سلاح الحزب الأكثر فتكًا: إمّا معي وإمّا مع العدوّ

سلاح الحزب الأكثر فتكًا: إمّا معي وإمّا مع العدوّ

  • ٠٢ تموز ٢٠٢٤
  • جورج طوق

غريبٌ أمر المتغطرسين والطغاة. نُسخٌ، طبقًا للأصل، عن بعضهم بعضًا، مهما تباعدوا في الزمن والمسافة. كُتيِّبُ تعليماتٍ واحدٌ يقرأونه ويتّبِعون.

«أقسم لك، أدولف هتلر، الفوهرُر … أنّني سأكون مخلصًا وشجاعًا. أتعهّد بالطاعة لك حتى الموت… فكُن في عوني يا الله». لم يرض الفوهرُر بأقلّ من ذلك. حتّى الموت، أرادها. ولسخرية القدر، هكذا كان. لقيّ كلّ من أقسموا حتفهم. وأيضًا، من لم يقسموا. فمن فعل قتلته رصاصة العدوّ، ومن لم يفعل قتلته رصاصة التخوين على حوائط الإعدام. إمّا تموت معي، وإمّا لأنّك لست معي. لا يهمّ مع من أنت. لا حياة لمن ليسوا معي. هكذا هي الغطرسة. حالةٌ مرضيّة لا شفاء منها ولا علاج لها. متلازمة «هوبريس» يسمّونها. نهايتان لها، لا ثالث لهما: فقدان السلطة القهريّ والموت. بعد انقضاء جحيم الحرب الثانية، لم يعُد «الفوهرُر» لقبًا مرموقًا أو ذا هيبة، ولم يعُد يشير، حصرًا، إلى هتلر. كلّ مصابٍ بالمتلازمة تلك هو«فوهرُر». رئيسُ دولةٍ أو حكومةٍ أو سيّد ميليشيا.

«حربٌ على كلّ شيء: البروباغاندا القاتلة»
ساهمت البروباغندا بترسيخ حكم النازيّة بقدر ما فعل بطشها المفرط. السيطرة على السرديّات تفوق أهميّتها تلك المتعلّقة بنواحي الحكم المباشرة. لم يكن ممكنًا أن تكون ألمانيًّا، خارج عباءة سطوة هتلر.  حربٌ على كلّ شيء. ليس الخوف من حديدها ونارها خيارًا، ولا عشق الحياة والهناء والهدوء بين المُتاح. إمّا أن تكون نازيًّا مُمتثلًا ومحبًّا للحروب وإمّا خائنًا عالقًا بين مناعة الحائط ورصاصة الإعدام.
بعد نيّفٍ وستة عقودٍ، نجح حزب الله في ترسيخ سرديّته المطابقة للنسخة النازيّة: إمّا أن تكون مُمتثلًا للراية الصفراء، وإمّا أنت عميلٌ وعدوّ. موافقةٌ تامّة على الحروب. أعداءٌ من كلّ صوب وحروبٌ على كلّ شيء. فالولاء والطاعة والقسم هي، في أدنى المقبول، حتّى الموت. لا هدوء ولا هناء ولا حياة. فالحزب استطاع، بدهاءٍ أقرب إلى السحر، إخفاء مساحة معارضته بأيّ شيء. إمّا أن تهيم بقدِّ الأميرة الصفراء، الخالية من العيوب، وإما يُهدر دمك لخيانتها مع النازيّة الزرقاء. تلك الهاوية بين النازيّتين هي، من دون أيّ شكّ، أخطر أسلحة حزب الله.

«بين التفوّق العرقيّ والتفوّق الطائفيّ»
أسند هتلر خطابه إلى مهانة معاهدة ڤرساي. قضيّةٌ محقّة، لا يجادل فيها ألمانيٌّ عاقل، خلق حولها نقطة جذبٍ هائلة. ساهمت كاريزما الرجل ومهاراته الخطابيّة بسرقة آذان وأذهان الجماهير. ليست كاريزما نصر الله أقلّ توهّجًا، ومهارته في الخطابة هي، بما لا يقبل الجدل، منقطعة النظير. كما لا يجادل عاقلٌ لبنانيّ في أحقيّة مقاومة العدوّ في سبيل التحرير. فالقضيّة فائقة القدسيّة، وهي تكفي لحشد جماهير قادرة على نقل محتكريها إلى قلب شرعيّة الحكم فالتحكّم والتسلّط، تمامًا كما أوصل الألمان، المتحمّسون لرفع المهانة عن وطنهم، «الفوهرُر» إلى عرش الرايخستاغ. روّج النازيّون فكرة التفوّق العرقيّ للآريين لتغليف منهجيّة الترهيب والتطهير والفظائع والمجازر والسيطرة ومحو المعارضين بالقبول الشعبيّ. قد لا يكون هتلر عنصريًّا ولا السيّد طائفيًّا، لكن الوسم المجتمعيّ، عرقيً كان أم إتنيًّ، عشائريًّ، مناطقيّ أم دينيّ، يبقى الأفيون الأقلّ سعرًا والأكثر فعاليّةً في إيهام الشعوب بخرافة صوابيّة الدموع والدماء.

«ليس السقوط إستثناءً»
يُحكى أنّ حرب هتلر خلّفت أربعة ملايين متر مكعّب من الركام في شوارع ألمانيا. الألمانيّون يلومون قنابل الحلفاء قبل ملامة الجنون النازيّ. لكنّ أحدٌ، منهم، لم يجرؤ على تمنّي نهاية الحرب أو التضرّع للنجاة منها، أو حتّى الصلاة لتنوير عيون «الفوهرُ»، إذ لم تكن مقصلة التخوين بليدةً على رقاب مواطنيها. لا نعرف تعداد أمتار الركام المكعبة التّي خلفّتها كراهيّة العدوّ فوق تراب بلادنا، لكنّنا نعرف من خسرنا تحتها. نعلم أنّ الإسرائيليّ هو الفاعل والمعتدي والمُدان، لكن هل لنا أن تُرهقنا عبثية الحرب؟ هل لنا أن نتضرّع لنهايتها ونجاتنا ؟ فالحزب يشحذ مقصلة التخوين، في وجه كلّ صوتٍ معترضٍ أو ساهرٍ أو سابحٍ أو شاردٍ، أكثر ممّا يشحذ نصاله المتجهة جنوبًا، فهل يكون الله في عوننا؟!
غريبٌ أمر المتغطرسين والطغاة. نُسخٌ، طبقًا للأصل، عن بعضهم بعضًا، مهما تباعدوا في الزمن والمسافة. كُتيِّبُ تعليماتٍ واحدٌ يقرأونه ويتّبِعون. والأكثر غرابة، هو أنّهم، رغم درايتهم التامة بتشابه مساراتهم في الصعود، يغفلون، دائمًا، أنّ التشابه الشديد هذا لا يستثني السقوط.