أزمة النزوح وسط الحرب.. جشع لم يردعه صاروخ

أزمة النزوح وسط الحرب.. جشع لم يردعه صاروخ

  • ١٧ آب ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

حالة النزوح منذ 8 تشرين الأول 2023، حتى اليوم، تغيرت خاصة بعد اغتيال المستشار العسكري في المجلس الجهادي لحزب الله فؤاد شكر، في الضاحية الجنوبية لبيروت. لكن ما بقي ثابتاً هو سلطة المؤجرين على المجتمع، حتى في ظل الحرب والموت اليومي.

تظهر أرقام النزوح الداخلي أنّ أكبر عدد من النازحين كان من قضاء بنت جبيل بأكثر من 75 ألف نازح، وتليها مرجعيون بأكثر من 14 ألف نازح، وصور بأكثر من 12 ألف نازح. فيما تركز النازحون بشكل رئيسي بداية في صور والنبطية وبعبدا وصيدا وبيروت. وفي الأسبوع الفائت، بين 7 و13 آب، توزّع النازحون بشكل رئيسي في جبيل وبعلبك وبيروت وعاليه وبعبدا.

تتراوح أسعار الشقق في جبيل بين 350 دولار و2000 دولار، وفي بيروت بين 400 دولار ويمكن أن تصل إلى 20 الف للشقق الفخمة، و2000 دولار للشقق العادية. أما في عاليه فتتراوح بين 350 دولار و2000 دولار، وبعبدا بين 250 دولار و6000 دولار.

(رسم بياني تفاعلي)

 

منذ بداية الحرب في 8 تشرين الأول، ارتفعت قيمة الإيجارات 650 في المئة، بحسب «استديو أشغال عامة"»، حيث استغل المالكون الأزمة لجني أرباح على حساب النازحين والهاربين من الحرب. 

 

كانت هناك محاولات لمساعدة النازحين، وبحسب «استديو أشغال عامة»، خصصت عدّة مراكز إيواء في صور، وهي: 

مدرسة صور الفنية (المهنية)
تكميلية صور الرسمية الثانية (تكميلية حسن فران)
تكميلية البنات (تكميلية عفّت بزي)
الجامعة الألمانية في برج الشمالي. 
فيما قدمت عدة جهات مساعدات للنازحين ومنها:
مجلس الجنوب
الهيئة العليا للإغاثة
UNICEF
NRC
Save the Children
UNDP
UN Habitat
SHIELD
مؤسسات الإمام الصدر
ووزارة الشؤون الاجتماعية

أما النازحون إلى مناطق أخرى، فكانوا رهائن جشع المالكين. من هنا تظهر الحاجة لمعرفة ما قيمة العقارات الفعلي في لبنان، وكيف تمكن المالكون من فرض رغبتهم على المجتمع ككل.

لا تتحدد قيمة الأرض بسعر شرائها، وإنّما في قيمة الريع الذي تنتجه. ومن هنا شكلت الأراضي ساحة للمضاربات على أسعارها، بعيداً عن حق الشعوب بالسكن.

يبلغ حجم السوق العقاري من الناتج المحلي الإجمالي 10 في المئة، فيما كان يشكل قبل الازمة 20 في المئة، محققاً حتى حزيران 1.86 مليار دولار، بحسب أرقام السجل العقاري. 

 

(رسم بياني تفاعلي)

 

عندما تتحول بقعة أرض إلى مصدرٍ للمال، ولا قيود لمنع استغلالها، يصبح للمالك الحق التام بالاستثمار، حتى يصبح السكن خاضع لقرار المالكين. ولا معادلة رياضية تحدد قيمة هذه الأرض، أما من يحد من جشع المالكين، هي ضريبة الشغور، التي تفرض على المالكين تحديد أسعار تتلائم والواقع المعيشي من جهة، والرواتب من جهة والطلب على السكن. فالحد الأدنى 400 دولار، فيما الإيجارات تبدأ بـ 250 دولار، وهذا يسلب شريحة كبيرة من السكان حقهم بالسكن، خاصة وأنّ نسبة الفقر في لبنان وصلت إلى 44 في المئة، بحسب البنك الدولي.   

غياب الضريبة على الشغور، وغياب أي رقابة على أسعار الشقق، جعل من قطاع العقارات منجم أموال، كما ضرب الاستثمار والإنتاج، حيث مثلاً فضّل مزارع بيع أرضه وتشييد مبنى سكني، وبات يعتاش من بدل الإيجارات، وفق سعر يحدده هو، يرتكز على تقديره الشخصي عن حجم العائد الذي يريده. 

تشير أرقام الإحصاء المركزي أنّ نسبة التضخم في الإيجارات بين عامي 2013 و2019، 0.07 في المئة، وارتفعت نسبة الإيجارات القديمة بين أواخر 2018 و2021، 25 في المئة، بينما ارتفعت الإيجارات الجديدة بنسبة 16 في المئة.

(رسم بياني تفاعلي)

 

بحسب دراسة مشتركة لـ آلان بيفاني وكريم ضاهر وليديا أسود وإسحاق ديوان، بعنوان «ما هي السياسات الضريبية التي ينبغي اعتمادها في لبنان؟ دروس مـن الماضي لمواجهة تحديات المستقبل»، الصادرة عام 2021، يفرض رسم الانتقال (على الإرث والهبات والأوقاف) بمعدلات تصاعدية، تتراوح ما بين 3% و45% حسب درجة قرابة كل وريث (مستفيد) من المتوفي (الواهب)، ومقدار الميراث (بعد خصم الإعفاءات والتنزيلات المطبقة على الورثة أو الموهوب لهم أو باقي المستفيدين من التركة بعد خصم ضريبة ثابتة مستحقة نسبتها 5 بالألف يدفعها كافة الورثة في البداية). وأيضاً وتشكل الإيرادات الإجمالية نسبة منخفضة من الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 0.2 في المئة.

وتفرض رسوم انتقال (ثابتة) تحصل عند تسجيل الممتلكات العقارية (رسوم نقل وتسجيل ملكية العقارات) نسبتها 5 في المئة من قيمة العقار (يدفعها المشتري)، تضاف إليها رسوم إدارية متنوعة تصل قيمتها إلى 0.80 في المئة. تشكل هذه الضريبة ما نسبته 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتضاف إلى ما يؤدي إلى 7.5 في المئة من الإيرادات. رغم فرض ضرائب على أرباح مبيعات الأراضي، إلا أنّ رسوم التسجيل ليست تصاعدية حالياً، ما يساهم في زيادة الأثر التنازلي للضرائب الرأسمالية.

ويقترح الباحثون فرض ضريبة على الأملاك العينية الخالية والشاغرة بهدف تشجيع إستثمارها واستخدامها في أنشطة إنتاجية. وتفرض العديد من الدول ضريبة على الشغور، حيث تفرض فرنسا ضريبة تصل إلى 20 في المئة في حال الشغور لمدة 12 شهراً، ويمكن أن تفرض بعد 6 أشهر، حسب السياسة المحلية. وفي بريطانيا تفرض ضريبة 100 في المئة في حال الشغور لعامين، وفي ألمانيا تفرض ضريبة 10 في المئة في حال الشغور بين 6 أشهر إلى سنة حسب المدينة، أما في الولايات المتحدة تختلف الضريبة بحسب الولايات، ففي ولاية كاليفورنيا، تصل ضريبة الشغور إلى 30 في المئة من قيمة الإيجار المحتمل للعقار.

فجرت الحرب أزمة السكن القديمة-الجديدة في لبنان، من هنا يبدو من الضروري البحث عن بدائل، منها السكن الاجتماعي، الذي تتبعه فرنسا مثلاُ، حيث يتم توفير مساكن ميسورة التكلفة للأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وكذلك للعاملين في بعض المهن الأساسية مثل الأساتذة والممرضين. تُدار هذه الوحدات من قبل جهات حكومية أو شراكات بين القطاعين العام والخاص. القانون الفرنسي يُلزم البلديات ببناء نسبة من المساكن الاجتماعية، مما يساهم في تقليل الفجوة الاجتماعية وتعزيز التكامل. يشمل الإسكان الاجتماعي في فرنسا مشاريع لإعادة تأهيل المباني القائمة بدلاً من هدمها، مما يعزز الاستدامة البيئية والاجتماعية.

كما ينص القانون على أن تكون 20 إلى 25 في المئة من الوحدات السكنية في المدن الكبرى، مخصصة للإسكان الاجتماعي. ويبنى السكن الاجتماعي في فرنسا في مناطق تُعتبر ذات اهتمام اجتماعي خاص، مثل الأحياء التي تحتاج إلى تحسينات في البنية التحتية والخدمات. يمكن أن يكون في المناطق الحضرية الكبرى أو في الضواحي التي تواجه تحديات اجتماعية واقتصادية. الهدف من هذه المشاريع هو تحسين الظروف المعيشية وتعزيز التكافل الاجتماعي في تلك المناطق.