ترامب وجائزة نوبل للسلام.. هل يستحقها فعلاً؟

ترامب وجائزة نوبل للسلام.. هل يستحقها فعلاً؟

  • ٠٦ تشرين الأول ٢٠٢٥
  • جو حمّورة

هل ترامب يسعى لإنهاء نزاع مزمن، أم أنّه أراد فقط أن يسجل خطوة أخيرة قبل إعلان نوبل؟ إنّ الرجل فرض نفسه على جدول أعمال العالم. لكن النجاح الإعلامي لا يعني بالضرورة الإستحقاق التاريخي.

جائزة نوبل للسلام ليست جائزة بروتوكولية أو تكريماً عابراً. هي، في جوهرها، إعتراف بقدرة قائد أو مؤسّسة على صناعة إستقرار يتجاوز اللحظة السياسية إلى الأمد الطويل، وعلى معالجة جذور الصراعات بدل الإكتفاء بتهدئتها. لذلك، فإنّها لطالما إرتبطت بأسماء قادة تركوا بصمة على مسار التاريخ، لا بمجرد وساطات عابرة أو خطوات آنية.

 

لكن دونالد ترامب، الرئيس الأميركي، يرى الأمر بشكل مختلف. بالنسبة له، مجرد نجاح في وقف نزاع، حتى لو لوقت قصير، يكفي لتسجيل إنجاز عالمي. وقد كرّر مراراً أنّه يستحق جائزة نوبل، متهماً اللجنة النرويجية بأنّها «تعطي الجائزة لأشخاص لم يفعلوا شيئاً». ومن هنا، فإنّ النظر في سجل مبادراته يعكس بوضوح رغبته في أن يضع نفسه في مصاف صانعي السلام الكبار، حتى لو جاء ذلك عبر تحركات متسارعة، مرتبطة في بعض الأحيان باللحظة الإعلامية أكثر من إرتباطها بالإستراتيجية الطويلة المدى.

 

المثال الأبرز على ذلك كان مبادرته الأخيرة للسلام بين إسرائيل وحركة «حماس». المبادرة لم تكن مجرد تسريب أو تلميح، بل إعلان رسمي تضمن بنوداً محددة: تبادل رهائن، نزع سلاح «حماس»، نشر قوات دولية، إنسحاب تدريجي لإسرائيل، إنشاء منطقة إقتصادية خاصة، وإطلاق ورشة إعادة إعمار. مبادرة مكتملة العناصر، لكن ما يثير الإنتباه هو توقيتها. حوالي أسبوعين فقط قبل إعلان جائزة نوبل للسلام في العاشر من تشرين الأول.

 

السؤال هنا ليس عن مضمون الخطة، بل عن سبب إختيار هذه اللحظة تحديداً. فالنزاع بين غزة وإسرائيل ليس وليد الأسابيع الأخيرة. كان يمكن لأي مبادرة أن تُطرح قبل أشهر طويلة. لكن ترامب فضّل أن يعلنها في توقيت يسبق الجائزة مباشرة، كمن يضع ورقته الأخيرة على الطاولة في اللحظة التي تتجه فيها الأنظار نحو أوسلو. هذا التزامن لا يمكن فصله عن طموح ترامب بأن يُنظر إليه كمرشح طبيعي للجائزة، أو أن يُحرج اللجنة النرويجية إذا تجاهلته.

 

هذه المبادرة ليست الوحيدة في سجل ترامب. خلال الأشهر الماضية، أعلن عن سلسلة من المساعي التي قدّمها كإنجازات كبرى: إتفاق هدنة بين أرمينيا وأذربيجان، تفاهمات حدودية بين الكونغو ورواندا، تهدئة نووية بين الهند وباكستان، وقف لاشتباكات بين كمبوديا وتايلاند عبر الضغط الإقتصادي، تدخل مباشر بين إيران وإسرائيل لمنع التصعيد العسكري، ومحاولات دبلوماسية مع روسيا وأوكرانيا لم تُترجم بعد إلى تسوية نهائية. ستة ملفات في ستة أشهر، كلها عُرضت باعتبارها خطوات تاريخية نحو السلام.

 

هذه اللوحة تعكس طابعاً واحداً: نجاحات سريعة، نتائج فورية، لكنها غير مضمونة الإستمرار. كأنّ ترامب يضع علامات توقّف مؤقتة في مسار حروب معقدة، من دون أن يملك القدرة أو الرغبة في صياغة حلول جذرية.

 

ما فعله ترامب لا يمكن إنكاره. لقد نجح بالفعل في منع التصعيد في أكثر من ساحة، وأثبت أنّ الضغوط المباشرة، والتهديدات الإقتصادية أو العسكرية، يمكن أن تنتج حلولاً عاجلة. لكن الفرق بين هذا النهج وبين فلسفة نوبل يكمن في عمق النتائج. فالسلام الذي تصفه الجائزة لا يقوم على الإكراه المؤقت، بل على تسويات تُبنى عبر الثقة والمؤسسات وضمانات التطبيق.

 

وبهذا المعنى، تبدو مبادرات ترامب أقرب إلى السلام الرمزي، صور توقيع، بيانات رسمية، وتهدئة تُسجَّل في الإعلام. أما السلام الفعلي، الذي يعيش في الميدان وبين الناس، فيحتاج إلى أكثر مما يقدمه أسلوب ترامب. يحتاج إلى معالجة ملفات الهوية والسيادة والعدالة والموارد، وهي قضايا معقدة لم يدخل ترامب في تفاصيلها حتى.

 

يبقى السؤال الأساسي: هل تكفي هذه الإنجازات ليصبح ترامب مرشحاً طبيعياً لنوبل للسلام؟ مؤيدوه يقولون نعم، فالرجل منع نزاعات كبرى، وفتح قنوات حوار، وخلق لحظات سلام نادرة في عالم متوتر. منتقدوه يرون العكس، فالمبادرات لم تعِش طويلاً، وغالباً ما كانت مرتبطة بحسابات داخلية أو برغبة في صناعة صورة دولية، أكثر من إرتباطها بسلام مستدام. على جميع الأحوال، هل من بديل عنه يستحق الجائزة؟ هل تعرفون أحداً قام بما قام به ترامب في السنة الأخيرة؟

 

ولعلّ التوقيت مع مبادرة غزة يختصر كل الجدل. هل كان ترامب يسعى فعلاً لإنهاء نزاع مزمن، أم أنّه أراد فقط أن يسجل خطوة أخيرة قبل إعلان نوبل ليضع اللجنة أمام خيار محرج؟ في الحالتين، تبقى الحقيقة أنّ الرجل نجح في فرض نفسه على جدول أعمال العالم. لكن النجاح الإعلامي لا يعني بالضرورة الإستحقاق التاريخي.

 

أما إذا لم يحصل ترامب على الجائزة، فإنّ العالم سيواجه ولادة مفاجئة لتحدٍ جديد. القادة الذين يوقفون النزاعات لأيام أو أسابيع فقط، من دون متابعة أو إستراتيجيات مستدامة، سيظل لديهم الشعور بأنّ السلام يمكن تجاهله، وأنّ المبادرات المؤقتة كافية. كذلك الأمر، فإنّ عدم منح ترامب الجائزة قد يضعف أي نموذج للتدخّل السريع والوساطة الشخصية، وربما يدفع أقوى رجل في العالم إلى عدم الإكتراث بأي سلام جديد. إذا لم تحصل مبادرات ترامب على التقدير الذي يسعى إليه ويرى أنّه يستحقه، فإنّ العالم قد يكتشف سريعاً حجم الفراغ الذي تتركه خطوات السلام المؤقتة، وما يترتب عليه من تداعيات حقيقية على الناس والحروب.