فضيحة تربويّة جديدة: توقيف مسرّب الإمتحانات الرسميّة

فضيحة تربويّة جديدة: توقيف مسرّب الإمتحانات الرسميّة

  • ٢٤ آب ٢٠٢٤
  • خاص بيروت تايم

مرة جديدة تغرق وزارة التربية والتعليم في لبنان بفسادها المستشري، ففي «مغارة التربية»تفوح رائحة ملفات الرشاوى، وتزوير الشهادات، وتختفي المعاملات فجأة، ووصلت إلى حد تسريب الأساتذة لأسئلة الامتحانات الرسمية قبل ساعات من بدء موعد الامتحانات الرسمية في المدارس، لتكون بذلك الضربة القاضية لقطاع التعليم في لبنان.

 

في شهر تموز الماضي، تقدم وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي، بكتاب رسمي إلى النيابة العامة التمييزية، نتيجة توفر معلومات تؤكد تسريب أسئلة وأجوبة مسابقات للامتحانات الرسمية لشهادة الثانوية العامة لدورة 2023-2024 قبل موعدها، وطالب بتحقيقات موسعة للكشف عن هذه «الفضيحة» التربوية، التي من شأنها التأثير سلباً على جودة التعليم في لبنان. 

والذي صار مؤكداً، أن القطاع التعليمي في لبنان انهار منذ سنوات، نتيجة الأزمة الاقتصادية التي أثرت بشكل مباشر على المدارس الحكومية، ودفعت بالأساتذة إلى ترك القطاع التعليمي ومغادرة لبنان نتيجة تدني رواتبهم بشكل كبير، لكنّ إنهيار القطاع التربوي لم يكن نتيجة الأزمة المالية وحدها، بل كان ناتجاً عن تحول وزارة التربية إلى مغارة فساد، تتفشّى فيها «الفضائح»، كملفات الرشاوى،  وتزوير الشهادات الجامعية، وجديدها كان تسريب أسئلة الامتحانات الرسمية للطلاب وأهاليهم.

كيف سُربت أسئلة الامتحانات؟

في مهزلة لم تحصل قط، وفي اليوم الأول لبدء الامتحانات الثانوية العامة بفروعها الأربعة، وصلت المسابقات إلى مراكز الامتحانات في وقتها المحدد، لكنها تأخرت في الوصول لنحو ساعتين في مراكز أخرى، فتسربت الأسئلة من خلال بعض الأساتذة والمراقبين، وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، وتوفرت مع أهالي الطلاب ومع المُمتحنين أنفسهم. وبرّر وزير التعليم هذه المهزلة بأنّ التأخير في توزيع مسابقات الامتحانات كان نتيجة وجود خطأ في مسابقة مادة الكيمياء (CHIMIE) واستدعى تصحيحه، ولهذا الأمر تأخر توزيع المسابقات في مراكز الامتحانات، لكن تبين لاحقاً أنّ المسابقة طُبعت مرة واحدة، ولم يتبين وجود أي خطأ بها. والمُستغرب في هذه الفضيحة، هو تسريب الامتحانات من دون التفكير في الضرر الذي سيلحق بالطلاب بعد الغشّ. أليست مهنة التعليم هي مهنة إنسانية، والتلميذ هو الأمانة؟ 

على أي حال، تسلّمت النيابة العامة التمييزية هذا الملف، وباشرت بتحقيقات موسعة، طالت مجموعة من الأساتذة والمراقبين. والتحقيقات كشفت عن تورط أحد المراقبين في ثانوية الأخطل الصغير-البوشرية، بمسألة التسريب، كما استمع القضاء إلى مجموعة من الأساتذة وحقق معهم.

إذاً، جرى تسريب أسئلة الامتحانات في بعض المراكز، بعد تصوير المراقب لأسئلة الامتحانات، لتوزّع بعدها على الطلاب وأهاليهم، وتنشر على الصفحات الرسمية للأساتذة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتمكن الطلاب بفعل تأخر موعد توزيع المسابقات عليهم لمدة ساعة ونصف الساعة، من الاطلاع على المسابقات المسرّبة، وتجهيز أجوبتها وكتابتها! 

 

فالمراقب في ثانوية الأخطل الصغير، (م.س) هو الذي سرّب أسئلة الامتحانات ونشرها على مجموعات تتضمن مئات الأساتذة على تطبيق «الواتس أب»، وعُمّمت على تطبيق «الفيسبوك»، وعممها الطلاب بين بعضهم البعض. وبعد التحقيق معه، تم توقيفه، كما أنَّ التحقيقات التي طالت كل من (إ.ع)، (ع.و)، (ع.ر)، وهم أساتذة متهمون بنشر المسابقات قبل موعد توزيعها على الطلاب، اعترفوا أمام النيابة العامة التمييزية، مؤكدين أنَّهم نشروا المسابقات التي سرّبها المراقب، أي أنّ الأخير هو الذي بدأ بعملية التسريب، وهم تابعوا بتوزيعها على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي. وبعد تدوين إفاداتهم، جرى توقيفهم لمدة يومين داخل قصرعدل بيروت قبل أن يتم إطلاق سراحهم بسندات إقامة، بعد التعهد بعدم تكرار هذا الأمر في المرَّات المقبلة.

وبحسب مصادر قضائية لـ«بيروت تايم»، فإنّ ملف الأساتذة أحيل إلى النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، ومن المتوقع الإدعاء عليه بجرم مخالفة الأنظمة الإدارية، لكن مصادر متابعة توقعت أن يتم إخلاء سبيل المراقب، فالعقوبة لا تتجاوز السجن ثلاثة أشهر. 

أمام هذه «الفوضى»التي شهدناها هذا العام، خصوصاً في ظل تمسك وزير التعليم بإجراء الامتحانات مهما كانت ظروف، يتّضح للمتابع أنّ الامتحانات الرسمية أضحت مهزلة «شكلية» فقط، وفقدت قيمتها التي كانت موجودة في السنوات الماضية. وليس ثمَّة مبالغة في القول إنَّ الشفافية تبخّرت، فالخروقات التي حصلت في اليوم الأول، أكان لناحية التأخير في توزيع المسابقات بين مركز وآخر، وأكان لناحية المواد الاختيارية، أو بما يتعلق بتسريب أسئلة الامتحانات الرسمية بسهولة وتصويرها ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، أكدت عدم جاهزية وزارة التربية لإجراء الامتحانات الرسمية هذا العام.