مللٌ في بكركي.. لا أسماء رئاسية «جدية» بل «حوارات تقنية»

مللٌ في بكركي.. لا أسماء رئاسية «جدية» بل «حوارات تقنية»

  • ٠٢ نيسان ٢٠٢٤
  • جو حمّورة

لا تسير مبادرة بكركي على ما يُرام. الإجتماعان اليتيمان في مقرّ البطريركية المارونية لم يُسفرا عن تقدّم مهم ومؤثر في مجال الإنتخابات الرئاسية.

الملل سيد الموقف في بكركي، فلا أسماء مهمة لتشكّل جسر عبور إلى إنتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية. وحده إسم جورج خوري، مدير مخابرات الجيش اللبناني وسفير لبنان السابق في الفاتيكان، هُمس به لفترة وجيزة، ليعود ويمرّ الجميع عليه مرور الكرام. وعليه، يظلّ الملف الرئاسي عالقاً بين مقرّات الأحزاب الرئيسية في لبنان وسفارات العالم في بيروت، فيما تبقى الأسماء «تتطاير» بين لجنة وكتلة وجدول إجتماع، دون أن  يتقدّم أحد بخطوة واحدة إلى الأمام.


اللامركزية الإدارية.. «حوار حول ما نتفق عليه»
قبل الأعياد، فتحت بكركي أبوابها لاستقبال ممثلي الأحزاب المسيحية. لم يشارك الجميع في المبادرة، كـ«تيار المردة» الذي بقي خارج «الغطاء السياسي» للكنيسة المارونية، كما بعض النواب المستقلين من الموارنة الذين لم تتمّ دعوتهم إلى اللقاء أصلاً. حضر ممثلو حزب «القوات اللبنانية» و «التيار الوطني الحر» و«الكتائب اللبنانية» وبعض الأحزاب والكتل الصغيرة الهامشية الأخرى. 

وفي الوقت الذي أكّد فيه ممثل حزب «القوات اللبنانية» في اللقاء النائب فادي كرم أنّ «الجو إيجابي، والمبادرة ستتطرّق إلى الثوابت الوطنية الأساسية»، ومؤكداً أنّه فيما يخصّ الملف الرئاسي فإنّ المبادرة «ستركّز على ضرورة تطبيق الدستور، لكن بعيداً عن الدخول في الأسماء»، تفيد معلومات خاصة لموقع «بيروت تايم» أنّ الحوارات ذكرت بعض الأسماء الرئاسية عرضاً، إلّا أنّ «التركيز بقي لناحية الأمور التقنية المرتبطة بالإدارة اللبنانية والمشاريع التي يتفق عليها المسيحيون أصلاً». 

وتشير المصادر كذلك إلى أنّ ممثلي الأحزاب تحاوروا «حول ما يتفقون عليه أصلاً»، وقدموا بعض المشاريع المرتبطة باللامركزية الإدارية والصندوق السيادي وضرورة المناصفة في الإدارات اللبنانية العامة، فيما طلب بعضهم «مهلة أيام بسيطة» من أجل تقديم رؤيتهم التفصيلية في هذا المجال. 

وعلى الرغم من أنّ موضوعاً مثل مشروع اللامركزية الإدارية لا يزال مطروحاً في لبنان منذ خمسينات القرن الماضي، وهو مذكور في إتفاق الطائف بشكل واضح، تُكرّر الأحزاب المسيحية نفس أسطوانة المطالبة بتطبيقه، دون القدرة على فرض أي من مشاريعهم في البرلمان أو داخل السلطة التنفيذية اللبنانية. 

وفي المقابل، يرى نائب تغييري في حديث مع موقع «بيروت تايم» أنّ هذه المشاريع «مجرد طبخة بحص ومضيعة للوقت»، مؤكّداً، في نفس الوقت، إمتعاضه من عدم تلقيه دعوة للمشاركة في اللقاءات، معيداً السبب إلى «عدم رغبة بكركي في سماع أصوات مختلفة وغير تقليدية». 


لا دخول «جدي» في الأسماء الرئاسية
يؤكد قيادي سابق في «التيار الوطني الحر» لموقع «بيروت تايم» أنّ لقاءات بكركي «لن تجدي نفعاً»، فيما يعيد الأسباب إلى «غياب الرؤية الاستراتيجية لدى المسيحيين، وتركيز أحزابهم على المواقف المعنية بالشؤون القائمة حالياً، وعدم القدرة على فرض رأيهم على بقية القيادات». 

وفيما يجوز القول بأنّ الإجتماعات في بكركي لم تدخل جدياً في لعبة الأسماء المطروحة للرئاسة، يؤكد القيادي  إلى أنّ «الجميع حضروا اللقاءت مسايرة لبكركي، ولديهم يقين تام بأنّ المبادرة لن تنتج أكثر من ورقة سياسية عادية تتضمن ما يتفقون عليه أصلاً». 

ومن المتوقّع أن يخرج الإجتماع الثالث للمبادرة بورقة سياسية عامة، تضم بعض الأفكار المكرّرة المملة التي لا آذان صاغية لها، وتدور حول التأكيد على ضرورة تطبيق الدستور اللبناني وإنتخاب رئيس للجمهورية «في أسرع وقت»، وضرورة إقامة دولة تحترم القوانين والمواطن على حدّ سواء. 

وفيما يبقى موضوع سلاح «حزب الله» مصدر تباين بين مجمل المشاركين في لقاءات بكركي و «التيار الوطني الحر» الذي يغرّد وحيداً، و «الذي لا يريد قطع شعرة معاوية مع الحزب» حسب القيادي، يبقى من المؤكد أنّ الدخول في الأسماء الرئاسية مرتبط بقياديين أرفع من هؤلاء المشاركين في لقاءات بكركي، ويبقى أمراً محصوراً بقيادات الصف الأول وسفراء عواصم القرار في الداخل اللبناني.


محاولة خجولة لإحياء إسم جورج خوري
على هامش لقاءات بكركي، تمّ التداول بإسم جورج خوري بشكل عرضي، وهو مدير مخابرات الجيش اللبناني السابق، وشغل لفترة منصب سفير لبنان في دولة الفاتيكان، وكان مقرباً من رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان. 

لكن المرشح الذي غالباً ما يوصف بالإعلام بأنّه مدعوم من دولة الإمارات العربية المتحدة ومن الفاتيكان وبكركي على حدٍ سواء، لا يحظى بتأييد مهم من الأحزاب المسيحية وحتى الإسلامية، وكان إسمه قد طُرح قبل شهر من دون أن يحظى بزخم يتيح فتح كوة في جدار الإنتخابات الرئاسية المعطلة. فلا «حزب الله» يثق برجل أمن لديه إرتباطات خليجية وأميركية وفاتيكانية، ولا «التيار الوطني الحرّ» يريده أكثر من ورقة وأداة من أجل إضعاف موقف مرشح «الثنائي الشيعي» سليمان فرنجيه كما قائد الجيش جوزف عون. 

أما المتحاورون في بكركي، فيعلمون أنّ لا قدرة لديهم على إنتاج رئيس لوحدهم، وهم مجبرون، في نهاية المطاف، على التفاوض مع «الثنائي الشيعي» الرافض أصلاً لترشيح خوري. هذا وأتت عظة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي يوم أحد القيامة لتصوّب على رئيس مجلس النواب اللبناني من دون أن يسميه، حيث إنتقد الراعي «هؤلاء الذين يحرمون عمداً ومن دون مبرّر قانوني دولة لبنان من رئيس»، متسائلاً، «أين الميثاق وأين العنصر المسيحي الأساسي في تكوين الميثاق الوطني؟».

على الرغم من محاولات بكركي لإيجاد حلول للأزمة الرئاسية، فإنّ الإنقسامات والتباينات لا تزال تعيق الجهود المبذولة وتحيط عملية الإنتخاب بالتحديات والتعقيدات والكثير من العراقيل. فيما يبقى أمل بكركي محدوداً في الخروج بورقة سياسية واحدة من اللقاءات على أحسن تقدير. 

من الواضح أنّ هناك تحفظات ومخاوف من قبل بعض الأطراف السياسية تجاه الشخصيات المطروحة للرئاسة، وهذا يعكس التعقيدات السياسية الداخلية والتأثيرات الإقليمية والدولية على الساحة اللبنانية. ومع ذلك، فإنّ محاولات إعادة إحياء إسم جورج خوري كمرشح محتمل لم تلقَ تأييداً كافياً، لا سابقاً ولا حالياً، خاصة مع توجّه بعض الأحزاب نحو إعادة التمسّك بأسماء مرشحيها الرئاسية القديمة.