إخفاء نساء غزة قسراً.. عنف إسرائيلي من نوع آخر

إخفاء نساء غزة قسراً.. عنف إسرائيلي من نوع آخر

  • ١٠ أيار ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

إخفاء قسري للنساء في غزة، في ظل إستمرار المجزرة، وغياب الأرقام الدقيقة حول الضحايا.

في بداية هذا الأسبوع، أدان خبراء الأمم المتحدة الهجوم المستمر والممنهج للعنف المرتكب ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، والذي معظم ضحاياه من النساء والأطفال. وأشار الخبراء إلى الفزع إزاء التفاصيل التي ظهرت في المقابر الجماعية مؤخرًا في القطاع، حيث تمّ إكتشاف أكثر من 390 جثة في مستشفى ناصر ومستشفى الشفاء، من بينها جثث النساء والأطفال، وتفيد التقارير أّنّ العديد منها تظهر عليها علامات التعذيب والإعدام، فيما الدلائل تشير الى دفن بعض الأشخاص أحياء.

حتى 29 نيسان 2024، إستشهد 34,488 فلسطينياً في غزة، من بينهم 14,500 طفلاً و9,500 امرأة، وأصيب 77,643 آخرين، 75% منهم من الإناث. وتمّ الإبلاغ عن أكثر من 8000 آخرين في عداد المفقودين أو تحت الأنقاض، وأشار الخبراء إلى أنّ نصفهم على الأقل من النساء والأطفال. وتقتل يومياً منذ بداية الحرب، تقريباً لغياب الأرقام الدقيقة، 63 إمراة منهن 37 أماً، وقد يُتِّم 17 ألف طفل فلسطيني حتى الآن.

والنازحون داخل القطاع حوالي 1.7 مليون شخص، ويواجه 1.1 مليون شخص مستويات كارثية من إنعدام الأمن الغذائي. وتشير التقارير الدولية إلى أنّ معاملة النساء الحوامل والمرضعات مروعة «في ظل القصف المباشر للمستشفيات والحرمان المتعمد من الوصول إلى مرافق الرعاية الصحية من قبل القناصة الإسرائيليين، بالإضافة إلى نقص الأسرة والموارد الطبية، مما يؤدي إلى إصابة نحو 70 ألف إمرأة بالأمراض منهن 50 ألف حامل». ويواجه الأطفال الحديثي الولادة مخاطر جمة لإفتقاد أدنى شروط الرعاية، حيث تلد أكثر من 183 امرأة يوميًا دون مسكنات الألم، بينما يموت مئات الأطفال بسبب نقص الكهرباء لتشغيل الحاضنات. وأدت الظروف المروعة إلى زيادة حالات الإجهاض بنسبة تصل إلى 300 في المئة، كما تواجه 95 في المئة من النساء الحوامل والمرضعات فقراً غذائياً حاداً.

ووفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان، فإنّ حوالي 155 ألف امرأة حامل وأم جديدة، تكافح من أجل البقاء والحصول على الرعاية الصحية الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، هناك ما يقدر بنحو 690 ألف امرأة وفتاة في غزة يحتجن إلى لوازم النظافة الصحية أثناء الدورة الشهرية، غير قادرات على إدارة دورتهم الشهرية بخصوصية وكرامة، مع ورود بعض التقارير عن تناول حبوب منع الحمل لتجنّب ظروف الحيض غير الصحية.

ويشير خبراء الأمم المتحدة أنّ الدمار الشامل غير المسبوق للمساكن والظروف المعيشية غير المستقرة في الخيام، يشكل بيئة خطرة على النساء والفتيات، بما في ذلك أمنهن الشخصي وخصوصياتهن. ووردت تقارير أيضاً عن الإعتداء الجنسي والعنف ضدّهن. ومن المتوقع أنّ هناك قرابة الـ 10 آلاف شخص، تحت الأنقاض، وأفاد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أنّ الجيش الإسرائيلي قد إرتكب 3070 مجزرة في قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول. إنّ ما تواجهه النساء في غزة، جزء من تاريخ الحروب، وإنعكاسها في تفاقم عدم المساواة النظامية، فقد أدى الصراع إلى إرتفاع مستويات العنف الإجتماعي ضد النساء والفتيات، وبالتالي التهديد بالعنف الجنسي. إضافةً إلى استخدام العنف القائم على النوع الاجتماعي كأسلوب من أساليب الحرب.

إنّ التطبيع مع العنف القائم خلال أوقات النزاع، وانهيار الهياكل الاجتماعية، والانهيار العام لسيادة القانون يمكن أن يؤدي إلى مستويات أعلى من العنف داخل العلاقات والأسر. ووفقاً لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في عام 2015، تشير التقديرات إلى أنّ أكثر من 70٪ من النساء والفتيات في السياقات الإنسانية تعرضن لأشكال مختلفة من العنف القائم على النوع الإجتماعي، مقارنة بنحو 35٪ من النساء على مستوى العالم. بالإضافة إلى ذلك، تشير الأبحاث إلى أنّ ما يقرب من واحدة من كل خمس نساء لاجئات أو نازحات في الأوضاع الإنسانية المعقدة تعرضت للعنف الجنسي.

تواجه النساء والفتيات الفلسطينيات في غزة خطراً يتمثل في الاختفاء القسري أو الإحتجاز التعسفي على يد القوات الإسرائيلية. وكثيراً ما يتعرضن للتفتيش العاري والإذلال وغيره من أشكال التعذيب، إلى جانب المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة أثناء اعتقالهن واحتجازهن. وأعرب خبراء الأمم المتحدة عن قلقهم البالغ إزاء التقارير التي ترد بالتفصيل عن حالات تعرضت فيها النساء والفتيات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية لأشكال متعدّدة من الإعتداء الجنسي، مثل تجريدهن من ملابسهن وتفتيشهن من قبل ضباط الجيش الإسرائيلي الذكور. وأنّ حكومة إسرائيل فشلت باستمرار في إجراء تحقيق مستقل ونزيه وفعال في الجرائم المبلغ عنها.

إنّ التعامل مع المجزرة على أنّها أرقام، يفتح المجال أمام الشكيك بالعدد أولاً وبالحدث ثانياً، فإن أختفت إمرأة أو عشرون أو مليون، الفعل قبيح بحد ذاته، بعيداً عن الرقم. في الحروب، تكون النساء والاطفال الفئات الأكثر تضرراً، إما بسبب القتل أو التحرش والاغتصاب، أو تحمّل تبعات فقدان المعيل. وقد سادت الفكرة القائلة أنّ الأرقام تمثل الحقيقة المطلقة، ونادراً ما نتمكن من الوصول إليها. هذا إذا نظرنا الى حقائق علماء الرياضيات، والأدلة التي يقدمونها، صحيحة تماماً في الأبحاث، وعندما يدرس علماء الرياضيات الأرقام، فإنّهم ينظرون إليها أنّها مثل أفلاطونية، وهذا ما رسخ لدى الجماهير فكرة نقاء الأرقام، لكن لا يعيرونها إنتباهاً إلّا عند ارتباطها مع حدث في العالم الحقيقي. ففي اللحظة التي ترتبط فيها هذه الأرقام بشيء ما فإنّها تفقد نقائها، ولهذا السبب تخدعنا، ما زلنا نعتقد أنّ الرياضيات تمتلك الحقيقة المطلقة، لكن الأرقام التي نتعامل معها ممزوجة مع الواقع السيء. فلا أرقام دقيقة ومحدّدة حول عدد النساء اللواتي أخفتهن إسرائيل قسراً، لكن هذا لا يلغي الواقعة بحد ذاتها. لعبة الأرقام غالباً ما تكون خطرة، وتأتي في مصلحة الأكثر نفوذاً، ووجود رقم محدّد لا يعني دقة الموضوع، وغياب الرقم لا ينفي حدوثه.