مَن غطى قانونياً سرقة أموال المودعين؟

مَن غطى قانونياً سرقة أموال المودعين؟

  • ١٢ أيلول ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

بيار كنعان، مستشار قانوني، مدير الدائرة القانونية في مصرف لبنان، وظّف كل خبرته وفهمه للقانون وتحديداً الملتوي منه، في خدمة رياض سلامة، لتبرير إحتيالاته، عبرالقانون.

دخل المصرف المركزي في التسعينيات، وكان يعمل في المصرف توفيق شمبور، كمستشار قانوني، الرجل الذي ثابر سلامة على تحجيم دوره، حتى ازاحته، ليسطع نجم كنعان، وينفذ خطط سلامة. كان يفترض به المثول اليوم أمام القاضي بلال حلاوي، كشاهد في قضية الحاكم السابق رياض سلامة، لكنه لم يحضر، بحجة عدم تبليغه قبل ثلاثة أيام.

في عهد الحاكم السابق ادمون نعيم، كانت القرارات ثاقبة قانونياً، ونعيم نفسه عزا الامر إلى مناقبية المستشار القانوني يومها، المحامي توفيق شمبور. 

عندما بدأ رياض سلامة القيام بمخالفات في قانون النقد والتسليف، وخاصة في موضوع التوظيف، متخطياً آلية التوظيف، من مقابلات وإمتحانات، خاصة في المواقع الرئيسية، قدم توفيق شمبور مطالعاته القانونية، معترضاً على مخالفاته. وأولى المخالفات، كانت تعيين بيار كنعان مديراً على الدائرة القانونية، حيث أن تعيين مستشار يكون بهدف تنفيذ مهمة محددة مع المصرف، وليس في منصب إداري. وعندما بدأت الأصوات داخل المركزي تعترض على سياسات سلامة، حيّد الخبراء في القانون، وأتى ببيار كنعان. 

يوم وصل سلامة إلى حاكمية المصرف، كان يقدم له بيار كنعان الدراسة القانونية التي تناسبه، أما شمبور فكان يعطي دراسة مختلفة. بقيت آلية العمل هذه سارية حتى أدت إلى مشكلة داخل المصرف، فاقتُرح تشكيل لجنة من الخبراء في القانون  أو من القضاة، لتعطي رأياً في  المقاربات التي وقع خلاف حولها في الدائرة القانونية، وبعد رفض سلامة، عرض شمبور تقديم استقالته وبعد تدخلات ووساطات، خلق سلامة مديرية جديدة للشؤون الخارجية. ليحجم دور شمبور في الداخل، وليسيطر كنعان على الاستشارات القانونية للمصرف.

لكنعان فتاوى قانونية كارثية، مهدت للأزمة اليوم، ولسرقة أموال المودعين. إحدى فتاوى بيار كنعان ما يعرف بـ «موجودات أخرى»، على قاعدة أنّ المصارف المركزية لا تخسر، لأنّ لديها سياسة طبع العملة SEIGNORAGE، أي الربح الذي يحققه المصرف من إصدار العملة، فيمكن تسديد خسائره بطبع العملة. وما أفتى به كنعان  أيضاً أنّه يمكن للمركزي أن يجمع خسائر بالدولار، وهي التي أدت إلى خسارة أموال المودعين. كان كنعان موجوداً في كل عقد بين المصرف المركزي وأي طرف ثاني، منها العقود مع «اوبتيموم»، والهندسات المالية مع المصارف.

في عهد الحاكم السابق ادمون نعيم، كان المصرف المركزي يعلن الاحتياطي الصافي، أي من دون التزامات، ومنذ عهد رياض سلامة توقف الإعلان عن الاحتياطي الصافي. فقد قال له كنعان أنّ المصارف المركزية غير ملزمة بإعلان الاحتياطي الصافي، لأنّه في حال قام بذلك سيعلم المضاربين على العملة مدى قوته، وبالتالي يقدم سراً من أسرار الدولة لهم، وتوقّف الإعلان عن الإحتياطي الصافي عام 2002.  

الخطير  في الأمر أنّ المصرف كان يصرح عن احتياطات عالية، وعلى أساسها توقفت المضاربات على الليرة، ليتبين أنّ هذه الإحتياطات غير صافية، وهي من أموال المودعين، فالأموال نهبت في المصرف المركزي، فهو خلط أموال المودعين مع الإحتياطي، ولم يعُد يفرّق بين شهادات إيداع للمودعين، وبين ما هو احتياطي صافي خاص فيه. وباتت كل هذه الأموال ملكه ويحق له التصرف بها كما يشاء.

كافأ سلامة كنعان بابقائه في المصرف، فعندما بلغ بيار كنعان سن التقاعد، كان يفترض به ترك المصرف، قام رياض سلامة بامضاء عقد معه، دون أن يمر عبر مديرية الشؤون القانونية في المصرف، لتعطي مراجعتها القانونية فيه، وفي المادة التاسعة من العقد، ينص على أنّ كل خلاف ينشأ من  تفسير وتنفيذ العقد، يفصل فيه بطريقة التحكيم المطلق. لم يلحظ العقد الإجراءات، الني يقتضي اتباعها في مجال التحكيم، وفقاً لما هو منصوص عليه في المادة 762 وما عليها من قانون أصول المحاكمات المدنية، وذلك بغية عرض الموضوع على المجلس المركزي، للموافقة عليه، عملاً باحكام الفقرة 8 من المادة 33 من قانون النقد والتسليف.

على ضوء هذا العقد، تمّ تكليف بيار كنعان بمهام منصب مدير الشؤون القانونية في مصرف لبنان، والقيام بكل الاعمال التي من مسؤولية رئاسة هذه المديرية، ما يخالف أحكام الفقرة «ج»، من المادة 2 من نظام المستخدمين لدى مصرف لبنان، معطوفة على الفقرة 3 من المادة 26 من قانون النقد والتسليف، على اعتبار أنّ التعاقد مع الاختصاصيين يكون بصفة مستشار، أو لمهام خاصة، وهي تنحصر بالمهام الدراسية أو استكمال تجريب مهني وظيفي في مصرف لبنان، في الوقت الذي يعتبر تكليفه بمنصب مدير لاي من مديريات مصرف لبنان غير قانوني، لأنّ هذا الموضوع يخضع لشروط نظام المستخدمين، الذي وضع تنفيذاً لاحكام المادة 66 من قانون العمل، والفقرة 9 من المادة 33 من قانون النقد والتسليف.

كما تمّ تكليفه بمتابعة عمله كمستشار في لجنة الرقابة على المصارف، وهي لجنة يفترض أن تكون مستقلة عملاً باحكام المادة 8 من القانون 28/67، ولا تخضع لسلكة المصرف المركزي، وعملاً باحكام المادة 8 من القانون 28/67، تاريخ 9/5/1967، وبالتالي لا يستقيم الجمع بين التكليف بمهام منصب مدير الشؤون القانونية في مصرف لبنان والتكليف بمتابعة مهام المستشار القانوني للجنة الرقابة على المصارف، فهو بات يراقب نفسه، ما يثير التساؤلات على شفافية رقابة اللجنة على المصارف ومصرف لبنان.

لا يزال كنعان مستشار لجنة الرقابة، وفي كانون الأول 2023، جدد حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري العقد مع كنعان، ما يلغي كل أقاويل الحاكم بمسعاه لتصحيح مسار المصرف، والا لماذا لاتزال الدائرة الضيقة برياض سلامة تعمل بشكلٍ طبيعيّ في مصرف لبنان؟