«الآدَمـي» الذي سرق سيّارتي

«الآدَمـي» الذي سرق سيّارتي

  • ١٨ حزيران ٢٠٢٤
  • جورج طوق

لن أدفع ثمن سيّارتي لسارقها. رغم أنّنا نعيش، وفق النمط هذا، طيلة أعمارنا. ندفع للسارقين، بلا توقّفٍ، منذ أكثر من مئة عام.

بشَعري المبعثر الصباحيّ، وفي عزّ موجة الحرّ منذ أيام، خرجت، مهرولًا، لاصطياد الموعد مع صديقي إدغار، الحلّاق الحصريّ لشعري منذ أكثر من عقدين، طمعًا بإحدى أحدث التسريحات لهذا الموسم. رغم أنّني آخر المعروفين بدقّة مواعيدهم، إلّا أنّ تأخّري، يومها، أثار فضول حلّاقي وقلقه. نادرًا ما يثير تأخّري حفيظة من يعرفونني، لأنّهم يعرفونني، لكنّه، ذاك الصباح، فاق معدّلاته الموسميّة بقدر ما فعلت حرارة الطقس. أخبرته، عند اتّصاله بي، أنّني لم أجد سيّارة زوجتي في مكانها، وسيّارتي خذلتني في الدوران. ربّما خذَلتِ السارق أيضًا، فسقطت سيّارة زوجتي، سريعة الدوران، ضحيّته. استغربت اصطياد السارق للسيّارة، فهي أميريكيّة الصنع، ونحن في عزّ حملةٍ شديدة الحدّة في مقاطعة البضائع الداعمة للعدوّ. «بئس هذا السارق العميل والداعم للعدوّ»، قلت في نفسي.

«قلبي ع السارق وقلب السارق ع الحديد»
صديقي السارق. قرّرت، يومها، ركوب سيّارة زوجتي لتبديل زيت المحرّك، بعد تأخّرٍ مديدٍ عليه، ولتحديد مشكلةِ نقص سائل التبريد المزمن فيها، وأيضًا، لتصليح المكيّف. أعذرني صديقي السارق، فالسيّارة التّي عرّمت خلف مِقودها، ليست بأفضل حال. ليتك انتظرت يومًا إضافيًّا واحدًا على مأثُرتك تلك. كنتُ لأوفّر  رحلةً ألطف لك، ومبلغًا، لا بأس به، عليك. لم أعتد أن أعطي سيّارةً، بأعطالٍ عديدةٍ، لأحد، لكنّ أزمة البلد ألقت علينا، جميعًا، ضائقةً ثقيلة. فأبطأت أنا في التصليح، وأنت استعجلت السرقة. أنا قلقٌ عليك من حرّ الأيام هذه ومن عناء التصليح. فهي بلا مكيّفٍ ولا مشعاع تبريدٍ فعّالٍ ولا زيوتٍ صالحةٍ، فيها، لتخفيف وطأة احتكاك مكابسها. كما أخشى ألّا تجد لها تصريفًا مُربحًا وسريعًا، وسط حملة مقاطعة البضائع الداعمة للعدوّ. لكن لا تيأس، صديقي السارق. كُثرٌ من أرباب المقاطعين هؤلاء، خلف الحدود وقبلها، قد يتلقّفونها منك أسرع ممّا تلقّفتها أنت من مرآب منزلنا. فلا تخدعنّك معاداتهم البضائع تلك. فهم منهمكون بمقاطعة مشروب البيبسي لا السيّارات. قلبي عليك، صديقي السارق، وقلبك أنت… ع الحديد.

«السارق الآدَمـي: إدفع واشحن»
ليس عناء سرقة السيارات، على السارق، بقدر عناء الإجراءات القانونيّة التّي تليها على المسروق. فبعد تبليغٍ عن السرقة ومحاضر طويلة ومغامراتٍ شيّقة لرفع المسروقة عن السير، وزيارات واسئلة وجهود رجال الأمن، تنهمر عليك نصائحُ من كلّ صوب في استعمال قنوات اتّصال غير رسميّة. "في منهم أوادم بيخدموك فيها" يقول بعض الأصدقاء، ويضيفون «لا تكن مثاليًّ». «بتدفع شوي وبتلاقيها تحت بيتك» يجزم آخرون. إدفع واشحن. بدا الأمر بسيطًا. لكنّني، للوهلة الأولى، رفضت الأمر رفضًا قاطعًا. « لن أدفع ثمن سيّارتي لسارقٍ» أجبت بحزم. ثمّ تذكّرت أنّنا نعيش، وفق النمط هذا، طيلة أعمارنا. ندفع للسارقين بلا توقّفٍ منذ أكثر من مئة عام. فهناك من سرقوا ماءنا وكهرباءنا ويبيعوننا الصهاريج وفواتير المولّدات. إستولوا على شواطئنا ويقبضون منّا تذاكر الدخول إليها. صادروا مساحاتنا العامة ثمّ يطرحونها، علينا، قطعًا مفرزةً في سوق العقارات. نهبوا مدّخراتنا ويقطّرونها لنا بالقيمة والهوامش التّي يريدون. وهناك، أيضًا، من يقبضون منّا رواتب لخدمتنا، ثمّ يسرقوننا ليخدمونا. تلك هي القاعدة التّي تحكم حياتنا نحن اللبنانيّين. قاعدةٌ لا شواذ عليها. فقلت في نفسي: لمَ لا؟

«ستّين عمرها ما ترجع»
بعد إتّصالاتٍ هنا وهناك، وصلنا، من «هالك لمالك»، إلى «قبّاض المصاري». المبلغ المفيد أقلّ، بكثير، من قيمة السيّارة. أدهشتني دماثة ممثّل السارق ودفء وبلاغة كلماته. «الجماعة أوادم، والله مش عارفينها إلكم»، قال الرجل. لا أعرف كيف حضرت إحتماليّة معرفتنا أصلًا. «بس حَطّوا دكّة ل جابوها»، أضاف. سارقون «أوادم» يشكون من سارقين كلّفوهم «دكّة» لسرقة سيّارةٍ لصالحهم. نصّابون، قال عنهم. لم أعُد أعرف بماذا أصفه هو. فالرجل طلب نصف سعرها فقط. يا له من «أوكّازيون» يقوم به من أجلنا. كدت أقدّر تضامنه معنا، لكنّنا، زوجتي وأنا، عدنا وتذكّرنا سارقيننا الرسميّين وأوجه الشبه بينهم وبين السارق اللطيف هذا. فهم، أيضًا، عملاء وسارقون، وعلى الشاشات، «أوادم» يدمون قلوبنا لتفانيهم ونزاهتهم وتضحياتهم. عندها، حدّقت زوجتي في شَعري الذي لا يزال مبعثرًا يفتقد الحلّاق، وقالت: روح قص شَعرك، ستّين عمرها ما ترجع.