قلعة فقرا.. زفاف فوق القانون

قلعة فقرا.. زفاف فوق القانون

  • ٢٥ تموز ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

أدى إنتشار خبر حفل زفاف، إلى حالة إعتراض في منطقة كفرذبيان، بعد أن قرر المتعهد ريمون الحاج التعدي على قلعة فقرا الاثرية، لاقامة حفل زفاف نجله، الاحد الرابع من آب القادم.

لم يأبه الحاج بالاثار، كما لم يأبه برمزية اليوم المحدد للزفاف، حيث وضع يوم 4 آب، في وقت سيكون اللبنانيون في موعد سنوي لذكرى تفجير بيروت، والمطالبة المستمرة بكشف هوية المسؤوليين عن هذه الجريمة ومحاسبتهم.

لكن من يعتبر البلاد والعباد يسيرون وفق أهوائه، بقوة ماله، يعتبر أنّ تعديه على الآثار، والقفز فوق ذكرى ألم جماعي، أمر عادي. فالحاج هو رئيس بلدية بقعتوتة، وله تاريخ بالمخالفات من التعدي مؤخراً على جسر نهر الكلب الأثري، إلى شفط الرمال من مرفأ المارينا ضبية عند مصب نهر الكلب في حزيران 2011.

القضية بدأت مع إنتشار دعوة لزفاف جورج الحاج، نجل ريمون الحاج، في قلعة فقرا الاثرية كفرذبيان. القلعة تقع على العقارين 4085 الذي يتبع للبلدية، و4087 الذي يتبع لدير مار يوحنا المعمدان - حراش، عين الريحانة. يروي وسيم مهنا مختار فقرا لـ «بيروت تايم» ما جرى، إذ وصلته الدعوة من والد العريس المتعهد ريمون الحاج، وقرأ أنّ العشاء سيجري في قلعة فقرا الاثرية، وتساءل اذا كان سيجري في صالات أعراس بالقرب من القلعة، فكان الرد النفي وأكد أنّ الزفاف سيجري داخل القلعة.

تواصل مهنا مع مديرية الاثار التي اكدت له أنّه لا يمكن إقامة زفاف في موقع أثري. تمكنت عائلة الحاج من الاستحصال على تصريح من وزير الثقافة يسمح له بإجراء الزفاف على أرض تعود للبلدية، على أن يقام الزفاف أمام القلعة، وانارتها وتنظيفها، مع وضع حواجز لمنع دخول أي من الضيوف إلى داخلها. بعد إثارة الموضوع علناً، تدخلت وزارة الثقافة ومنعت إجراء الزفاف داخل القلعة، وجمدت التحضيرات ريثما يجدون موقعاً آخر.

آثار كفرذبيان مقسمة إلى قسمين، قسم مستلمك بإدارة الوزارة مباشرةً، وقسم على لائحة الجرد العام، وهذا يمنع استخدام هذا العقار والتحويل فيه وأي نشاط قبل الاستحصال على إذن من وزارة الثقافة قبل شهرين، والحصول على دراسة أثر بيئي قبل شهرين من الحدث، وموافقة مبدئية، وعليه يجب الحصول على إذن من وزارة الثقافة ووزارة البيئة. تفاجئ مهنا لاحقاً بأنّ الزفاف إنتقل إلى الجزء العلوي من القلعة، في الأرض التي يملكها الدير، كما استحصلت البلدية على إذن للقيام بنشاطات ترفيهية وثقافية ودينية في هذا الموقع، والدير موافق، دون موافقة الوزارة.

تواصل مهنا مع الحاج ناقلاً إليه إعتراض أهل القرية على الزفاف، إضافة إلى عدم قانونيته، فكان تبريره أنّه لا يوجد مكان آخر للحفل، وقد طبعت بطاقات الدعوة. بعد أن أثار الموضوع في الإعلام، استحصل الحاج على ورقة من الدير كتبت بخط اليد، تسمح لهم بإقامة الزفاف في هذه الأرض، وأشار إلى أنّ إجراء الزفاف يوم 4 آب مخالف للقانون، ذلك بعد صدور مذكرة عن رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي بإعلان 4 آب يوم حداد وطني.

أضف إلى ذلك، الموقع مدرج على لائحة الجرد العام، وبحسب المادة الثالثة من القانون الصادر في 8 تموز 1939 «إنّ القيد في قائمة الجرد يوجب على المالك أن لا يباشر في أرضه ولا يدَع أحداً يباشر إجراء أي تغيير في العقار المقيد أو في جزء من هذا العقار ولا احداث أيّ بناء على الخصوص وبوجه الاجمال يوجب عليه الامتناع عن كل عمل من شأنه أن يغير الهيئة العامة للمناظر أو المواقع الطبيعية أو يفسد أو ينقص أهميتها بالنظر الى السياحة، كما يوجب عليه الإمتناع من قطع آية شجرة او قلعها قبل أن يبلغ قصده الى وزير الاقتصاد الوطني ويوضح له التغييرات أو الأعمال التي ينوي إجراءها ويحصل منه على الترخيص اللازم».

بحسب مهنا، قرر وزير الثقافة عدم التدخل لأنّه شيعي، ولا يريد الاصطدام بالراهبات، فيما مديرية الآثار لم تتحرك بطلب من الوزير، والقوى الأمنية لم تتحرك لغياب دعوى قضائية، التي يجب أن تصدر عن وزارة الثقافة، فيما المنظمين لا يملكون أي وثائق ولا تراخيص.

وطالب مهنا رئيس الحكومة ووزير الثقافة ومديرية الآثار ليتحملوا مسؤوليتهم التاريخية لأنّ هذا عار سيحملونه على ضميرهم من الآن والى الأبد، لأنّه في القانون يستندون إلى «السابقة»، وأنّ أي مخالفة تعزا إلى مخالفة أخرى لتبريرها، فاذا مرّ هذا الزفاف، لن يعود من الممكن إيقاف أي مناسبة تجري في الاثار.

تظهر الوثائق رد الدير على كتاب رئيس البلدية الدكتور بسام سلامة في 13 تموز 2024، قائلاً إنّ العقار رقم 4085 ليس ملك الدير، فيما أي نشاطات على العقار 4087 تخصر بالبلدية، «شرط أن يكون كل ذك ضمن القوانين المرعيّة الإجراء وبعد الاستحصال على الأذونات اللازمة من كافة الوزارات والإدارات المختصة».

ليعود الدير ويرسل رسالة بخط اليد بعد أسبوع، بتاريخ 20 تموز 2024، يقول يبرر قيام الزفاف في القلعة الاثرية على اعتبار أنّ "«لما كنا نملك العقار رقم 4087 من منطقة كفرذبيان العقارية، ولما كان العقار المذكور يحتوي على بناء أثري مدرج على لائحة الجرد العام للابنية التراثية؛ ولما كان حق المالك بالتصرّف بملكه هو حق مصون بالدستور اللبناني وبالقوانين المرعية شرط الالتزام بالنظام العام والاداب العامة والأنظمة والقوانين؛ ولما كانت المديرية العامة للاثار غير واضعة يدها على هذا العقار المملوك منّا وهو بادارتنا حصراً»، مطالبين منع التدخّل في ملكنا الخاص.

وفي 23 تموز أرسلت جمعية «الأرض لبنان» كتاب إلى وزير الثقافة محمد مرتضى ذكرت قيه بأنّ «وزارة الثقافة لم تتلقَ أي كتاب من قبل أي جهة تريد إجراء الاعمال في الموقع في المهلة القانونية المنصوص عليها في القانون»، وعددت المخالفات التي تجري، إلى جانب غياب دراسة الأثر البيئي إذ الحدث الذي ينظم يتضمن إنشاءات ونشاطات لها أثر هام على هذا الموقع وتستوجب فحصاً بيئياً توافق عليه وزارة البيئة قبل بدء الاعمال، وعدم استحصال على إذن وزارة الثقافة، والتعدي على حرم حماية لموقف فقرا الاثرية. وطالبت الجمعية بوقف الاعمال فوراً تطبيقاً للقوانين المرعيّة الإجراء إنقاذاً موقع فقرا الاثري.


من جهته، دافع رئيس البلدية الدكتور بسام سلامة عن المتعهد، معتبراً في حديث لـ «بيروت تايم» أنّ العقارات التي توجد عليها القلعة تقع على مساحة 8000 متر مربع، تتوزع ملكيتها بين الدير والبلدية مسيّجة وتابعة لوزارة الاثار، قسم من القلعة مدرج على لائحة الاثار، ويضيف «هناك عدة عقارات مدرجة على لائحة الآثار، يستغلها أصحابها في مناطق أخرى كجونية وبيروت ويجب الحفاظ عليها، فيما القانون صان حق الملكية، ويعتبر أنّ المختار وسيم مهنا يقوم ببروباغندا سلبية، ويثير الموضوع على أنّه إنتهاك للاثار، ويقول أنّ الزفاف سيجري ضمن الاثار، وادخل النقاش الديني لأنّ الدير وافق على إجراء الزفاف في القلعة»، فيما يعتبر رئيس البلدية أنّ هذا ملك خاص ويحقّ لرئيسة الدير التصرّف بملكها، وأكد أنّ البلدية ووزارة الثقافة يشرفون على الموضوع، وأنّ القوانين تضمن هذا الأمر.

الزفاف سيحدث على أرض «سليخ"» وليس في القلعة، يقول سلامة وبالتالي لا تحتاج إلى دراسة أثر بيئي، ويحقّ للدير والبلدية إعطاء الاذن بإقامة نشاطات في القلعة.