«جبهة الإسناد» في غزة.. و «الهدهد» في واشنطن

«جبهة الإسناد» في غزة.. و «الهدهد» في واشنطن

  • ٢٣ حزيران ٢٠٢٤
  • عبدالله ملاعب

تضيق خيارات الحل السياسي على الجبهة اللبنانية. جملة من المؤشرات تُرجح فرضية تنفيذ إسرائيل عملية عسكرية خاصة في لبنان، تبدأ عند الضمانات الأميركية العلنية ولا تنتهي عند «الهدهد الإيراني». مؤشرات أُلخصها في هذه المقالة، «لمن يهمه الأمر».

لم تعد الأمور كما كانت عليه في الفترة السابقة. لم يعد ثمَّة قواعد اشتباك ولا توجهاً لحل سياسي لحرب الاستنزاف الدائرة بين حزب الله وإسرائيل. حتى التسليم للاستنزاف لم يعد خيارا مرغوبا. واستكمال سياسة تصفية القيادات التي أعلن عنها الجيش الإسرائيلي منذ أسبوع، أيضاً لم تعد تلائم الإسرائيليين. 

في القاموس الإسرائيلي، أصبحت جميع الشروط، التي قد تدفع بنتنياهو لشنّ هجوم، جزئي أو كلي، على حزب الله، متوافرة.
منذ 7 أكتوبر إلى اليوم، أثبت نتنياهو مضيه في تنفيذ عكس ما يتمناه المجتمع الدولي بل ما يخشاه. يستلذ العقل الإسرائيلي المتطرف بالترهيب والتنفيذ وجعل القلق والمخاوف حقيقة.  
بين السابع من أكتوبر حتى السادس والعشرين منه، كانت نداءات دولية متكرّرة لإسرائيل بضرورة عدم قيام الأخيرة بتوغل بري في قطاع غزة. فما كان لنتنياهو في مساء السابع والعشرين من أكتوبر سوى أن يأمر جيشه، بالبدء بتوغل عسكري بري في قطاع غزة، فوق كل المخاوف والتحذيرات. 

بعد ذلك، أعلن نتنياهو عن رغبته بإقتحام رفح، آخر المعاقل الفلسطينية، بعد أن دمَّر أكثر من 70% من القطاع في غضون أشهر قليلة وقتل عشرات الآلاف. عندها حذّره المجتمع الدولي من خطورة اقتحام رفح، وكانت المطالب الأممية والنداءات الدولية بالعدول عن هكذا خطة. هاجز واشنطن كان الفشل الإسرائيلي ليس إلا. فكانت أيضا تعرب عن قلقها وترسل مزيدا من الدعم العسكري بالتوازي. فما كان أمام نتنياهو إلا أن يقتحم رفح في صباح السابع من أيار. 
اليوم، نداءات وتحركات دولية تخوفاً من هجوم إسرائيلي على على لبنان. أمين عام الأمم المتحدة نفسه يتحدّث عن خطورة أن يصبح لبنان غزة ثانية. وزير الخارجية الإيرانية يناقش مع نظيره العراقي في بغداد تبعات هجوم إسرائيلي على لبنان. والخارجية الإيرانية قلقة، حتى أنَّها سحبت، كالعادة، يديها من حزب الله، عبر بعثتها لدى الأمم المتحدة التي قالت الجمعة، إنَّ حزب الله يستطيع الدفاع عن نفسه وعن لبنان بمفرده. أوروبيا قلق أيضا من توسّع الحرب وتوجّس فرنسي. أميركياً، تأكيدات من واشنطن، أنَّها لن تترك تل أبيب أمام براثن حزب الله.  
والأهم من كل ذلك، هُدهُد "لا على البال ولا على الخاطر". أعطى إسرائيل ألف سبب وسبب لطلب المزيد من الصواريخ والقذائف ومختلف العتاد العسكري من واشنطن. أراد حزب الله من "الهدهد" تهديد إسرائيل، وتسجيل هدف في مرماها قوامه: اختراق مسيراته لأجهزتها الاستطلاعية والدفاعية، تماما كما فعلت إسرائيل التي اخترقت الهواتف وتكاد تخترق نصف عناصر حزب الله. إلا أنَّ الهدهد كما الفيديو الذي تلاه، وفيه حدد حزب الله لبنك أهدافه، دفعا نتنياهو لحشد مزيد من الدعم.

وتوفرت ذريعة جديدة لواشنطن لتزويد إسرائيل بصواريخ تقتل المدنيين. لم تعد إسرائيل قادرة على "ضبط نفسها". طريق الحل السياسي يبدو بصعوبة الحل العسكري. فلا شيء ينفع. الكلام الأخير للمبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، في بيروت، حول انتهاء إسرائيل من رفح في غضون ثلاثة إلى أربعة أسابيع، والذي كشفت تفاصيله بيروت تايم نقلا عن مصادر مطلعة، لم يُبدّل في المشهد أو يُهدئ من روع حزب الله الذي استدرَج أو استُدرج. 

وفوق هذا المشهد كلّه، شمالٌ إسرائيلي تسكنه أشباح. 42 مستوطنة فارغة، سكانها انضموا إلى أهالي الأسرى الإسرائيليين لدى حماس ويطالبون بإسقاط حكومة نتنياهو واخراجه من الحكم. فيما استمرار نزوح سكان الشمال يعني تفاقم صعوبة إعادتهم إلى أرض سكنوها لا أكثر. وهم قد طالبوا في الأسبوع الماضي تمديد إقامتهم في فنادق تل أبيب حتى حزيران 2025. 
في المحصّلة، نعود إلى هوكشتاين ومهلة الأسابيع القليلة التي أعطاها قبل أن تتفرّغ إسرائيل للبنان. وأمام هذا الواقع، يبقى مؤشر وحيد قد يُعيد فسح المجال أمام مزيد من الوقت لرفع أسهم الحل السياسي على حساب ذلك العسكري. وهو انشغال إسرائيل بجبهة غزة. علما أنَّ إسرائيل تزعم أنَّها تقترب من إعلان الإنتصار على حماس بعد تضرّر "لواء رفح" في حركة حماس، بحسب قولها. 
ولكن هذه النقطة تستحق التوقّف عندها. أن تتحول جبهة غزة إلى جبهة إسناد للبنان. أو جبهة رادعة، أو جبهة استنزاف. يليق بها كل مواصفات التي أعطاها حزب الله لجبهته.
يرجع بنا هذا الواقع، إلى جدوى الجبهة اللبنانية وجدوى ربط الساحات، والنتائج التي تحققت. وربما نرجع إلى أهداف "طوفان الأقصى" التي أتت بعد سنوات من الاجحاف والاجرام الإسرائيلي المتواصل على فلسطينيين عُزّل حُرموا من أبسط الحقوق الإنسانية!