الأسهم تزيد من ثروة أثرياء التكنولوجيا.. والفقراء يزدادون فقراً

الأسهم تزيد من ثروة أثرياء التكنولوجيا.. والفقراء يزدادون فقراً

  • ٠٨ حزيران ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

الاثرياء يزدادون ثراء، ووصل عددهم إلى رقم غير مسبوق. كما أنّ ثروتهم إزدادت بشكلّ كبير. يعود هذا الإزدياد إلى إرتفاع أسعار الأسهم، خاصة في المجال التكنولوجي.

جاءت هذه الخلاصة في دراسة «كابجميني»، والتي نشرت يوم الأربعاء. وبحسب الدراسة أنّ نسبة الأثرياء الذين تزيد نقودهم المتاحة خارج المسكن الرئيسي عن مليون دولار، بنسبة 5.1 في المئة خلال السنة الماضية، ليصل عددهم إلى 22.8 مليون شخص في عام 2023. 

كما ارتفعت ثروتهم بإجمالي تقديري 86.8 تريليون دولار، بارتفاع نسبته 4.7 في المئة مقارنة بالعام السابق. يعد هذا الرقم في عدد الأشخاص والثروة رقمين قياسيين منذ بدأ «كابجميني» في نشر هذه الدراسة السنوية في عام 1997.

في خلفية هذا الإرتفاع، هي أسعار الأسهم، فقد إرتفع مؤشر «ناسداك» الأمريكي بنسبة 43 في المئة، ومؤشرS&P 500 بنسبة 24 في المئة في عام 2023، بينما ارتفع مؤشر CAC 40 في باريس بنسبة 16 في المئة و DAX في فرانكفورت بنسبة 20 في المئة، حيث أدت الحماسة إلى الذكاء الإصطناعي، إلى توجيه الأنظار تتجه إلى أسهم الشركات التكنولوجيا. 

لكن في الواقع، تؤدي الارتفاعات إلى إنعكاسات قاسية على المجتمعات. في العام الماضي، شهدت أمريكا الشمالية أكبر زيادة في عدد المليونيرات الأفراد، بنسبة 7.1 في المئة، متقدمة على آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا. 

وفي بداية العام 2024، أكدت دراسة «لأوكسفام»، أنّ خلال السنوات العشر المقبلة سنشهد وجود أول تريليونير، أي مالك مليون المليون، فيما نحتاج 230 عام لانهاء الفقر. ولاحظ التقرير أنّ سبعة من أكبر عشر شركات مدرجة في البورصة لها الرئيس التنفيذي ملياردير أو مساهم رئيسي ملياردير. ويبلغ إجمالي قيمة تلك الشركات 10.2 تريليون دولار، وفقًا للتقرير. وذكر التقرير أنّ أغنى خمسة أشخاص في العالم، إيلون ماسك، وبرنارد أرنو، وجيف بيزوس، ولاري إليسون، ومارك زوكربيرج، تضاعفت ثرواتهم منذ عام 2020، لكن 5 مليارات شخص أصبحوا أكثر فقراً، في الفترة نفسها.

وأوضح التقرير أنّه منذ عام 2020، أصبح المليارديرات أكثر ثراء بنسبة 34 في المئة مع نمو ثرواتهم ثلاثة أضعاف معدل التضخم.  ومع ذلك، لا يتطلب الأمر ملياراً، أو حتى مليوناً من الدولارات ليتم اعتبارك من بين أغنى الأمريكيين.

وأضاف التقرير «يعمل الناس في جميع أنحاء العالم بجدٍ أكبر، ولساعات أطول، وغالباً ما يحصلون على أجور زهيدة في وظائف محفوفة بالمخاطر وغير آمنة».  

وانخفض متوسط الأجور الحقيقية في 52 دولة، لنحو 800 مليون عامل. وخسر هؤلاء العمال مجتمعين 1.5 تريليون دولار على مدى العامين الماضيين، أي ما يعادل 25 يوماً من الأجور المفقودة لكل عامل.

وأشار التقرير «لإنهاء التفاوت المفرط، يجب أن توزع الحكومات سلطة المليارديرات والشركات بشكل جذري مرة أخرى للناس العاديين».  

أمام هذا الإرتفاع بثروة فئة محددة، تظهر مشكلة الفجوة بين الطبقات، والتي تتوسّع بفعل الثروة الصناعية الرابعة. فالتطور التكنولوجي ليس بخدمة المجتمع إقتصادياً كما يروّج، بل بيد القلّة التي تمتلك هذه الوسائل، فيما على المقلب الثاني، تؤدي إلى إرتفاع عدد العاطلين عن العمل، بفعل إستبدال العمال والموظفين، خاصة منهم غير الماهرين، بالآلة والذكاء الاصطناعي. 

وتخلق الثورة الصناعية الرابعة أسئلة حول العدالة في الوصول إلى التكنولوجيا، فالعمال الذي يصنعون هذه الوسائل، ليسوا قادرين على تحمل كلفة شراء هذه السلع، ومن الإطار الخاص إلى العام، تكبر المشكلة إلى نقاش الإنعكاس الإقتصادي لارتفاع أسعار الأسهم على المجتمع، إذ ستؤدي حتماً إلى ارتفاع الأسعار، وجعل السلع والخدمات التكنولوجيا متاحة لقلة قادرة على دفع ثمنها.

سيؤدي الأمر إلى إزدياد في الانتاج، وقلة تصريف، وتضاؤل فرص العمل، وارتفاع البطالة، في مشهد يشبه ما حدث عام 1929، يوم انهار الإقتصاد العالمي بما عُرف بالـ «الكساد العظيم»، وأجبرت الدول في البحث عن ديناميكيات جديدة لمنع إنهيار مماثل. هنا وجدت تدابير «كينزية»، نسبة إلى عالم الإقتصاد الإنكليزي جون مينارد كينز، الذي اعتبر أنّ على الحكومات التدخّل في الإقتصاد، عبر السياسات المالية والنقدية، لتخفيف من آثار الركود والكساد، وحتى تجنبها.

ولوحظت زيادة عدم المساواة بشكل خاص عند الطرف الأعلى من توزيع الدخل، مع إرتفاع حصة الدخل لأعلى 10 في المئة، وأكثر من ذلك حصة 1 في المئة الأعلى، بشكلٍ حاد في العديد من البلدان. كان هذا على وجه الخصوص بسبب الأزمة المالية العالمية في 2008-2009. وعانى أولئك الذين ينتمون إلى المجموعات المنخفضة والمتوسطة الدخل من خسارة حصتهم في الدخل، وعادة ما يعاني أولئك الذين ينتمون إلى شريحة الـ 50 في المائة الأدنى من خسائر أكبر في حصتهم من الدخل. وقارتبطت إتجاهات عدم المساواة هذه بتآكل الطبقة الوسطى وانخفاض الحراك بين الأجيال، وخاصة في الإقتصادات المتقدمة التي تشهد زيادات أكبر في عدم المساواة وزيادة الإستقطاب في توزيع الدخل. 

وبما أنّ طبيعية نمط السوق يميل إلى الإحتكار ومراكمة الثروة، تتجه الدول إلى الحد من هذا الشرخ، وتخفيف من نسبة من البطالة مقابل إرتفاع الثروات، فدعت فرنسا والبرازيل إلى فرض ضريبة دنيا عالمية على أعلى الثروات، التي قد تجلب 250 مليار دولار إضافية، في حال دفع الأثرياء ما يعادل 2 في المئة من ثروتهم على شكل ضرائب دخل، وهو أحد الإفتراضات المطروحة في النقاش. كما يطرح الأثرياء أنفسهم رفع الضريبة على الثروة، للحد من اللامساواة، واعادة توزيع الثروة، وابقاء المجتمع قادر على العيش في نمط قائم على البيع والشراء.