«إنكربت» تحكم نافعة طرابلس عبر «عرب الفوار»: المواطنون والإدارة تحت التهديد والداخلية «إعمل نفسك ميّت»

«إنكربت» تحكم نافعة طرابلس عبر «عرب الفوار»: المواطنون والإدارة تحت التهديد والداخلية «إعمل نفسك ميّت»

  • ٠٤ أيلول ٢٠٢٤
  • فتاة عيّاد

لم تعُد إنكربت تُتهم بالإثراء غير المشروع على حساب النافعة، إنّما باتت «دويلة» تهدد سيادة المرفق العام، و«هيبة» الدولة وسلامة المواطن ومؤخرا، «هيبة» وزير الداخلية بسام مولوي نفسه، مع تمرّد «العربان» (كما يلقبهم أهالي الشمال كونهم من العشائر العربية) من المعقبين في نافعة طرابلس، على تعميم تطبيق قانون السير الجديد لناحية منع المعقبين من إجراء المعاملات في كافة فروع النافعة، وعملهم بالقوة فيه عبر ترهيب الإدارة، وهؤلاء المعقبون ليسوا إلا ذراع رئيس نافعة الدكوانة السابق أيمن عبد الغفور، وسياسيين نافذين في الشمال، لإبقاء سيطرة إنكربت في النافعة.

لم يعُد الفساد في تلزيمات المرافق العامة، يتسبب بإنهيار مالي وحسب، بل بات ينشئ دويلات على حساب الدولة، على غرار «دويلة إنكربت» التي استحوذت على مصلحة تسجيل السيارات-النافعة، منذ تلزيمها نظام المعلوماتية وجميع أنظمة إصدار الرخص فيها عام 2016، بدفع من وزير الداخلية آنذاك نهاد المشنوق، وذلك عبر نظام فساد ممنهج بالتواطؤ مع الموظفين، رئيسة هيئة إدارة السير السابقة هدى سلوم ورئيس نافعة الدكوانة السابق أيمن عبد الغفور. لكن «دويلات» الدكوانة والأوزاعي، بقيت أقل خطورة من «دويلة» نافعة طرابلس!
فعلى الرغم من فتح ملف نظام الرشى في نافعتي الأوزاعي والدكوانة قضائيا منذ عامين، لم تطل التحقيقات نافعة طرابلس، وبقيت «تبيض ذهباً لكن ليس للموظفين بل لحالة ميليشياوية تدير النافعة من خارج الإدارة، لأكثر من 50 شبيحا من عرب منطقة الفوار في الشمال. إلا أنّ هذه «الدويلة» لم تكن إلا وليدة «دويلة» الدكوانة. 
فعمر تلك الدويلة من عمر تلزيم شركة إنكربت في النافعة. وهذه الميليشيا برئاسة المعقب خالد رعد، لم تكن إلا ذراعا لرئيس نافعة الدكوانة السابق أيمن عبد الغفور، وسياسيين يغطونهم في الشمال لإبقاء إنكربت في النافعة.
التشبيح، الترهيب والغطاء السياسي، هذه سمات دويلة نافعة طرابلس، إذ تفرض هذه المافيا الخوات بالقوة على كل معاملة، عبر ممارسة التهديد والضرب، وأكثر. 
هكذا، لم تعد إنكربت تُتهم بالإثراء غير المشروع على حساب النافعة، إنما باتت «دويلة» تهدد سيادة المرفق العام، و«هيبة» الدولة وسلامة المواطن ومؤخرا، «هيبة» وزير الداخلية بسام مولوي نفسه، مع تمرد «العربان» من المعقبين في نافعة طرابلس، على تعميم تطبيق قانون السير الجديد لناحية منع المعقبين من إجراء المعاملات في كافة فروع النافعة، وعملهم بالقوة فيه عبر ترهيب الإدارة، وهؤلاء المعقبون ليسوا إلا ذراع رئيس نافعة الدكوانة السابق أيمن عبد الغفور، وسياسيين نافذين في الشمال، لإبقاء سيطرة إنكربت في النافعة.
فهل يضحي مولوي بهيبته اليوم، كما تمت التضحية منذ العام 2016 بهيبة الدولة وسلامة الإدارة والمواطن على يد إنكربت وأذرعها في النافعة؟ 

معاملة نافعة الشمال: «حقها» أعصابك!

تخيّلوا أن جميع سكان محافظة الشمال اللبناني، مجبرون على إجراء معاملاتهم في نافعة واحدة، موقعها مجدليا-قضاء زغرتا، وتبعد عن طرابلس قرابة 20 دقيقة. 
ومعضلة «المركزية» و«المسافات»، مقدور عليها مقارنة بمعضلة «الدويلات». فما ينتظرك منذ أن تطأ فرامل سيارتك عتبة النافعة، ليس سهلاً. إذ سـ«تطبّ» عليك شلة من 15 رجلاً على أقلّ تقدير، هم غالبا في حالة استنفار شديد، وينطقون بسؤال موحّد: «شو عندك هون؟».
هذا ما حصل منذ أيام مع فريق «بيروت تايم» ويحصل يوميا ومنذ سنوات مع المواطنين. وحظّك «من السماء» إن اتّبعتَ تعليمات هؤلاء الرجال ذوي الصبر المحدود، فأخبرتهم بوضوح عن الخدمة التي تبغي إجراءها في النافعة وسلمتهم مهمة تسييرها. وإلا فأبواب جهنم ستفتح في وجهك، على قاعدة «خوة مقابل كل معاملة»، وإن لم يكن بخاطرك، فرغما عنك! 
هكذا «من رأى مصيبة غيره تهون عليه مصيبته»، فعلى عكس تمرير المعاملة عبر الرشى والخوة في الدكوانة كخيار أوحد يستسلم له المواطن في سبيل اجراء معاملته، ترتقي الرشوة في نافعة الشمال إلى مرتبة الخوة الإكراهية عبر ترهيب وتهديد المواطن والادارة على السواء، ما نتج عنه اعتداءات بالضرب وتكسير سيارات المواطنين مرارا، ولم ينج الموظفون أيضا من حوادث مشابهة، حتى أصبح المرفق العام برمته، رهينة حالة ميليشياوية تعتاش عليه.

إنكشاف المافيا

بتاريخ 16 آب الحاليّ، أصدر رئيس نافعة الدكوانة بالوكالة محمد عيد، تعميما، يهدف لتطبيق قانون السير الجديد، لناحية إلغاء مهنة المُعقّب، بعدما حجز المعقبون لهم حصة في نظام الرشى.
وطلب عيد في تعميمه «التشديد في تطبيق نص المادة 387 من قانون السير الجديد رقم 243 تاريخ 22/10/2012»، والتي تحظر على أي كان من غير اصحاب العلاقة أو أصولهم أو فروعهم أو الموكل عنهم قانونا دخول الإدارة المختصة وفروعها بغية إجراء أي معاملة.
وبتطبيق هذه المادة للمرة الأولى بعد 12 عاما من إقرار القانون، منع التعميم المعقبين الذين أنهى القانون مهنتهم من إنجاز المعاملات عن المواطنين، وطلب من كافة رؤساء الأقسام وفروع مصلحة تسجيل السيارات والآليات، التشدد في تطبيق مضمون هذه المادة، وصولا لـ«التنسيق بشكل فوري مع قوى الأمن الداخلي لضمان الالتزام بالقرار وتطبيقه بشكل دقيق وصارم وفوري».
ومع تطبيق القرار على معقبي بيروت «الصغار» (سنتناول في مقال قادم قضية السماسرة المحظيين)، لم يكن «عرب الفوار» في نافعة طرابلس ليستجيبوا للقرار، وهو المسيّرون الحقيقيون للعمل في نافعة طرابلس.

مكاتب السوق VS بلطجية النافعة

ترافق قرار وقف عمل المعقبين، مع منح مكاتب السوق كوتا قوامها،  6 معاملات تجديد دفاتر السواقة يوميا لكل مكتب.
هنا تفجرت موجة غضب غير مسبوقة لدى بلطجية نافعة طرابلس، إذ لم تسحب من بين أيديهم 6 معاملات يوميا عن كل مكتب، بمعدل 15 مكتبا في طرابلس، أي 90 معاملة يوميا وحسب، بل أن تعميم منع وجودهم في النافعة، سواء المعقبين منهم مع رخص قديمة، أو السماسرة الذين يعملون بأختام المعقبين، كفيل بمنعهم من قبض أي خوة عن أي معاملة، سواء معاملات تجديد دفاتر السواقة أو غيرها.
هنا وضع موظفو نافعة طرابلس بين نارين: النار الأولى تمثلت بتطبيق تعميم الرائد عيد، والنار الثانية تمثلت بعدم إغضاب بلطجية "العربان". وعوض الإستعانة بالأجهزة الأمنية لتطبيق التعميم وإخراج السماسرة والمعقبين من النافعة، استعان بهم الموظفون لتمكينهم من «الهرب» من النافعة منذ أيام والاعتكاف بعدها عن الحضور اتقاء لشرّ بلطجية عبد الغفور.
كان ذلك قبل أن يجري اتفاق مع بلطجية أيمن عبد الغفور، على منح مكاتب السوق أختامهم على بعض المعاملات ليتقاسموا كوتا الـ6 معاملات يوميا مع مافيا العربان، لإرضاء بلطجية عبد الغفور، وضمان وقف شرورهم.
لكن ما حصل اليوم، فاق التصور، فمع استئناف النافعة عملها، أجبر العربان المواطنين على منحهم وكالات عند باب النافعة، وعندما قرر رئيس المصلحة فهد الحزوري إيلاء معاملات المواطنين، تم تهديد أحد الموظفين، فقرر التوقف عن عمله لساعات، تفاديا لصادم معهم.

الإدارة بين نارين

تكتم وخوف شديدين يحيطان بدويلة العربان في نافعة طرابلس. فمصادرنا جميعها تكتمت عن أسمائها «ليس جبنا منا» كما يقولون إنّما لأنّنا «نواجه زعرانا والدولة لا تحمينا، بدلالة تقدمنا منذ سنوات بشكاوى عدة لوزارة الداخلية، لم تلقَ صدى إلى اليوم».
وتكشف المصادر أنّ مكاتب السوق هي الأخرى كانت مجبرة لأعوام على دفع خوة، لدى إجرائها معاملات في النافعة بالوكالة عن زبائنها. وشكّل نظام الخوة هذا، حرجاً كبيراً لهم، ومن تمرّد منهم، تعرّض للتهديد، وصولاً للضرب المبرح أو تحطيم سيارته».
والخوة مبلغ كبير، على قاعدة الشاطر بشطارته. فمنذ سنوات، تدفع خوّة عن كل معاملة، تتراوح بين 100 ألف ليرة إلى مئات الدولارات أحيانا. فالكشف عن السيارة وحده، مليون ليرة كتسعيرة معترف بها، لكن الابتزاز قد يجعل هذه الخوة تصل إلى 300 دولار.
أمّا العصا فلمن عصا سواء كان موظفا في النافعة أو مواطناً أو صاحب مكتب تعليم سواقة. وعدد السيارات التي خرجت من النافعة بلا إشارات أو بمحرك معطل، شاهد على ذلك.

علاقات بنواب المنطقة
«إنكربت»: الإستحواذ العابر للمناطق

ويدير العصابة المؤلفة من قرابة 50 شابا، معقبين اثنين هما خالد رعد وخالد طراد. علما أنّ غالبية الشباب سماسرة يضع لهم المعقبون أختامهم على المعاملات التي يجرونها، بينما المعقبون ممن أخذوا إذن مزاولة المهنة قبل إقرار قانون السير الجديد عام 2012، منهم، لا يتجاوزون 10 معقب.
ولعل أخطر ما في هذه الحالة الميليشياوية، أنّها لم تسيطر على النافعة بمجرد البلطجة وحدها، بل بقرار سياسي، أراد صانعو تلزيم «إنكريبت» من خلاله، السيطرة على نافعة طرابلس من خارج الإدارة، بما أنّهم لم يكونوا داخلها.
ويتضح ذلك عبر دلالات عدة، أبرزها:
-سيطرة هذه الميليشيا، بعد العام 2016 أي تزامنا مع عمل إنكربت في النافعة
-يتباهى رئيس الميليشيا خالد رعد بصوره مع نواب في الشمال، وهو على صلة وثيقة بعدد من نواب المنطقة.
-مجاهرة رئيس الميليشيا خالد رعد بأنّه «زلمة» أيمن عبد الغفور، رئيس نافعة الدكوانة سابقا، وهو الذي سبق أن أقفل النافعة «لعيون عبد الغفور» لدى توقيفه منذ عامين في ملف فساد النافعة.
وكما استحوذت إنكربت على نافعة الدكوانة، من إقفالها العام الماضي، إلى حجز داتا المواطنين وعدم السماح للموظفين بالولوج إلى نظام المعلوماتية، يستحوذ «رجالات» إنكربت من عبد الغفور وغيره، على نافعة طرابلس، التي تدرّ «عشرات آلاف الدولارات» لبلطجية عبد الغفور. ولسنا نبالغ بقيمة هذه الأرباح، بل أنّ خالد رعد نفسه اعترف في أحد فيديوهاته بذلك.

الإدارة متروكة لمصيرها

مسلسل الرعب هذا، ترك الموظفين لمصيرهم. في السياق، حاولت «بيروت تايم» التواصل مع رئيس الدائرة فهد الحزوري وموظفين آخرين، فتمنعوا عن الإجابة، لكن مصادر «بيروت تايم»، تؤكد أن الإدارة منفتحة على تطبيق قرار منع عمل المعقبين، لكن الحمل عليها كبير جدا.
وفي ظلّ رفض الموظفين التعليق على أعمال الترهيب التي يتعرضون لها، نعود لنشر بيان لهم منذ عام، أشاروا فيه بخجل لذلك، دون أن يسموا الأمور بأسمائها، إذ اشتكوا حينها مما أسموهم «جيران النافعة». وأعلنوا الإقفال «بسبب ما يتعرّض له الموظفون والمواطنون من اعتداءات وابتزاز من بعض سكّان المحلة».

نافعة ثانية شمالا؟

والمشكلة اليوم لا تُحلّ بتحرير الإدارة من الدويلة وحسب، بل عبر تحقيق قضائي يحاسب كل المتورطين باحتلال المرفق العام لسنوات، ولا يختصر بمحاسبة البلطجية، زلمة أيمن عبد الغفور وحسب، بل كل من كرّس دويلتهم واستفاد منها في النافعة.
أما خوف المواطنين من دويلة النافعة شمالا، فدفع بعضهم لحد المطالبة بنافعة ثانية، مع سيطرة مافيا على النافعة، حد عرقلتها لسير عمل المرفق العام ومنع تطبيق القوانين فيه.
علما أنّ الحديث عن نافعة ثانية دونما تحرير المرفق، لا يعدو كونه استسلاما للحالة الميليشياوية، تماما كما الحديث عن ضرورة إنشاء مطار ثان للتحرر من دويلة حزب الله في مطار بيروت، والذي لا يترافق مع الحديث عن ضرورة تحرير المطار من هذه الدويلة.
أما الحل فلا يكون بكسر المركزية وحدها عبر إنشاء نافعة ثانية، بل باقتلاع شوكة الفساد مركزيا كان أم عابرا للمناطق!