مستوردو النفط في لبنان.. سلطان الدولة العميقة
مستوردو النفط في لبنان.. سلطان الدولة العميقة
حقق كارتيل النفط أرباحاً خيالية، ويرفض دفع الضرائب على ربحه. وعند كل أزمة، يأخذ المجتمع رهينة ليضمن هامش ربحٍ أكبر.
في الموازنة الأخيرة، فرض المادة 94 على «المؤسّسات والشركات التي استفادتْ من الدعم الذي أمّنه مصرف لبنان لتغذية فروقات سعر صرف الدولار، ضريبة إستثنائية إضافية مقدارها 10 في المئة على المبلغ الذي يفوق العشرة آلاف دولار». يومها أعلن مستوردي النفط الإضراب في 31 كانون الثاني 2024، والتوقف عن تسليم المواد النفطية إلى المحطات، وفي الصيغة الأخيرة للموازنة، شطب هذا البند.
مشكلة الكهرباء قديمة، ولم يعمل على خطوات جدية لحل جذري للقطاع، وكأي مرفق عام، عُمل بشكل ممنهج لضرب المؤسسة، تمهيداً لبيعها للقطاع الخاص، على اعتبار أنّ المشكلة بآلية الإدارة، وليس في بعض المحتكرين الذين يسيطرون على استيراد النفط.
لا يوجد أرقام دقيقة لحجم أرباح الكارتيلات، خاصة لقدرتهم على إيجاد طرق ملتوية لتحقيق المزيد من الربح والتهرّب الضريبي، من هنا عمل الباحث في مجال الطاقة مارك أيوب على دراسة لمحاولة تقدير حجم أرباحهم.
يعرف معجم «كامبريدج» الكارتيل على أنّه مجموعة من الشركات المستقلة المماثلة التي تتحد معاً للتحكم في الأسعار والحد من المنافسة. وفي لبنان بات الكارتيل أبرز أركان المنظومة، باسطةً سلطته على حياة المواطنين، ومتحكم بالاقتصاد والإنتاج والتوزيع.
في 17 حزيران 1977، صدر المرسوم الإشتراعي «تحديد الأصول المالية والإقتصادية والتنظيمية لمنشآت النفط على الاراضي اللبنانية»، والذي يحدّد «الأصول المالية والإقتصادية والتنظيمية المتعلقة بجميع منشآت النفط على الأراضي اللبنانية، وبجميع صفقات بيع وشراء وتصدير واستيراد مشتقات النفط الخام، التي تجريها وزارة الصناعة والنفط المديرية العامة للنفط». وأنشأ بموجبه في وزارة الصناعة والنفط- المديرية العامة للنفط «أجهزة مختصة لإدارة منشآت - النفط على الأراضي اللبنانية وجميع القضايا المالية والإقتصادية والتنظيمية المتعلقة بها وبيع وشراء وتصدير واستيراد مشتقات النفط الخام»، على أن تخضع لرقابة ديوان المحاسبة المؤخرة، و«تبقى صفقات شراء المشتقات النفطية خاضعة للرقابة المسبقة من قبل مراقب عقد النفقات لدى وزارة الطاقة والمياه مهما بلغت قيمتها».
يومها كانت الدولة تستورد النفط فيما الشركات الخاصة تعمل على توزيعه الناتج عن المصفاتين في طرابلس والزهراني عبر الصهاريج.
لكن خلال الحرب إستولت الميليشيات على عملية إستيراد النفط، بعد أن وقفت المصفاتين، وكان سامي مارون من أوائل الذين استوردوا النفط في عهد الرئيس السابق أمين الجميّل، وانشئت يومها خزانات على المرافئ، وخضعت لسيطرة الميليشيا المتواجدة في منطقتها.
من هنا بدأت عملية الاحتكار حتى عام 1992. في عهد الرئيس السابق الياس الهراوي، كان عمر كرامي رئيس الحكومة، تأسست شركات لأشخاص مقربين منهما فتمّ إحتكار استيراد النفط، بين عاميّ 1992 و1998، وكان هناك تحالف بين رولان الهراوي، نجل رئيس الجمهورية، وناجي عازار صاحب شركة البساتنة، إلى جانب وليد جنبلاط، لاستيراد الغاز والبنزين والديزل، واستمر عملهم حتى نهاية عهد الهراوي. في عهد الرئيس السابق إميل لحود حاول منع الإحتكارات، وقام بسجن وزير النفط السابق شاهي برصوميان بتهمة هدر المال العام بواسطة عقد تراضي مع ناجي عازار رئيس مجلس إدارة شركة «يوروغولف».
عام 2000 قام رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري باطلاق يد الشركات الخاصة لاستيراد النفط، الذي لا يزال قائماً حتى اليوم.
حتى عام 2017، كانت الشركات الـ 13 تتشارك السوق، حيث كانت شركة Uniterminals تستحوذ على 15 في المئة من النفط المستورد، تليها Coral Oil بنسبة 14 في المئة، فيما النسبة الأدنى كانت من حصة شركة Universal Gas United Petroleum بنسبة 3 في المئة. لكن بعد الازمة، وعدم توفر الجولار الطافي لشراء النفط، باتت شركتي Liquigas/Coral تستحوذان على 80 في المئة من النفط المستورد.
وأكملت الدراسة تتبع آلية الاستيراد،حتى باتت الدولة طرف. ففي عام 2019، دخلت الدولة على خط استيراد النفط، بعد امتناع المحطات عدم تسليم المواد النفطية بحجة عدم فتح مصرف لبنان اعتمادات، فأطلقت وزارة الطاقة مناقصات لاستيراد المازوت والبنزين لصالح منشآت النفط في طرابلس والزهراني. وبدأت الدولة استيراد 30 في المئة من حادة السوق من المازوت و10 في المئة من مادة البنزين 95 أوكتان، ذلك بعد فض العروض. إلا أنّ هذه العملية لم تنحصر بيد الدولة، حيث حصلت علية الاستيراد عبر شركات خاصة، وكانت من نصيب شركة ZR Energy المملوكة من تيدي وريمون رحمه، بعد أن إنكفأت باقي الشركات عن تقديم عروض المناقصات.
أما من ناحية التخزين، فهي عملية مشتركة بين الدولة والمستوردين، الجولة تخزن في منشآت النفط في طرابلس والزهراني، تتوزّع خزّانات القطاع الخاص على سبعة مرافئ في الدورة، وأنطلياس، وعمشيت، والزوق، وأنفه، وطرابلس والجيّة.
بحسب «المفكرة القانونية»، إرتفعت أرباح شركة «كورال غاز»عام 2022 إلى 384 مليون دولار، بعد أن كانت 1.4 مليون دولار عام 2019، وإرتفعت قيمة أصولها من 113 مليون دولار في العام 2019 إلى 700 مليون دولار في العام 2022.