«رحلة إلى أعماق الرعب»

«رحلة إلى أعماق الرعب»

  • ١٦ آب ٢٠٢٤
  • كاسندرا حمادة

تلك الرحلة المثيرة التي تأخذنا إلى عوالم مظلمة ومرعبة، حيث تتجلى أعمق مخاوف الإنسان وأكبر هواجسه. إنها ليست مجرد أفلام رعب تُشاهد للترفيه، بل هي تجسيد للقلق البشري والرهبة التي تراودنا في لحظات الضعف والظلام، فلماذا ينجذب البعض إليها؟

 
وقعت الحادثة المثيرة للريبة في منزل كفرشيما، وتداولتها أولاً وسائل الإعلام  كقصة رعب حقيقية. فعاد الناس بذاكرتهم إلى المسلسل المصري الشهير «ريا وسكينة»، على الرغم من أنّ الحادثة لا ترتبط بهذه القصص الخرافية، إنّما تأثير الأفلام والرعب جعلها تستوحذ على  عقولنا، لنذهب اليوم برحلة نحو تاريخ أفلام الرعب، وارتباطها الوثيق بمشاعرنا الإنسانية. مع العلم ، أنّ مشاعر الإنسان تبحث دوماً  عن الأمان ، فلماذا قد يكون الرعب نوعاً من الترفيه عند البعض؟ 

هيتشكوك.. نموذج من الرعب

لنبدأ بالتحفة الفنية في عالم أفلام الرعب «The birds»، فقد تميّز ألفرد هيتشكوك في صناعته لأفلام الرعب،  ليس فقط بسبب قصته المثيرة وأسلوبه المميز، بل أيضًا لأنّه قدم نموذجًا فريدًا لكيفية إستخدام الرعب النفسي والطبيعي لخلق تجربة سينمائية لا تُنسى. تبنّى عنصر الغموض في أفلامه، واستطاع أن يجعل من الطبيعة المنفذ الآمن للإنسان، في فيلمه الشهير ،«the birds» كعنصر للرعب. أدخل فيه الصمت وهو كفيل لإثارة الريبة والترقّب. فالصمت الذي يسبق الهجمات الكبيرة للطيور يخلق إحساسًا بأنّ شيئًا مرعبًا على وشك الحدوث، مما يعزّز من تأثير اللحظات المرعبة. 
بعد «The Birds»، أصبحت أفلام مثل «Jaws» و«Jurassic Park» وأفلام أخرى تستخدم الطبيعة أو الحيوانات كعنصر تهديد رئيسي، مما يدل على التأثير العميق الذي تركه فيلم هيتشكوك على هذا النوع من الأفلام.

الرعب السينمائي عبر التاريخ

بدأت أفلام الرعب في الظهور خلال فترة السينما الصامتة. من أوائل الأفلام التي تندرج ضمن هذا النوع فيلم «Le Manoir du Diable 1896» للمخرج الفرنسي جورج ميلييس، والذي يعتبر أول فيلم رعب في التاريخ. استخدم ميلييس الخدع السينمائية البدائية لخلق أجواء الخوف الشديد. وفي عشرينيات القرن العشرين، شهدت ألمانيا إنتاج عدد من أفلام الرعب الصامتة البارزة مثل فيلم (Nosferatu» (1922»، الذي أخرجه فريدريش فيلهلم مورناو، والذي يعتبر اقتباسًا غير رسمي لرواية «دراكولا» لبرام ستوكر. وفي ستينيات القرن العشرين، حدثت تغييرات كبيرة في أفلام الرعب، مع إنتاج أفلام مثل «Psycho» سنة ١٩٦٠ لهيتشكوك نفسه  الذي غيّر قواعد الرعب ، وجمع بين الصمت والطبيعة. 


جاذبية نفسية

تطوّر الرعب واتخذ أشكالاً عديدة في الأفلام في عصرنا هذا، إنّما قد لا تكون هذه مُناسبةً للجميع، ولكن مع اتّخاذ الإحتياطات اللازمة، هناك بالتأكيد جاذبيةٌ بيولوجيةٌ ونفسيةٌ للعديد من الناس. وفقًا للابحاث النفسية، قد يبحث الناس عن أفلام الرعب لأسبابٍ مُتنوّعة، مثل تحفيز إفراز مواد كيميائية مُعيّنة في الدماغ، أو لمساعدتهم على التخطيط للسيناريوهات الأسوأ، أو لممارسة استراتيجيات المواجهة والتحكّم. فإنّ الأحداث الصادمة في الأفلام التي تظهر فجأة وتُفزعك، والمعروفة باسم «مُفاجآت القفز» ، يُمكن أن تُحفّز ردّة فعل «القتال أو الهروب»، والتي تُؤدّي إلى إطلاق الدوبامين والإندورفين. إذ يُمكن لجسمك أيضًا أن يتفاعل بهذه الطريقة مع المواقف التي قد تبدو خطرة، ولكنّها في الواقع ليست كذلك، كما هو الحال في أفلام الرعب. إلى ذلك، من فوائد مشاهدة أفلام الرعب أنّها تسمح لعقلك بالتّخطيط لهذه الأحداث إذا ما حدثت في الواقع. قد تشعر بالقوّة عند مشاهدة فيلمٍ وثائقيٍّ عن جريمة حقيقية أو فيلم رعب لأنّك في بيئةٍ آمنة يُمكنك فيها التّخطيط لما ستفعله. كما أنّ جاذبية أفلام الرعب تكمن  بشعور الهدوء الذي يلي هذه العملية البيولوجية، بعامل جذب تجربة «القتال أو الهروب». و يُعرف هذا الشعور باسم «الراحة والهضم»، حيث يُمكن أن تُساعد هذه الإستجابة الدوبامينية في إغراق دماغك بهذا الهرمون المُهدئ، بينما تُساعدك أيضًا على الشعور بتحسّن بعد هذه التجربة المُخيفة.

نظرية فرويد

بحسب فرويد، تُمنحك أفلام الإثارة فرصةً لإطعام الجزء المحرّم من نفسك الذي قد تنكره لسببٍ أخلاقيّ. على سبيل المثال، قد تُعرّف نفسك بالشخصية التي تضرب شخصيةً أخرى لأنّها تُلبّي غريزةً أساسيةً في داخلك، أو حتى لأنّك تُوافق على السبب الكامن وراء ذلك. بما معناه أنّك، لن تُفكّر في ضرب الآخرين في الحياة الواقعية لأنّ ذلك سيكون غير أخلاقيّ وضارّ وغير قانونيّ، ولكن في خيال الفيلم، يُمكنك أن تعيش ما لا يمكنك فعله في العالم الحقيقيّ.

لماذا البعض يبتعد عن هذه الأفلام؟
تشير بعض الأبحاث إلى أنّ الأشخاص الذين يتمتعون بسمة أعلى للبحث عن الإثارة (أي حاجة أقوى لتجربة الإثارة) يميلون إلى البحث عن التجارب المرتبطة بالرعب والإستمتاع بها أكثر، أما  أولئك الذين لديهم سمة منخفضة في البحث عن الإحساس قد يجدون تلك التجارب غير سارة ويتجنبونها.
ومن جهة أخرى،  ترتبط الفروق الفردية في التعاطف بالاستمتاع بالرعب.إذ،أولئك الذين ليسوا متعاطفين للغاية يمكنهم الاستمتاع بالرعب أكثر. وذلك لأنّ مَن يتمتعون بمستوى أعلى من التعاطف يميلون إلى الشعور بالمزيد من السلبية تجاه مواقف الضيق التي يواجهها الآخرون، مثل تعرّض الأشخاص للتعذيب على يد قاتل مخادع في فيلم.

في المحصّلة، تجمع أفلام الرعب بين الإثارة والقدرة على معالجة المخاوف، والهروب من الواقع، والفضول الفطري حول المجهول. هذه العوامل مجتمعة تجعلها خياراً جذاباً للجمهور وتضمن استمرار شعبيتها. ويكمن نجاح الرعب في فيلم معيّن بالعناصر المستخدمة فيه، المرتبطة ببعض المشاعر الإنسانية، كالصمت، القدرة على بناء التشويق وأهمها التركيز على الجانب النفسي. فهل خضتم مرّة تجربة تفكيك عناصر فيلم الرعب الذي تشاهدونه؟!