العرب الأميركيون.. ثروة أكاديمية وإنكفاء سياسي

العرب الأميركيون.. ثروة أكاديمية وإنكفاء سياسي

  • ٢٦ نيسان ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

يهيمن الحراك الطالبي ضدّ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، على المشهد الجامعي الأميركي، ما يضعنا أمام إحتمالية تأثير دورهم في القرار السياسي الأميركي. يبدأ هذا الدور من الكتلة المالية، التي لها تأثير واسع عبر الأحزاب السياسية. لكن هذا التفاؤل العاطفي، يقابله واقع سلبيّ يبدأ من طبيعة الإقتصاد السياسي للجامعات الأميركية، وضعف التأثير الإقتصادي للعرب في أميركا.

يشكل الأميركيون من أصول عربية حوالي 3 ملايين شخص، وصلوا إلى الولايات المتحدة من البلدان الناطقة باللغة العربية خلال ثلاث موجات هجرة.  الأولى، بين عامي 1890 و1920، مع اجتذاب صناعة السيارات في ديترويت المهاجرين من جميع أنحاء العالم، وكان معظم هؤلاء الوافدين من الفلاحين المسيحيين الباحثين عن فرص إقتصادية. وجاءت الموجة الثانية بعد الحرب العالمية الثانية وقيام إسرائيل، عندما هاجر عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى الولايات المتحدة بعد عام 1965 واستمرت حتى عام 1990، بعد إصلاح قوانين الهجرة الضارة، ووصول 250 ألف شخص نتيجة الحرب الأهلية في لبنان، والفقر في مصر والمغرب واليمن. وفي أواخر الثمانينيات، قلّصت الولايات المتحدة قبول طلبات الهجرة من الشرق الأوسط. وفي السنوات العشر الأخيرة، بدأت موجة رابعة للاجئين من الصومال والسودان والعراق وسوريا بسبب الإضطرابات والحروب في بلدانهم.

العرب الأميركيون هم غالباً من النخب المتعلمة والمثقفة، وهم ناشطون إقتصادياً، في مجالات ريادة الأعمال، والإبتكار والإستثمار، ومعدل مدخولهم يفوق الأميركيين، فهناك ما يقارب 50 ألف طبيب، يشكلون 5 في المئة من إجمالي الأطباء في البلاد. أكثر من نصفهم ولدوا في الولايات المتحدة. ومن بين أولئك الذين هاجروا، أصبح 70% منهم مواطنين يحملون الجنسية الأميركية. وقد صرّح 45 في المئة منهم أنّ مدخولهم بلغ 30 ألف دولار أو أقل، مقارنة بـ 36 في المئة من الولايات المتحدة ككل.

غير أنّ هذه النخب لا يمتلكون شركات كبيرة ولا مؤسسات تعنى بشؤون إقتصادية مثل غرف التجارة، وليسوا رؤساء شركات ضخمة، وليس من بينهم كبار الصناعيين وكبار المتمولين، وليسوا ضمن المصارف الخمس الكبرى في وول ستريت والشركات القابضة الكبيرة، أو من بين العائلات الكبيرة في مجال التصنيع والتكنولوجيا التي تدرّ مليارات الدولارات، فالتركيبة الإجتماعية للعرب الأميركيين تعكس نجاحاً فردياً، وليسوا قوة منظمة أو مجموعات ضغط، إذ يقتصر دورهم في المجالات العلمية والبحثية والأكاديمية.

هناك دور محدود، للعرب في الولايات المتحدة في تشكيل الإقتصاد السياسي في الجامعات الأميركية، بحسب أستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث في جامعة «بريتش كولومبيا» هشام صفيّ الدين، التي برزت فيها أصوات عربية مناهضة للحرب الاسرائيلية على غزة، و في حديثه لـ «بيروت تايم» ينسب الفضل  الى دور الأكاديميين والمثقفين العرب والى إرث ادوارد سعيد في جامعة كولومبيا ومثقفين عرب  من أمثال هشام شرابي وكلوفيس مقصود في جورجتاون، ومن تتلمذوا على أيديهم، إضافة الى دور المؤسسات مثل «جمعية دراسات الشرق الأوسط»، وهي اكبر تجمع للأكاديميين المعنيين بقضايا الشرق الأوسط في أميركا، و«المؤسسة التعليمية العربية الأمريكية». كما هناك موجة من التثقيف الذي يقع ضمن إطار أوسع لبروز «النظرية العرقية النقدية». والتي تدعو الى إعادة النظر في فهم العلاقات الطبقية والعرقية والجندرية في المجتمعات الغربية. 

هناك جاليات عربية في الولايات المتحدة متخصّصة وذات شأن إقتصادي ولو على مستوى الأفراد، ولديها دور في تصويب صناعة الرأي عبر المفكرين والأكاديميين وعبر إنخراطهم في التخصّصات المرموقة، وعبر تمويل كراسي أبحاث تتمتع بإستقلالية الى حدّ ما عن غيرها، لكن لا قوة إقتصادية ظاهرة للعرب كمجموعات أو لوبيات. في المقابل يمكن أن يؤثروا إقتصادياً في حال نظموا صفوفهم ورؤيتهم في بعض الولايات، حيث يشكلون كتلة سكانية وازنة.

وفي سياق التأثير المباشر للجاليات العربية على إنتاج المعرفة الأكاديمية، يشير صفيّ الدين إلى وجود كرسيي أبحاث مستقلة (endowed chairs) في الولايات المتحدة مموّلة من الجالية العربية، في هيوستين، ما يعطي استقلالية وحيّزٍ كبير للإنتاج الفكري، مقارنةً مع باقي الجامعات. وقد شغل إحداها سابقاً الدكتور أسامة المقدسي وحالياً يشغلها الدكتورعبد الرزاق التكريتي، مع الإشارة هذه الحالة فريدة، ولم يحدث مثلها في باقي الولايات.

ولعلّ السبب يكمن في أنّ العرب في ولاية هيوستين تمكنوا من تنظيم جالياتهم الى حدّ ما، وهم في الأغلب من الطبقة الوسطى والعليا ولديهم قدرة مالية ومهنية مؤثرة في الجامعات. فيما هذا الواقع لا ينطبق على ولاية ميتشيغن، رغم تواجد جالية كبيرة، خاصة من جنوب لبنان، بحيث لا نلمس نفس درجة الحضور في المجال الأكاديمي على مستوى إدارة الجامعة. فالحضور العربي الكبير في ميتشيغن لم يكن عائقاً أمام تعيين «سانتا أونو» الداعم لإسرائيل، رئيساً لجامعة ميشيغان.

قد يكون سبب الإختلاف بحسب صفي الدين التركيبة الطبقية وتاريخ الجاليتين في الولايتين، في ميشيغين معظم العرب مهاجرين من الجيل الأول أو الثاني، وجزء كبير منهم يعملون في القطاع التجاري والخدماتي، أما الجالية في هيوستن، فهي من الفئات التي اتجهت نحو التخصصات العلمية كالعلوم الطبيعية والهندسة، والطّب، الى جانب جالية فلسطينية أكثر تنظيماً من الطبقة المتوسطة العليا.

توصيف صفيّ الدين لما يجري في الجامعات الاميركية أقل إيجابية مما ينقله الإعلام اللبناني، رغم وجود تأثير ملموس وحضور لكن من دون تنظيم كافٍ، مضيفاً، أنّ «الحراك الطلابي يستحق التقدير، وبات من الممكن تلمّس تغييراً في مزاج الناس، لكن من المبكر جداً إعتبار أنّ هذا الوعي ستكتب له الديمومة، باعتباره مرتبط بما يحدث في غزة، وثانياً لا ضمانة لبقاء الأساتذة المحفزين لهذه المعرفة، إذ يمكن أن يتمّ عزل هذه النخب كما حصل في الخمسينيات والستينيات إبان الحرب الأميركية في فيتنام». كما أنّ بالنسبة لصفي الدين أنّ تغيرّ مزاج الطلاب ووعيهم لقضايا الشرق الأوسط لا يشكل أغلبية سائدة، متسائلاً «ما هي نسبة المشاركين في الإعتصام بالنسبة لعدد الطلاب؟ هل هم الأكثرية؟ وهل سيُترجم الحراك في البنية المؤسساتية لمجالس الطلبة والأساتذة وإدارة الجامعات؟ بينما في المقابل، لدى الحركة الصهيونية منظمات تعمل منذ 100 عام، في كلّ الولايات وتمتلك تنظيماً مركزياً، وحكماً هذا مرتبط بالتمويل والإرتباط بدوائر القرار والتماثل الفكري بين الأيديولوجيا الصهيونية والرواية الوطنية الأميركية».

كما يلفت صفيّ الدين النظر، إلى دور المال الخليجي المستثمر في أميركا، الذي يتماهى مع السياسة الأميركية. ويعود هذا الإستثمار إلى السبعينيات، في عملية تسمى «إعادة تدوير الدولار»، أي إعادة تدوير ريع النفط الذي يخرج من الدول العربية، بحيث نجد أنّ الأموال الأميركية التي تدفع مقابل النفط العربي، تعود إلى الولايات المتحدة، عبر استثمارها إما في سندات الخزينة الأميركية، او من خلال شراء الأسلحة التي لا تحتاجها تلك الدول أو لا تجيد استعمالها، أو من خلال شراء العقارات في أميركا وبريطانيا وغيرها من الدول الغربية.