لبنان جامعة ومدرسة أو لا يكون!

لبنان جامعة ومدرسة أو لا يكون!

  • ١٨ أيار ٢٠٢٤
  • إلياس معلوف

يواجه نظام التعليم في لبنان عدداً من التحديات والقضايا، التي تؤثر على الطلاب والمعلمين والمدارس وعلى مستقبل ميزة لبنان الأساسية، والتي تفاقمت خلال الأعوام الماضية نتيجة الأزمة الاقتصادية التي ألمّت بالقطاع التعليمي منذ 2019، ناهيك عن جائحة كورونا التي ألقت بثقلها على قطاع لا يزال يعاني من تداعيات التعليم عن بعد. فهل من حلول جذرية للنهوض بقطاع تعليمي رفع إسم لبنان عربياً وعالمياً؟ وهل استطاعت هبات البنك الدولي بخرق كوة في جدار قطاع ينهار على الصعد كافة؟ وهل سينصف الأساتذة المتعاقدين الذي سدّدوا فاتورة إهمال سلطة غير مبالية لحقوق مواطنيها؟

وسط هذه الأجواء، تكافح مجموعة من المدارس للبقاء مفتوحة بسبب الصعوبات المالية، كما أنّ ارتفاع معدل التضخم جعل من الصعب على العائلات تحمّل الرسوم المدرسية والمستلزمات. إلى ذلك، تنقسم المدارس بين القطاعين الرسمي والخاص على النحو التالي: 1275 مدرسة رسمية تضم ما يقارب 346 ألف تلميذ، يشكلون 33% من مجمل عدد التلامذة، و41458 مدرّساً. في المقابل، يوجد 1190 مدرسة خاصة تضم 583 ألف طالب و45000 مدرّس. وهناك 331 مدرسة خاصة مجانية تضم 120 ألف تلميذ و6450 مدرّساً.  وبلغ عدد التلاميذ في مراحل الروضات والتعليم الأساسي والتعليم الثانوي نحو 1.050.000 تلميذ، يتوزعون على النحو التالي: حوالى 703.500 تلميذ في المدارس الخاصة، 120.000 منهم في المدارس الخاصة المجانية، و346.500 تلميذ في المدارس الرسمية.

هذا وتتسع تدريجياً الهوة بين التعليم الرسمي والخاص من جهة التقديمات الدراسية وغيرها، فتنعكس على نسبة الطلاب في المدارس، وعلى نسب التسرّب المدرسي. عام 2020، ارتفع عدد الملتحقين بالمدارس الرسمية من 30% إلى 46%، ثم عاد لينخفض هذا المعدل عام 2022، بسبب الإضرابات والإغلاق وتعثر إطلاق العام الدراسي، فكان من الطبيعي أن يوضَع هذا الانخفاض في سياق التحاق الطلاب بالتعليم الخاص لمتابعة دراستهم. لكن تُظهر دراسة  للمركز التربوي للبحوث والإنماء، تراجعاً في تسجيل الطلبة في المدارس الخاصة من نحو 564 ألفاً عام 2019، إلى نحو 514 ألفاً عام 2021، في مقابل إنخفاض في نسبة التسجيل في المدارس الرسمية ما يعني ارتفاعاً في نسب التسرّب المدرسي.

حلول جذرية

ونذكر بعض الحلول المحتملة التي بمقدورها وضع قطاع التعليم على سكة الخلاص، كزيادة التمويل للتعليم إذ إنّ حدّ التحديات الرئيسة التي تواجه نظام التعليم في لبنان هو نقص التمويل. يمكن أن تساعد زيادة التمويل الحكومي للتعليم على تحسين الوصول إلى التعليم، وتزويد المدارس بالموارد التي تحتاج إليها للعمل بفعالية وخاصة النقص في الجهاز البشري الأكاديمي. 
أمّا معدلات الفقر المرتفعة فلم تسمح للأسر بتحمل الرسوم المدرسية والمستلزمات. وبالتالي، تقديم الدعم المالي، مثل المنح الدراسية، يمكن أن يساهم في تخفيف هذا العبء وضمان حصول جميع الأطفال على التعليم.
ثالثاً، يتطلب تحسين جودة التعليم في لبنان الاستثمار في تدريب المعلمين والموارد. وهذا يشمل تزويد المعلمين بإمكان الوصول إلى أساليب التدريس الحديث وتقنياته، فضلاً عن فرص التطوير المهني.

أخيراً، من الممكن تشجيع القطاع الخاص على أن يساعد على الاستثمار في التعليم من أجل سد فجوة التمويل، وتوفير موارد إضافية للمدارس. ويشمل ذلك الشراكة مع الشركات الخاصة لتوفير التمويل أو الموارد، أو تحفيز المدارس الخاصة على تقديم المنح الدراسية، أو غيرهما من أشكال الدعم للطلاب المحرومين.

هبات بالجملة!
وفي نظرة سريعة إلى جدول الدراسة للهبات المقدمة لوزارة التربية منذ عام 2011 وحتى هذا العام، يتبين أنّ اليونيسيف والبنك الدولي قدّما 64 مليون دولار عام 2022، كمساعدات طارئة للأساتذة، كما قُدّمت 100 مليون دولار عام 2022، لمساعدة صناديق المدارس الرسمية الخاصة.
هذا ونشرت مؤخراً منظمة «اليونيسف» في حسابها أنّ نحو 700 ألف طفل هم خارج المدرسة في لبنان. وأشارت إلى أنّها أنفقت أكثر من 70 مليون دولار أميركي نقداً لدعم التعليم بشكل عام والمدارس الرسمية بشكل خاص، وعدّدت بعض عمليات هذا الدعم، كتحويل الأموال بالدولار الأميركي مباشرة الى 1074 مدرسة رسمية لتغطية جميع الطلاب اللبنانيين وغير اللبنانيين الملتحقين بالمدارس الرسمية وفقاً لاتفاقية معقودة مع وزارة التربية. ناهيك عن دفع رواتب 12500 من الأساتذة المستعان بهم والموظفين الإداريين اللبنانيين مباشرة بالدولار الأميركي. إضافة إلى دفع بدل الإنتاجية، بالدولار الأميركي، مباشرة إلى 15,000 من المدرسين المستعان بهم والموظفين الإداريين اللبنانيين، وتحويل المساعدات النقدية بالدولار الأميركي مباشرة الى أكثر من 70,000 طفل لدعم بقائهم في المدارس وحضورهم المنتظم.

توازياً، لفتت  دراسة أجراها المركز اللبناني للدراسات إلى أنّ مجموع الإنفاق على التعليم من ميزانية وزارة التربية، بالإضافة إلى الهبات والقروض، وصل إلى 14.77 مليار دولار، 2.27 ملياراً منها هي عبارة عن هبات ومنح عينية في الفترة ما بين 2011 و2023، ذهب منها 900 مليون دولار كمساهمات لقطاع التعليم الخاص، في وقت يرزح فيه القطاع التعليمي الرسمي تحت أزمة كبيرة.
وأضافت الدراسة أنّ 64% من هذه المساعدات يستفيد منها ذوو الدخل العالي، فيما 16% فقط من قيمة التقديمات المدرسية تذهب للفقراء، وتخلص إلى أنّ هذه الأرقام توضح جليّاً كيف أن سياسة الدولة اللبنانية ووزارة التربية تدعم القطاع الخاص على حساب القطاع الرسمي، وتراعي مصالح المدارس الدينية التابعة للأحزاب السياسية.

سوء إدراة الأمور بين فقر التعلّم وسوء إدارة التعليم!

وعلى الرغم من الحصول على الأموال والقروض، إلا أن القطاع التعليمي في لبنان في دائرة الخطر وفق التقارير الدولية بسبب سوء إدارة الأموال وعدم شفافية وزارة التربية. 

ففي بداية عام 2015، كان لبنان يعاني من ظاهرة «فقر التعلّم» حيث كان 70% من الأطفال في لبنان الذين يبلغون من العمر 10 سنوات، تحت الحد الأدنى في القراءة والتعبير بحسب الإختبارات العالمية، وتشير دراسة المركز اللبناني للأبحاث إلى أن مستوى «فقر التعلّم» ارتفع تدريجياً في لبنان من 60 إلى 70% بعد جائحة كورونا وخلال الأزمة الاقتصادية، وتعدّى الـ80% في المدارس الرسمية، بسبب الإضرابات المتكررة.

والآن، يعاني لبنان من ظاهرة «فقدان التعليم» وهي عادة ظاهرة تقاس بعدد الأيام الفاعلة في التدريس. يقول نعمة شارحاً: "بحسب المعيار العالمي، خلال 12 سنةً دراسيةً يجب أن تكون 10.8 سنوات منها فعالةً وهو المعدل العالمي الطبيعي، ولكن في لبنان 12 سنةً دراسيةً 6 سنوات ونصف سنة منها فعالة فقط، ويعود ذلك إلى خفض عدد الأيام الدراسية على عهد الوزير الياس بو صعب، من 170 يوماً إلى 120 يوماً دراسياً، في وقت المعدل العالمي الطبيعي فيه هو 180 يوماً دراسياً.

سلسلة إضرابات.. بدعة التعاقد!


 

ويعتمد قطاع التعليم الرسمي في لبنان على الأساتذة المتعاقدين بشكل عام، وهم يشكلون تقريباً 70% من الطاقم التعليمي في التعليم الأساسي، و30% في الثانوي، أما أساتذة المهني المتعاقدون فنسبتهم 85%، وتالياً فإن إضراب الأساتذة المتعاقدين تحديداً كفيل بإيقاف قطاع التعليم الرسمي وتعطيل السنة الدراسية في وقت تبدو فيه الوزارة غير معنية بإيجاد حل فعلي للأزمة خارج دائرة الترقيع.

وبدأ اعتماد التعليم الأساسي والثانوي في معظم طاقمه على الأساتذة المتعاقدين، بعد قرار وقف التوظيف في القطاع الرسمي عام 2003، إذ كانت هناك حاجة إلى مدرّسين ومعلمين في المدارس الرسمية، فبدأ اللجوء إلى حل«الأساتذة المتعاقدين»، من دون إجراء أي مباراة رسمية وتم التعاقد على الساعة لسدّ هذه 
الحاجة من دون أي ضمانات صحية ومن دون تعويض نهاية الخدمة، ما أدّى إلى سلسلة إضرابات وإلى نتائج لا تحمد عقباها!
وفي نظرة سريعة إلى الإجراءات الحكومية التي اتُخذت، يتبين أنّها كانت دائماً تهدف إلى فكّ الإضراب وتطال تكلفة المواصلات التي رُفعت تدريجيّاً لتصل إلى 450 ألف ليرة شهريّاً، ولكن بدل النقل لم يتم صرفه للأساتذة قبل هذه الزيادة أصلاً، وجاء هذا القرار مخالفاً لوعود الوزارة بـ«5 ليترات بنزين»، بالإضافة إلى الزيادة في الرواتب والحوافز للأساتذة المتعاقدين والملاك.

وأقرت الحكومة في 18 نيسان/ أبريل 2023، زيادة 4 رواتب في القطاع العام للإداريين وأساتذة الملاك، أما الأساتذة المتعاقدون، فأقرّت لهم بزيادة 50% على الساعة، لترتفع قيمة ساعة الأستاذ المتعاقد من 100 ألف إلى 150 ألف ليرة، وهي تُقدَّر بدولار ونصف دولار بحسب سعر الصرف الحالي في السوق السوداء .
هذه الزيادة، رفضها الأساتذة المتعاقدون كونها غير كافية، معتبرين أنّ هذه الإجراءات بالية، كونها غير مرتبطة بسلّم متحرك للأجور، وليست محددةً بالدولار وسعر منصة صيرفة مثلاً، ومع الارتفاع المستمر للدولار، تخسر كل هذه الزيادات قيمتها لتصبح هذه البنود تدور في حلقة مفرغة، تؤدي دائماً إلى عودة الأساتذة إلى الإضراب.

وبعدما تمّ الموافقة على مرسوم الاستعاضة عن الشهادة المتوسطة بامتحان وطني موّحد تجريه المدارس الرسمية والخاصة، باتت الأنظار شاخصة إلى الإمتحانات الرسمية إذ  تتواصل التحضيرات في وزارة التربية لإجراء الامتحانات الرسمية للشهادة الثانوية وفق البرنامج المعدل أو الصيغة التي أعلنتها الوزارة  بالإبقاء على إجراء امتحانات موحدة لكل التلامذة في لبنان. فهل ستحصل بموعدها؟ وماذا ستحمل الأيام المقبلة في جعبتها من أحداث مفاجئة؟