عقيدة كارتر

عقيدة كارتر

  • ٠٨ تشرين الثاني ٢٠٢٤
  • تيريزا كرم

من جيمي كارتر إلى أوباما، ثم إلى ترامب... هل مبدأ سياسة كارتر نحو الشرق الأوسط ما زال قائماً؟


منذ السبعينيات، إرتبطت العديد من الحروب في العالم بمصادر الطاقة وعلى رأسها النفط بشكل أو آخر، ما جعل الولايات المتحدة تولي إهتمامًا بالغًا بمصالحها في منطقة الخليج العربي. وفي هذا السياق، يمكن إعتبار «عقيدة كارتر» التي أعلنها الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في خطاب حالة الإتحاد أمام الكونغرس في كانون الثاني 1980 بمثابة نقطة تحوّل في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. العقيدة، التي تقضي باستخدام القوة العسكرية لحماية مصالح الولايات المتحدة في الخليج، لا تزال محل جدل حول مدى استمرار فعاليتها في العصر الحديث.
عقيدة كارتر: نشوء وتطبيق

تمّ إعلان عقيدة كارتر كرد فعل على غزو الإتحاد السوفياتي لأفغانستان عام 1979. حينها أشار كارتر إلى أنّ هذا الغزو يشكل تهديدًا للأمن القومي الأمريكي، خاصة فيما يتعلق بحريّة تدفّق النفط في منطقة الخليج. وفي خطابه، أوضح أنّ الولايات المتحدة ستستخدم كل الوسائل اللازمة، بما في ذلك القوة العسكرية، لحماية مصالحها الحيوية في الخليج العربي. هذه السياسة، التي واصل الرئيس رونالد ريغان تبنيها لاحقًا، وضعت الولايات المتحدة في موقع استراتيجي يسمح لها بالهيمنة على التدفقات النفطية العالمية وضمان أمن حلفائها في المنطقة.

 

تحولات في السياسة الأمريكية: من كارتر إلى أوباما وترامب

 

على الرغم من أنّ عقيدة كارتر إستمرت في توجيه السياسة الأمريكية حتى بداية الألفية الجديدة، فإنّ تحولات رئيسية شهدتها المنطقة قد أثرت على تطبيق هذه السياسة. فمنذ ولاية الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، بدأ يظهر تراجع ملحوظ في الإهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط. هذا التراجع جاء في وقت تصاعدت فيه التحديات العالمية، خصوصًا مع صعود الصين وتزايد الضغوط الإقتصادية والسياسية في الداخل الأمريكي. لم تقُم إدارة أوباما بالتدخّل العسكري المباشر في العديد من الأزمات، بما في ذلك الثورة السورية والإتفاق النووي مع إيران، الذي أشار البعض إلى أنّه كان بمثابة تغيير جذري في السياسة الأمريكية تجاه الخليج.

أما في عهد الرئيس دونالد ترامب السابق ، فقد عادت التوترات مع إيران إلى ذروتها. لقد إنتقد ترامب الإتفاق النووي مع إيران، الذي وقعته إدارة أوباما، واعتبره «أحد أكثر الصفقات فشلاً على الإطلاق». وانسحبت الولايات المتحدة من الإتفاق في حزيران 2018، متبنية سياسة «الضغط الأقصى» على إيران. هذه السياسة أدت إلى تعزيز العقوبات الإقتصادية وزيادة العزلة الدولية لإيران، مما أثر سلبًا على إستقرار المنطقة.

 

هل ستظل عقيدة كارتر سارية في ظل المتغييرات الجديدة؟

 

بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، أصبح السؤال الأكثر إلحاحًا هو ما إذا كانت الولايات المتحدة ستستمر في تهميش الشرق الأوسط، أم أنّ إستراتيجية «عقيدة كارتر» ستظلّ قائمة. في حال قررت الولايات المتحدة تقليص وجودها العسكري في المنطقة، كما يروّج البعض، فسيؤدي ذلك إلى تغيير جذري في التوازنات الإقليمية، خاصة مع تصاعد المخاوف من إيران وسياستها التوسعية. كما أنّ تفاقم الأزمات الإقتصادية والعسكرية قد يعيد واشنطن إلى صدارة الأحداث في المنطقة، في ظل التهديدات الإيرانية المستمرة.

فمنذ مغادرة ترامب منصبه في عام 2020، عملت إيران على زيادة تخصيب اليورانيوم، وزيادة صادراتها النفطية، كما عزّزت دعمها للجماعات المسلحة في المنطقة، وفي سابقة لم تحصل في الماضي قامت بإستهداف إسرائيل مباشرة مرتين. ومع ذلك، ومع استمرار إسرائيل في استهداف قدرات إيران الإقليمية من خلال ضرب وكلائها، تجد إيران نفسها تفقد قوتها الرادعة وسط الأزمات الإقتصادية والسخط الداخلي المتزايد.

 

دور الخليج في معادلة السياسة الأمريكية

 

في الوقت ذاته، هناك دور مهم لدول الخليج في هذا السياق. من ناحية، تسعى بعض هذه الدول إلى دعم الولايات المتحدة، ولكن دون إغضاب إيران. هذا التوازن المعقد يظهر بوضوح في مواقف الدول مثل الإمارات، التي تحاول إدارة علاقاتها مع الغرب في الوقت الذي تسعى فيه لتخفيف التوترات مع إيران، خصوصًا في ظل التهديدات المتزايدة من جماعة الحوثي.

في عهد ترامب، إزدهرت العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، خصوصًا مع اختياره الرياض كأول محطة خارجية له كرئيس في عام 2017. لكن هذه العلاقات قد تتأثر إذا قرر ترامب العودة إلى تبنّي سياسة أكثر حزمًا تجاه إيران.

 

عقيدة كارتر في عهد بايدن

 

أما إدارة بايدن، فواصلت نهجًا يختلف جزئيًا عن سياسة ترامب . فقد تبنت إدارة بايدن دبلوماسية أكثر توجهاً نحو التفاوض، ولا سيما فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني. وعلى الرغم من أنّ ذلك يعكس تحولًا في السياسة الأمريكية، إلّا أنّ المصالح الإستراتيجية لأميركا في الخليج العربي، بما في ذلك الحفاظ على تدفّق النفط واستقرار أسواقه، تظلّ حجر الزاوية في التفكير الاستراتيجي الأمريكي.

 

التحديات المستقبلية

 

في النهاية، يظل السؤال حول استمرار عقيدة كارتر في مواجهة التغيرات السياسية والإقتصادية في المنطقة قائمًا.
ومما لا شك فيه،أنّ رغبة واشنطن في عدم الخروج من منطقة الشرق الأوسط تبقى جزءًا أساسيًا من استراتيجيتها العالمية، حيث تشكّل المنطقة جزءًا لا يتجزأ من أمنها القومي. كما أنّ مصالحها الإقتصادية والجيوسياسية في الخليج العربي تظلّ عاملاً محوريًا في تحديد سياساتها. ورغم تحوّل الإدارات الأمريكية وتغيّر أساليب تطبيقها، تظلّ عقيدة كارتر، بما أسست له من ثوابت في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، ركيزة أساسية قد تستمر في التأثير على الإستراتيجيات الأمريكية، رغم التغييرات. في الوقت ذاته، تسعى واشنطن إلى دفع حلفائها الإقليميين إلى لعب دور أكبر، وتقليل إعتمادهم عليها، مع السعي لتأسيس نظام إقليمي جديد يشمل إسرائيل والدول العربية في هيكل مندمج. هذا التحوّل يعكس التغيّرات الجيوسياسية العالمية، التي فرضتها المنافسة الكبرى بين القوى العظمى، حيث بدأت القوى المتوسطة في لعب دور أكبر في إدارة شؤونها الإقليمية بشكل مستقل عن القوى العالمية الكبرى.