ترامب يستذكر صديقه عمرو بن العاص
ترامب يستذكر صديقه عمرو بن العاص
هل يكرّر ترامب أسلوبَه «المتسلّط والتحريضي» أم يتّبع دهاءً جديداً ليحكم ويضمن مستقبله السياسي، خاصةً مع تغيّر أولوياته السياسية؟
لم يأتِ فوز المرشّح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركيّة دونالد ترامب مفاجئاً كما اعتقد بعض المراقبين والمواكبين للعمليّة الإنتخابيّة، التي سرت بشكل ديمقراطي هادىء أعاد واشنطن إلى مربع الديمقراطيّة والروح الرياضيّة في العمل السياسي، والحقّ أنّ المشهد الهادئ يخفي وراءه صراعاً على الساحتين السياسيّة الداخليّة والسياسيّة العالميّة، بدءًا من التشويق الذي حصل خلال الحملات الإنتخابيّة الجمهوريّة والديمقراطيّة، إلى إخفاقات بايدن والصراع الديمقراطي- الديمقراطي، مروراً بالنقاط التي حققتها هاريس (كإشرافها غير المعلن على شخصيات مثل رئيس حركة حماس اسماعيل هنيّة والأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله وخليفته المحتمل السيّد هاشم صفي الدين وغيرهم)، وصولاً الى تملّص ترامب من فضيحته الجنسيّة مع الممثلة الاباحيّة ستورمي دانيال، وفضيحة تسريب الوثائق من البيت الأبيض، هذه المغامرات أضفت طابعًا تشويقيًّا ساهمت في ديمومته إستطلاعات إيبسوس ورويترز وفوكس نيوز، والتي جعلتنا رغمًا من الحروب نترقب هذا الحدث الكوني ونسأل كيف وصل ترامب إلى البيت الأبيض بفرق جنوني شاسع؟
ترامب إستعان بصديقه عمرو بن العاص
حين رفع الخليفة الأمويّ معاوية بن أبي سفيان المصاحف بوجه علي بن أبي طالب وجيشه لتشكّل حاجزاً بين الطرفين لحلّ النزاع على الخلافة، اختار الأول عمرو بن العاص وفقًا لما جاء في الروايات حكمًا له، واختار الثاني أبو موسى الأشعري حكمًا حكيمًا له ولشيعته، وقد لعب إبن العاص على عاطفة الأبوّة لدى الأشعري واستطاع إنتزاع الخلافة من علي بن أبي طالب بفعل مجاملة الأشعري وحثّه على خلع علي من الخلافة كخلع الخاتم من يده، حدث تاريخيّ ولد كرهًا تجاه الأشعري وأنتج الخوارج الذين قرّروا التخلّص من الطرفين. رواية قد استحضرها دونالد ترامب بشكل لاواعٍ وغير شفوي، عبر حملاته الإنتخابيّة ومناظرته بوجه هاريس حين شدّد على رفض الإجهاض، ومحاربة المثليين والتخلّي عن خطاب العداء الغليظ ضد إيران ووكلائها مستبدلًا إياه بخطاب يطمئن العرب والمسلمين بإحلال السلام في الشرق الأوسط، لفظة استخدمها ترامب في خطاب النصر وتنمّ عن حيلة ودهاء كونها عبارة عامّة لا تحمل تخصيصًا أو إطنابًا وإسهابًا حول طبيعة السلام ولصالح من وكيفيّة تحقيقه، والحقّ أنّ المرشح الفائز عمد إلى تشكّر العرب والمسلمين على التصويت له ليستجدي العواطف رغم أنّهم بشكل أو بآخر في قاموسه مجرّد مهاجرين شرعيين لكنّه استطاع إستدراجهم إلى معسكره، واليوم عبر الضخّ الاعلامي المضاد لترامب وخبايا الإعلامين العربي والدولي تسيل التوقعات باغتيال ترامب، بعد توظيف الأخير لعدّة محاولات وصفت معظمها بالسينمائيّة الهوليووديّة، ما يجعل ترامب رئيسًا يتحوّل إلى نقطة تستجدي التعاطف والدعم عبر الحيلة والمكر.
دروس ومواقف إستفاد منها
في باكورة أعماله البحثيّة السياسيّة يشرح الصحفي في جريدة النهار حسين جرادي مسار ترامب نحو الفوضى في الإنتخابات الأميركيّة السابقة ضد بايدن، ففي كتابه « تذكروا هذا اليوم إلى الأبد»(دار النهار -2023) يظهر جرادي العنجهيّة والتسلّط الذي تعامل به ترامب مع حملته الإنتخابيّة ومع نائبه الخاص مايكل بنس، الذي رفض الرضوخ لتصرفاته اللاقانونيّة، والتي أدّت الى التحريض الشعبي لاقتحام الكونغرس، وانتهت بخروج ترامب مهزومًا إنتخابيًّا وشعبيًا. أما اليوم فالعمل سيكون منكبًّا على الحرب الإقتصاديّة التي ستُخاض ضدّ الصين والهند وإبقاء اليابان تحت جناحيه، وعبر البدء برسم خارطة لشرق أوسط جديد، وإيقاف حرب أوكرانيا، والإستمرار بدعم الرياض كوسيط لإنهاء حرب السودان، والعمل على الإنكفاء عن الشرق الأوسط سواء بالخروج من سوريا والعراق بعد تجارب 2011 و 2003 وترك غزّة ولبنان لمشيئة نتنياهو الذي سيسعى لتحقيق إنتصارات عبر المزيد من الإغتيالات لضمان أغلبيّة ساحقة في الكنيست في آذار 2025.
وقد أدرك ترامب أنّ خطابه المتطرّف والإلغائي لم يعُد مفيداً وسينهي مستقبله السياسي، فبدأ بصمت بتشكيل إدارته المنتظرة متجاهلاً تعهداته السابقة بشأن السلام في الشرق الأوسط. وهذا يطرح سؤالاً واحداً: كيف ستكون لغة ترامب السياسيّة وهل سيتشبث بتجربته السابقة التي يصفها أخصامه بالمجنونة؟