مكارثية الـ 2024.. شبح ينتاب حملة هاريس

مكارثية الـ 2024.. شبح ينتاب حملة هاريس

  • ١١ أيلول ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

«إنّها ماركسية_ الجميع يعرف إنّها ماركسية»، قالها المرشح الرئاسي دونالد ترامب عن منافسته كمالا هاريس، في مناظرة أمس. وأكمل «والدها أستاذ ماركسي في الاقتصاد، وقد علمها جيداً». منذ تنحي الرئيس الأميركي جو بايدن، وإعلان ترشيح هاريس مكانه، وتمحور هجوم ترامب عليها بأنّها «ماركسية» و«شيوعية».

خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي، شنّ السيناتور الأميركي جوزيف مكارثي هجوماً مستمراً على النفوذ الشيوعي المشتبه به في الحكومة الأمريكية، حتى باتت «المكارثية» رمزاً لمعاداة الشيوعية في الولايات المتحدة.

 وكتب في عام 1950 «بعد خمس سنوات من إنتهاء الحرب العالمية، كان ينبغي أن تتطلع قلوب الرجال إلى سلام طويل، وأن تتحرر عقولهم من العبء الثقيل الذي يأتي مع الحرب. ولكن هذا ليس وقتاً للسلام؛ فهذا ليس عصر السلام. إنّه زمن الحرب الباردة. إنّه زمن إنقسام العالم إلى معسكرين مسلحين ضخمين ومتزايدي العداء؛ زمن سباق التسلح الكبير... في رأيي، فإنّ وزارة الخارجية، التي تعد واحدة من أهم الدوائر الحكومية، مملوءة بالشيوعيين. لدي في يدي 57 حالة لأفراد يبدو أنّهم إما أعضاء حاملين لبطاقات الحزب الشيوعي أو على الأقل موالين له، لكنهم مع ذلك لا يزالون يساهمون في تشكيل سياستنا الخارجية».

بعد 34 عاماً على سقوط الاتحاد السوفياتي، لا تزال رهاب الماركسية ينتشر في الولايات المتحدة، وأي طرح اقتصادي خارج الرأسمالية الكلاسيكية، يوصف بأنّها تدابير إشتراكية. في قراءة لبرنامج هاريس الاقتصادي، القائم على فكرة «اقتصاد الفرص»، والذي تعنى به بالدرجة الاساسية الطبقة الوسطى، حيث أعلنت عن خطط تشمل خفض أسعار البقالة والأدوية ومعالجة أزمة الإسكان، يبدو أقرب لما يوصف بـ «دولة الرعاية الاجتماعية»، المعتمدة في الدول الأوروبية.

تهدف هاريس في أول 100 يوم لها في الرئاسة، على إقرار حظر وطني على «الاحتكار السعري» للطعام، وستمنح لجنة التجارة الفيدرالية والمدعين العامين الصلاحيات لملاحقة الشركات التي يتبين أنّها تلاعبت بالأسعار، وستدعم الشركات الصغيرة، وتحقق بشكلٍ أكثر دقة في الاندماجات بين شركات البقالة الكبيرة، وتحقق في التلاعب بالأسعار في سلاسل توريد، خاصة اللحوم.

كما ستعمل على توفير 25 ألف دولار كمساعدات في دفعات الشراء الأولى لمشتري المنازل لأول مرة، في إطار تخفيف عبء الإسكان. كما تدعو إلى إنشاء ثلاثة ملايين وحدة سكنية جديدة خلال السنوات الأربع القادمة، مقترحةً فرض ضريبة على الشركات المطورة التي تبني منازل ابتدائية، واستثمار 40 مليار دولار في «صندوق الابتكار» لمعالجة نقص المساكن.

وستوسع الضريبة على المطورين الذين يبنون وحدات سكنية للإيجار بأسعار معقولة، وتدعو الكونغرس لتمرير تشريعات لوقف ما تصفه بـ «المستثمرين الجشعين»، الذين يشترون المنازل المؤجرة، ويتعاونون لرفع أسعار الإيجار.

كم تسعى في توسيع الإئتمان الضريبي على الدخل المكتسب للعمال في الوظائف منخفضة الدخل، ما سيخفض الضرائب حتى 1,250 دولارًا، وأشارت في السابق إلى أنّها ستستمر في وعد الرئيس جو بايدن، بعدم رفع الضرائب على الأسر الأمريكية التي تكسب 400,000 دولار أو أقل سنويًا، وتدعم زيادة الضرائب على الأثرياء والشركات الكبيرة.

وفي إطار حماية الطبقة الوسطى، تقترح إلغاء الضريبة على الإكراميات للعاملين في الضيافة والخدمات، وخفض التكاليف على الدواء، خاصة الأنسولين، بسقف 35 دولار، وحد أقصى للنفقات من الجيب على الأدوية الموصوفة بمبلغ 2,000 دولار سنويًا، كما قالت إنّها ستسرع من مفاوضات ميديكير بشأن أسعار الأدوية، بعد إعلان إدارة بايدن عن اتفاقية لخفض التكاليف على 10 أدوية.

كما ستعمل على إلغاء ديون الأميركيين الطبية، وتوسيع الإعانات لخطة قانون الرعاية الميسرة، ما سيوفر للمشتركين في التأمين الصحي ما متوسطه 700 دولار في أقساط التأمين الصحي. ودعت في خطاب لها في لاس فيغاس في آب الماضي، إلى رفع الحد الأدنى للأجور، دون تحديد السقف. متعهدةً بالحفاظ على استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، فيما ترامب قال إنّ «الرئيس يجب أن يكون له رأي» في قرارات الاحتياطي الفيدرالي، وهنا يبدو ترامب أكثر إشتراكيةً من هاريس، فاستقلالية المصارف المركزية، أحد أبرز ركائز الأنظمة الراسمالية، وتصل أحياناً إلى اعتبارها غير معنية بالاجور والاسعار، وبالتالي معيشة الناس، وحصر دورها بالسياسات النقدية.

حماية الطبقة المتوسطة، وفرض ضرائب على الأثرياء هو نقاش يجري اليوم بين الرأسماليين أنفسهم، ولم يعُد النقاش محصوراً بالحد الأدنى للأجور، وبات يتمحور حول الحد الأقصى للثروة، ورفع الضرائب على الأثرياء، فأحد أكبر المستثمرين في عالم، وارن بافيت، قال إنّه يدفع معدل ضرائب أقل من معدل ضرائب سكرتيرته، وكان معدل الضريبة الحقيقي الذي فرض على بافيت بين عامي 2014 و2018، هو 0.10 في المئة. ودعا إلى «المشاركة في التضحية».

يجري هذا النقاش بعد أن إتسعت الفجوة بين الأثرياء والفقراء بشكلٍ كبير، وباتت تهدّد الأمن الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين. حيث أنّ رواتب المديرين التنفيذيين في أكبر الشركات في الولايات المتحدة، ارتفعت قرابة الـ 1500 في المئة على مدى السنوات الـ 45 الماضية، مما ساهم في تضخيم التفاوت الكبير في الأجور بينما تأخرت أجور العمال، واستمر هذا الإرتفاع أثناء جائحة كورونا الأخيرة، فيما فقد ملايين العمال وظائفهم في السنة الأولى من الجائحة، وتراجعت أجورهم في السنة الثانية بسبب التضخم، أما تعويضات المدراء التنفيذيين، فارتفعت بنسبة 30.3 في المئة بين عامي 2019 و2021، فيما أجور العمال زادت بنسبة 3.9 في المئة فقط، في الفترة نفسها.

التفاوتات أكثر وضوحًا فيما يتعلق بالنوع الاجتماعي والعرق. فالقوى العاملة ذات الأجور المنخفضة تتألف بنسبة كبيرة من النساء والسود والبشرة السمراء، بينما 1 في المئة فقط من المديرين التنفيذيين في أكبر 500 شركة أمريكية هم من السود، و2.4 في المئة من الآسيويين، و3.4 في المئة من اللاتينيين، و6 في المئة من النساء.