مشروع قانون لتسوية أوضاع «عسكر الفرار»: والنواب أمام تحدي إنصافهم بعد تعسف عثمان بهم

مشروع قانون لتسوية أوضاع «عسكر الفرار»: والنواب أمام تحدي إنصافهم بعد تعسف عثمان بهم

  • ٠٣ حزيران ٢٠٢٤
  • فتاة عيّاد

«قوى الأمن، ما عندن طبابة، على عكس الجيش والأمن العامّ، كانت ظروفن الأسوأ بالأسلاك العسكرية»...بهذه الكلمات قدّم النائب ابراهيم منيمنة خلال مؤتمر صحفي عقده في مجلس النواب، مشروع القانون المعجل المكرر، الذي يرمي لمرة واحدة الى إعتبار جميع العناصر الفارة من قوى الأمن الداخلي منذ العام 2019 مطرودين حكماً من الخدمة في حال تنازلهم عن كامل حقوقهم العسكرية والمالية بهدف تعليق ملاحقتهم في جرم الفرار.

هكذا وصلت مأساة عسكر الفرار الى تنازلهم الطوعيّ عن حقوقهم، مقابل استرجاعهم حريتهم المسلوبة بأمر من مدير عام قوى الأمن الداخلي عماد عثمان. وتعود قضية عسكر الفرار التي فتحتها «بيروت تايم» سابقا (رابط المقال) ،( أنظر تحقيق نظام العبودية في قوى الأمن)، من بوابة إقتراح القانون، إلى جانب عريضة موقعة من 129 عسكريا لمجلس النواب قُدمت بواسطة النائب إبراهيم منيمنة، علماً أنّ العدد الفعلي للفارين يقدر بـ2000 عسكري. وخلف كل توقيع، مأساة إنسانية. (تجدون نص العريضة في التقرير المصور أدناه)


عثمان يدفع العسكر للفرار: حرمانهم حقهم بالمأذونية

 

المعاون في قوى الأمن بلال غانم، يروي في تقرير مصوّر لـ«بيروت تايم»، كيف دفعه تعسف عثمان بإعطاء المأذونيات، وهي حق للعسكر، للوقوع في حالة الفرار. «عام 2021 كان كل من أمي وأبي وأخي يعانون من مرض السرطان، وخسرت عقدي التطوعي في قوى الأمن، إثر إنهيار عام 2019، الحوافز التي على أساسها وقعت ذلك العقد، وفي طليعتها الطبابة، فلم يعُد يغطي تلك الأدوية، التي لم تعُد مؤمنة أساساً في لبنان عام 2021، وهو ما اضطرني للسفر الى تركيا لتأمينها من هناك، ومتابعة علاج أخي في الخارج الذي كان وضعه حساسا وبأمس الحاجة إليها»

 

ويكمل غانم «العميد سمير شحادة، وكنت مرافقا شخصياً له، وافق على إعطائي المأذونية، أما اللواء عماد عثمان، فرفض مراراً رغم محاولاتي العديدة بالتوسط الإنساني لديه، رأفة بوضع عائلتي الإنساني لكن دون جدوى».

 

أمام تعسف عثمان بمنحه حقه بالمأذونية «ما كان أمامي إلّا السفر إلى تركيا بشكل غير شرعي، وبعد 6 أيام من سفري، وصلني خبر موت والدي، لأحرم من دفنه وحضور الجنازة، بما أنّ عودتي للمطار ستكلفني التوقيف بجرم الفرار، ولن تعيد لي والدي على قيد الحياة، وإلى اليوم أنا محروم من العودة ورؤية والدتي التي سافرت لتأمين العلاج لها ولأبي الذي حرموني وداعه للمرة الأخيرة»


 

رضينا البدء من الصفر... ولم ترضَ المديرية

 

رضي العسكريون الفارون بعد العام 2019  ببدء حياتهم من الصفر، بينما المديرية لم ترضَ بذلك.يبرز المعاون في قوى الأمن ميشال حداد في التقرير المصور ل«بيروت تايم»، ردّا مكتوباً، بالرفض لوظيفة العمر في إحدى السفارات الأوروبية، أتى نتيجة «وضعه القانوني»  ونتيجة تجديد المديرية عقده التطوعي بالإكراه، رغم أنّه فار منذ 3 سنوات ولا نية لديه في العودة الى المؤسسة، في مخالفة فاضحة للقانون، يرتكبها من يرأس المؤسسة، التي يناط بها أساساً السهر على تنفيذ القانون.

 

الأمر الذي يجعلنا نسأل: إلى من يلجأ العسكر الفارّ اليوم، الذي لا يطالب إلّا بتنفيذ القانون الذي يقضي بطرده من المؤسسة بعد شهر من فراره؟ حينما لا تكتفي المؤسسة بعدم طرده وحسب، بل أيضا، تجدّد عقده التطوعي غصباً عن إرادته؟ وتحرمه إستئناف حياته وفق خياراته وحريته الشخصية؟

 

في السياق، يعلق ميشال بالقول «للأسف خسرت أكثر من وظيفة جراء وضعي القانوني. فجواز سفري وهويتي محجوزان في المديرية، وأعيش اليوم كالفارين من العدالة». رضيت أن أبدأ حياتي من الصفر بعد تدمير كل ما بنيناه في المؤسسة، لكن المديرية لم ترضَ بذلك، فتعيق حقنا بالتوظيف من جديد، بإصرارها على تجديد عقودنا بالإكراه.

 

ويشير حداد إلى نظام استعباد تنتهجه المديرية بحق العسكر. «فحتى لو أجبرنا على العودة للسلك سنعود للهرب من جديد، وإبقاؤنا بالقوة هو قلة أخلاق واستعباد وتعسف باستخدام السلطة، بل وتهديد لحريتنا الشخصية»


منيمنة: مشروع القانون لإنهاء مأساة العسكر

 

بعد إستنفاذ جميع الحلول، جاء إقتراح القانون كصرخة مدوية في وجه الظلم. وعريضة العسكر الى مجلس النواب. في السياق، يوضح النائب، مقدّم مشروع القانون، إبراهيم منيمنة، «ليس ذنب العسكري الذي فرّ، وقوعه في جنحة الفرار». فهو لم يهرب من الخدمة في وضع طبيعي، بل على وقع إنهيار المؤسسات، وبهدف تأمين المعيشة والطبابة لأهله، وبالتالي ليس مجرماً ولا مرتكباً كي يعاني من تبعات ملاحقته بجرم الفرار.

 

وعن عريضة العسكر، يوضّح «بعدما سُدّت السبل في وجههم تواصلوا معي، واتفقنا على أن نظهّر الحجم الإجتماعي للمشكلة ، بهدف الوصول الى الحلول، لا سيما وأنّ قسماً كبيراً منهم خارج البلاد، ومحرومون اليوم من العودة إليها، وجلّ ما يريدونه هو ملاقاة أهلهم والعودة الى الوطن، وقد تخلوا عن حقوقهم المدنية والعسكرية وفق نصيّ العريضة ومشروع القانون مقابل تسريع إنهاء هذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة».

 

ويستغرب منيمنة، عدم حلحلة هذا الموضوع في قوى الأمن، بينما في أسلاك عسكرية أخرى كالجيش والأمن العام، لا يواجه العسكريون الأزمة نفسها. كما يضيء على إستنسابية المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، بالتعاطي في هذا الملف.  «لدينا وثائق لعسكر تمّ تسريحهم بسبب وساطة أو تدخلات سياسية، ومن غير المقبول اليوم، أن يؤخذ بعض الشباب اللبناني رهينة ويتمّ التعاطي معهم بإستنسابية».

 

 

 

عثمان يتحكم بمصير العسكر وعائلاتهم

 

 

 

المحامي علي عباس، معدّ مشروع القانون، يلفت إلى أنّ حرمان العسكر من الطبابة وتدني رواتبهم إلى ما دون الحد الأدنى، يجعلهم في حالة الدفاع عن النفس. يوضح «هم لم يرتكبوا جرم الفرار، بل قاموا بردة فعل على غبن واقع في حقهم، وهم بالتالي في حالة دفاع عن النفس، وهذا من الأسباب الموجبة لاقتراح القانون».

 

ويضيف عباس «العسكر لجأوا الى القانون للحصول على حقهم في التسريح ولو عبر الطرد،  فقرر عثمان التشفي منهم علانية، ليتحكم شخص واحد بمستقبلهم ومستقبل عائلاتهم وينتقم ويتشفى منهم لأنّهم وقفوا بوجه الظلم».

 

من هذا المنطلق، يضع عباس نصّ العريضة في خانة الشرعية الشعبية، لمطلب محقّ، مقابل إصرار عثمان على عدم وقف التسريح، وفي الوقت نفسه، يحث مجلس النواب، والسلطة التشريعية، على إنصافهم، بعدما استغاثوا بها للتخلص من تعسف عثمان به.


العدالة المتأخرة: هل تأتي من مجلس النواب؟

 


ومع ذلك، يعترف النائب ابراهيم منيمنة بأنّ القانون لا يحقّق العدالة الكاملة لهؤلاء الشباب الذين عانوا لسنوات، لكنه يراه مخرجاً يأتي من مجلس النواب عبر مشروع قانون، لإيقاف تبعات هذه الأزمة الحقوقية والقانونية والإنسانية.

 

في السياق، يقول منيمنة : «أنّني قد تواصلت مع النواب، وأوضحت لهم أنّ مشروع القانون لتسريح العسكر، هو إنساني خارج الحسابات الطائفية. والحل بسيط يقضي بإقرار القانون الذي لا يكلف الدولة أي تبعات، مع تنازل العسكر عن جميع حقوقهم المدنية والعسكرية مقابل نيلهم حريتهم، وتحريرنا لهم  ليستعيدوا كرامتهم، لاسيما وأنّ هؤلاء العسكر لن يعودوا لقوى الأمن، بدلالة عدم عودتهم رغم تجديد عقودهم بالإكراه، أي أنّ إستمرار وضعهم في خانة الفارين، لن يغير قرارهم المتعلق في عدم العودة الى المؤسسة، بل فقط سيفاقم أزمتهم الإنسانية، هم الذين قدموا أغلى ما عندهم، للوطن، وعلينا أخذ تضحياتهم  بعين الإعتبار حتى ننصفهم بالحد الأدنى الذي يستحقونه»

 

ويحمل المحامي علي عباس بدوره، النواب الـ128 مسؤولية تحرير العسكر من تعسف عثمان. «فنحن نترصدهم، ومن سيرفض مشروع القانون سيقف بوجه مستقبل العسكر».

 

 

العسكريان بلال غانم وميشال حداد من جهتهما، يؤكدان أنّهما «متنازلان عن جميع حقوقنا المالية الوظيفية، وجل ما نريده حريتنا وهي حق لنا كفله الدستور، والإبقاء على تهديدها جريمة ترتكب بحقنا».

 

كي يبقى شعار المؤسسة «خدمة-ثقة-شراكة»

 

وكيف تتوقع المؤسسة وشعارها «خدمة-ثقة-شراكة»، أن يتجرأ المتطوعون في دورة التطويع التي أقفلت مؤخراً، على الإنتساب وأمامهم مثال صارخ عن عسكر مستقبلهم مهدّد وحريتهم على المحك؟

لقد كوفئ العسكريون الذين وضعوا دمهم على كفهم في خدمة الوطن، بمعاملتهم كالفارينّ من العدالة، وحرمانهم رؤية أطفالهم وأمهاتهم وآبائهم ليدفعوا ثمن الانهيار مرتين، فيما الفاسدون الذين تسببوا بانهيار المؤسسات، خارج إطار المحاسبة من المحاسبة.

فهل تحرّك عريضة العسكر وزير الداخلية بسام مولوي ومجلس النواب لوقف تدمير عثمان مستقبل شباب لم يبخلوا على الوطن بأرواحهم ويحرمون العودة إليه؟

 

تجدون التقرير كاملا على قناة «بيروت تايم» على يوتيوب: