القلق المناخي: خطوات نحو الحلول.

القلق المناخي: خطوات نحو الحلول.

  • ٠٩ تموز ٢٠٢٤
  • تمارا طوق

دمج موضوعات التغيّر المناخي في مناهج الطب: لتمكين الأطباء المستقبليين من فهم العلاقة بين التغيّر المناخي والصحة البشرية، وإعدادهم للمساهمة في حلّ هذه المشكلة. (الجزء ٢). (مترجم)

في الجزء الأول تطرقنا الى تهدّيد تغيّر المناخ صحة الشباب النفسية بشكل متزايد، حيث يُعاني الكثير منهم من القلق والإكتئاب بسبب مخاطر المناخ المستقبلية، مما يُثير مخاوف بشأن التأثيرات النفسية والاجتماعية لهذه الظاهرة المأخوذة من دراسة نشرت في مجلة مجلة هارفرد الطبية،نتابع في الجزء الثاني كيفية الإستجابة لهذه المخاطر.
يواجه مستشارو التغيّر المناخي تحديًا فريدًا، فهم يسافرون إلى مناطق مجهولة نسبيًا، خاصة عند التعامل مع القلق المتوقع بشأن تأثيرات المناخ المستقبلية. تصف ليز فان سوستيرين الطبيبة النفسية العامة والشرعية والمتخصّصة  في «الآثار  الصحية  العقلية  لتغير  المناخ» هذا القلق بأنّه نوع من إضطراب ما قبل الصدمة، يشبه إلى حدٍ كبير مخاوف الفناء النووي التي واجهها الأمريكيون خلال الحرب الباردة. 
ويهدف العلاج بالكلام عن القلق عادةً إلى مساعدة الناس على تحديد الأفكار غير العقلانية واستبدالها بأخرى أكثر واقعية. 
من ناحية أخرى، يُركز العلاج بالتركيز على حلّ المشكلات على إيجاد حلول عملية، مما يؤدي إلى «سلوك مؤيد للبيئة».  يُشارك الشباب في هذا النوع من التعامل في التعرّف على تغيّر المناخ والتركيز على ما يمكنهم فعله شخصيًا للمساعدة في حل المشكلة. 
لكن،  تُشير ماريا أوجالا، الأستاذة المساعدة في علم النفس بجامعة أوريبرو في السويد، إلى أنّ تغيّر المناخ خارج عن سيطرة الأفراد، مما قد يؤدي إلى إحباطهم بسبب حدود قدراتهم الخاصة، ويجعلهم غير قادرين على التخلص من القلق والعواطف السلبية الناتجة عنه.
درست أوجالا كيفية تفكير الشباب ومشاعرهم ونوعية تواصلهم بشأن المشاكل البيئية العالمية.  في ورقة بحثية نُشرت عام 2019 في مجلة «البيئة والسلوك»، تصف أوجالا وزملاؤها التأقلم الذي يركز على العاطفة، حيث يتجاهل الشباب تغيّر المناخ أو ينكرونه كوسيلة لتجنّب الشعور بالقلق إزاءه.  
وتلاحظ أوجالا أنّ الأشخاص الذين ينجذبون نحو التباعد العاطفي يأتون عادة من عائلات تتواصل بشأن المشاكل الإجتماعية «بطرق متشائمة وكئيبة».  
لكن،  بما أنّ أحد أنواع التأقلم الذي يركز على العاطفة ينطوي على التقليل من أهمية التهديد المناخي،  فإنّه يمنع أيضًا الإجراءات التي قد يتخذها الشباب ضده، وبالتالي لا توجد فائدة بيئية منه.
قلق المناخ: صرخة الشباب في وجه الكوكب
تُجسّد جوليا ماليتس، طالبة الطب في جامعة هارفارد، شعورًا مشتركًا بين أقرانها: القلق المناخي. تقول جوليا، «نشأتُ مع قدر معين من القلق، مُرهقةً من حجم المشكلة والحاجة الملحة لمعالجتها».  لكنها تُؤكد على تفاؤلها، «أعتقد أنّ المجتمع قادر على إحداث التغيير. ما يُساعدني في إدارة قلقي هو المجتمع الذي يحيط بي في هارفارد. من المُريح أن تكون مُحاطًا بأشخاص يشاركونك القلق ويسعون معك للحلول».

خطوات عملية: دمج المناخ في مناهج الطب
في يناير الماضي، بعد عرض قدمه باحثون في مراكز أبحاث طبية في الولايات المتحدة منها تحالف كامبريدج الصحي، و جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وطلاب في مجموعة مهتمة بالبيئة والطب، صوتت لجنة السياسة التعليمية والمناهج على دمج موضوعات التغيّر المناخي في المناهج التعليمية الطبية، باعتباره موضوعًا مجتمعيًا ذو أولوية. يهدف هذا الدمج إلى تمكين الأطباء المستقبليين من فهم العلاقة بين التغيّر المناخي والصحة البشرية، وإعدادهم للمساهمة في حلّ هذه المشكلة من خلال ممارساتهم الطبية.

تغيّر المناخ: مشكلة على عتبة دارنا
تُعتبر الدول التي تعاني أكثر من غيرها من تغيّر المناخ هي الأقل قدرة على مواجهة آثاره النفسية. على سبيل المثال، في الصومال، أحد أفقر بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، يُفاقم تغيّر المناخ أسوأ موجة جفاف منذ عقود، مُعرّضًا 8 ملايين شخص، أي ما يقارب نصف السكان، لخطر المجاعة. كما أثرت الفيضانات الكارثية المرتبطة بتغيّر المناخ في باكستان عام 2023 على أكثر من 33 مليون شخص. 
وتُظهر بيانات البنك الدولي لعام 2019 أنّ ما يقارب 30% من سكان هندوراس يعملون في القطاع الزراعي، الذي يتأثر بشدة بارتفاع درجات الحرارة والجفاف، مما يؤدي إلى نزوح جماعي.
يُلاحظ الباحثون أنّ الشباب الذين يعانون من مخاوف شديدة بشأن تغيّر المناخ يعيشون غالبًا في الدول النامية. على سبيل المثال، تُصنف الفلبين والهند من بين الدول التي أظهرت فيها دراسات حديثة أنّ الشباب يعانون من مشاعر قوية تتعلق بالمناخ، مثل «فناء البشرية» و «مستقبل مخيف».
حتى عندما لا يُجبر الناس على النزوح بسبب الكوارث، يمكن أن تؤثر مجموعة متنوعة من الآليات المرتبطة بالمناخ على صحتهم العقلية أو سلامة علاجهم النفسي.  فارتفاع الحرارة والرطوبة يُفاقم التهيج والإدراك، كما يمكن أن يُؤثر على فعالية بعض الأدوية النفسية الشائعة. 
يُمكن أن ترتفع مستويات الليثيوم، وهو مثبت للمزاج يُستخدم لعلاج الإضطراب ثنائي القطب والإكتئاب الشديد، إلى مستويات سامة محتملة لدى الأشخاص الذين يتعرقون بشدة، مما يُمكن أن يؤدي إلى الجفاف وضعف وظائف الكلى، مما يُسبب الرعشة، واضطراب الكلام، والإرتباك، وغيرها من الأعراض الخطيرة.  

بالإضافة إلى ذلك، قد تؤثر مثبطات إمتصاص السيروتونين ومضادات الإكتئاب ثلاثية الحلقات والبنزوديازيبينات على إستجابة الجسم الفسيولوجية للحرارة، مما يُؤثر على ضغط الدم والتعرق والإدراك.  
المرضى الذين يعانون من مشاكل صحية عقلية مزمنة هم أكثر عرضة للخطر أثناء الطقس الحار، ويحتاجون إلى رعاية طارئة بشكل متزايد.  في الحالات القصوى، يمكن أن تحدث ضربة الشمس، مما قد يؤدي إلى نتائج قاتلة.
تشير المصادر الأكاديمية  إلى أنّ الأبحاث حول تأثير تغيّر المناخ على الصحة العقلية للأطفال لا تزال في مراحلها الأولى.  وقد حددت مجموعة من الباحثين في ورقة بحثية نشرت في مجلة الطب النفسي الأكاديمي الأميركي عام 2022 العديد من الإحتياجات الملحة، بما في ذلك التدخلات الإضافية لدعم وتعزيز قدرة الشباب الذين يعانون من القلق المناخي على الصمود، والحاجة إلى مزيد من التمويل، وإزالة الحواجز اللوجستية التي تحول دون وصول الأفراد المتضررين إلى الرعاية. 
يؤكد باحثون أنّ الجهود المبذولة للإستجابة لتحديات الصحة العقلية الناجمة عن تغيّر المناخ يجب أن تُدمج في عمل أوسع يهدف إلى القضاء على السبب الجذري للمشكلة، وهو الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وفقًا لأحدث تقرير صادر عن اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ التابعة للأمم المتحدة، من المرجح أن يتجاوز العالم إرتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية بمقدار 2.7 درجة فهرنهايت فوق مستويات ما قبل الصناعة بحلول عام 2030، في غياب إجراءات سريعة.  
وحذرت اللجنة من أنّ موجات الحر، وفشل المحاصيل، وانتشار الأمراض المعدية، والفيضانات، وانقراض الأنواع قد تتجاوز قدرة البشرية على التكيف بعد هذه العتبة.  
لن يتوقف الإحتباس الحراري إلّا إذا توقّف البشر عن إضافة الغازات المسببة للإحتباس الحراري إلى الغلاف الجوي.
وتُعتبر مشكلة تغيّر المناخ مشكلة عالمية تتطلب حلولًا عالمية، وخاصة في مساعدة الدول النامية، التي تفتقر الى الموارد للتعامل مع الآثار النفسية للكوارث البيئية، والى تحسين الصحة العقلية للأجيال القادمة.