إنجاز جديد: لبنان بطل التدخين!
إنجاز جديد: لبنان بطل التدخين!
المعركة مع التدخين هي معركة صحة عامة، ومعركة لمواجهة نفوذ إقتصادي يضع أرباح شركات التبغ فوق حياة الناس.
في بلد إعتاد على «الإنجازات» الغريبة، يضيف لبنان لقباً جديداً إلى سجله: المرتبة الثانية عربيًا في نسب التدخين، وفق تقرير World population review للعام 2025. أكثر من ثلث اللبنانيين، تحديداً 34.1% من السّكان يمسكون بسيجارة أو نرجيلة يومياً. رقم صادم يعكس أزمة صحية وإجتماعية، لكنّه أيضاً يفضح عمق التطبيع مع ثقافة التبغ في المجتمع.
مأساة خلف الأرقام
وراء هذا «الإنجاز» المثير للرعب تختبئ مأساة أكبر. فاحصاءات وزارة الصحة تشير إلى أنّ التدخين يتسبّب بـ 9200 وفاة سنويًا مرتبطة مباشرة بالتدخين في لبنان، معظمها ناتج عن أمراض القلب وسرطان الرئة.
والأخطر أنّ هذه العادة لا تقتصر على الكبار، بل تمتد إلى الفئة العمرية الناشئة، إذ تشير بعض الدراسات إلى أنّ حوالي ال36% من المراهقين بين 13 و15 عاماً يدخنون، السجائر والأرجيلة فيما يتعرّض 7 من كلّ 10 أطفال يومياً للتدخين السلبي في منازلهم.
والمعطيات هذه تضع لبنان أمام ما يشبه «القنبلة الصحية المؤجلة»، حيث يتربّى جيل جديد على تقبّل السيجارة والنرجيلة كجزء طبيعي من الحياة اليومية.
قانون غائب تحت ضغط الشركات
في عام 2012، أُقرّ مجلس النواب القانون 174 الذي ينصّ على منع التدخين في الأماكن العامة بهدف حماية غير المدخنين، من وضع تحذيرات صحية على العلب، وتشديد الرقابة على الإعلانات. القانون سرعان ما بقي حبراً على ورق، بعدما اصطدم بحسب الخبراء بنفوذ شركات التبغ، وغياب أي خطة وطنية أو تمويل رسمي لتطبيقه. النتيجة واضحة: مقاهٍ ومطاعم تعجّ بالدخان، وبيئة يومية تشرّع التدخين بدل أن تحدّ منه. المقارنة مع دول مثل تركيا أو الأردن تبرز الفجوة: فبينما شدّدت هذه الدول رقابتها وفرضت ضرائب عالية، تراجع التدخين فيها بشكل ملموس، فيما بقيت النسب في لبنان ثابتة أو في ازدياد.
إقتصاد على حساب الصحة
يبرّر بعض المسؤولين هذا التراخي بحجّة أنّ التبغ يؤمّن عائدات ضريبية للخزينة. إنّما دراسة للبنك الدولي تشير إلى أنّ كلفة التدخين على النظام الصحي والإنتاجية تبلغ نحو 13 ضعفًا مقارنة بالإيرادات المحصّلة من بيعه، أي أنّ لبنان يخسر عملياً المليارات سنويًا بسبب أمراض مرتبطة بالتدخين.
معركة مؤجّلة
منظمة الصحة العالمية تؤكد أنّ تطبيق ستة إجراءات أساسية تعرف بإسم حزمةMPOWER: رفع الضرائب، منع الإعلان والترويج، توسيع المساحات الخالية من التدخين، دعم برامج الإقلاع، نشر الوعي، وتشديد الرقابة، يمكن أن ينقذ40 ألف حياة بحلول 2037 ويخفّف خسائر بمئات ملايين الدولارات. فهذه الإجراءات تطبَّق اليوم في أكثر من 100 دولة، بينما يبقى لبنان متأخراً عنها بخطوات كبيرة. والمفارقة أنّ لبنان، الذي يتصدّر أيضاً معدلات الإصابة بالسرطان في المنطقة، لا يزال يتعامل مع التدخين كأمر عادي.
لبنان يختنق
في مجتمع يرزح تحت أزمات مالية وإقتصادية خانقة، تبدو معركة مكافحة التبغ مؤجلة دائمًا، وكأنها رفاهية لا ضرورة. لكنّ الوقائع تشير إلى العكس: المعركة مع التدخين هي معركة صحة عامة، معركة لإنقاذ أجيال من مرض وموت مبكر، ومعركة لمواجهة نفوذ إقتصادي يضع أرباح شركات التبغ فوق حياة الناس.
السؤال الآن ليس فقط عن كيف وصل لبنان إلى هذه المرتبة العالمية، بل عن كم من الوقت يمكن أن يستمر بلد صغير في تحمّل كلفة «إنجاز» بهذا الثمن الباهظ؟