله» لإخراج عياد من السجن، ولكن السؤال المحقّ ، لماذا أفرج عن عياد المصاب بالسرطان ولم يفرج عن باقي الموقوفين المصابين بالسرطان أيضاً؟ علماً أنّ السجون تكتظّ بالمرضى الذين بحاجة إلى رعاية طبية ضرورية أيضاً، والكثير من الموقوفين يخضعون للمحاكمة رغم تدهور وضعهم الصحي، هذا عدا عن أعداد الموقوفين الذين يموتون داخل السجون بسبب تدهور أحوالهم الصحية. فلماذا أُفرج عن عياد دون غيره؟ والجواب لأنّه محسوب على «حزب الله». 
ومن المحكمة العسكرية إلى قصر عدل بيروت لا تتغير المشهدية، فالقضية الثالثة والتي تستدعي الإهتمام أيضاً هي قضية الباحث والكاتب السياسي لقمان سليم، الذي وُجد جثة هامدة بعد أن قتل في سيارته في منطقة الزهراني ليل الثالث من شباط عام 2021! بخمس رصاصات في الرأس وأخرى في عنقه وظهره. وأتى هذا الإغتيال بعد سلسلة طويلة من التهديدات بالقتل والإتهام بالعمالة، بسبب مواقفه المعارضة ل«حزب الله» ! 
قضية إغتيال لُقمان سليم تسلّمها القضاء اللبناني، فجُمِد الملف ، وعلى ما يبدو أنّه لن يتقدم أي خطوة للأمام، ولن يُكشف القاتل، ولم تُكشف أي حقائق من شأنها أن تدلّ على القاتل، فالملف نُقل من الجنوب إلى بيروت لأسباب أمنية، ووصل إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت القاضي شربل أبو سمرا الذي تقاعد منذ أشهر، دون أن يحرّك ساكناً في القضية، بحجة أنّ الملف بحاجة إلى الكثير من الأدلة والعناصر ليتبين حقيقة الجريمة التي حصلت، فالأوراق التي وضعت في الملف ليست إلّا مجموعة من المستندات وهي عبارة عن تقارير الطبّ الشرعي وبعض المستندات حول الأدلة الجنائية وصور لجثة لقمان سليمان. والإستجوابات لم تتعدَ مجموعة من الأصدقاء وأفراد من عائلة الضحية، وهذا يعني أنّ الملف يفتقد إلى الكثير من المستندات لتفعيله وكأنّ الضحية مات ودُفن سرّه معه. وتقاعد أبو سمرا ليحوّل هذا الملف إلى القاضي بلال حلاوي، المحسوب والمقرّب من الثنائي الشيعي بحسب ما يتداول داخل قصر عدل بيروت، وخلال شهر أيار سيبدأ حلاوي بمتابعة هذه القضية. 
ومن لُقمان سليم إلى مكرم رباح لا يمكن تخطّي قضية إحتجازه داخل الأمن العام بإشارة من مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي صوان بعد أن طُلب منه تسليم هاتفه إلى الأجهزة الأمنية، وحقّق معه بشبهة العمل لصالح إسرائيل، وكان واضح أنّ الإحتجاز إنتقامي بسبب  أدانته لسياسات«حزب الله» خلال مقابلة مصورة، فهو من المعارضين لمسار الحزب ، ويتعرض لإتهامات يومية بالعمالة بسبب مواقفه، وبعد ساعات قرر عقيقي تركه رهن التحقيق. 
في هذه القضايا يظهر أنّ القضاء اللبناني والعسكري يخضع ل«حزب الله »، فلم نشهد أي مُلاحقة واضحة لعناصر «حزب الله» في قضية أحداث خلدة، والقضاء العسكري مُنع من إستجواب أي من هذه العناصر المسلحة لأنّ اللجنة الأمنية التابعة للحزب هي التي فرضت هذا الواقع. والملفات الأخرى تؤكد أنّ المحكمة العسكرية وعدد كبير من القضاة داخل قصر عدل بيروت، ينصاعون لرغبات «حزب الله» ويحاولون «مُداراته» وهذا مؤشر خطير جداً من شأنه التأثير على واقع العدالة في لبنان والحريات بشكل خاص، ولعل خير دليل على أنّ القضاء اللبناني يتماهى مع طلبات الحزب ، هي العرقلة التي شهدناها في قضية المرفأ، والإنقلاب القضائي على المحقّق العدلي طارق البيطار الذي تجرأ وواجه المنظومة الحاكمة التي تضمّ جميع المحسوبين والتابعين للثنائي الشيعي، وأيضاً بعد أن أوقف القاضيان صبوح سليمان وعماد قبلان تفعيل مذكرات التوقيف الصادرة بحقّ كل من علي حسن خليل (المحسوب على حركة أمل)، ويوسف فنيانوس (المحسوب على تيار المردة والمقرب من «حزب الله» الداعم الأول لسليمان فرنجية. وما نخشاه أن يتحوّل المسار القضائي في لبنان إلى خطّ لملاحقة المعارضين للحزب فقط ويُحصر تطبيق القانون على مجموعة من الأفراد فقط.