القنابل العنقودية: إرث الحرب الذي يحاصر أرض الجنوب وأهله
القنابل العنقودية: إرث الحرب الذي يحاصر أرض الجنوب وأهله
«لا توجد حرب تنتهي حقًا، تبقى ذكرياتها تسكن قلوب من عاشها» هكذا وصف إرنست همنغواي آثار الحروب، لكن في حالة الحرب الإسرائيلية، لا تبقى الذكريات فقط. بل تبقى القنابل العنقودية غير المنفجرة، تهدّد حياة الآلاف لعقود«
قبل ان يتمكن لبنان من إزالة القنابل العنقودية التي ألقتها إسرائيل خلال حرب تموز 2006، يواجه اليوم الخطر مجدداً من جراء الحرب الأخيرة. تشير بعض المصادر في الجنوب إلى أنّ الجيش الإسرائيلي قد استخدم هذا النوع من الأسلحة مرة أخرى خلال إستهدافه لبنان، ما حوّل الأراضي الجنوبية، وخاصة الزراعية، إلى حقول محروقة مليئة بالتهديدات المميتة.
وفقًا للمصادر الميدانية في الجنوب، يتم إلقاء القنابل العنقودية على الحقول والأراضي الزراعية، ما يعيق زراعتها مستقبلًا، ويضع المزارعين في مواجهة خطر التفجّر.
جهود إزالة القنابل العنقودية
قبل بدء الحرب الأخيرة في أيلول 2024 ، كان «المركز اللبناني لنزع الألغام» قد طلب تمديد عمله لمدة أربع سنوات لاستكمال إزالة القنابل العنقودية المتبقية من حرب 2006. لكن لمعرفة مدى استخدام هذا السلاح في الحرب الحالية يتطلب معاينة ميدانية بعد انتهاء الحرب
. من جهته، أصدر حزب الله بيانًا في تشرين الأول الماضي يتهم فيه إسرائيل باستخدام القنابل العنقودية في محافظة النبطية، مطالبًا المنظمات الدولية بإدانة هذه الجريمة. وأشار البيان إلى إستهداف مناطق مثل وادي الخنازير ووادي الحجير بأعداد كبيرة من هذه القنابل.
حوالي 58موطنا قتلوا بسبب القنابل العنقودية في العام 2006
«الوكالة الوطنية للإعلام» كانت قد أفادت بأنّ الطائرات الحربية الإسرائيلية رمت أكثر من 5 ملايين قنبلة في تموز 2006، أدت حتى العام 2020 إلى مقتل نحو 58 مواطناً وجرح نحو 400 آخرين أصيب العديد منهم بإعاقات وأغلبهم بُترت أقدامهم، أو فقدوا أعينهم وغالبيتهم من المزارعين أوالرعاة.
خطر القنابل على الزراعة والمزارعين
الأثر الأكبر لهذه القنابل على المزارعين، فقد تصبح مساحات شاسعة من الأراضي غير صالحة للزراعة بسبب القنابل العالقة على الأشجار أو تحت الأرض. ومع هطول الأمطار، تغور في أعماق التربة، ما يحوّل الأراضي إلى أفخاخ مميتة.
في مناطق مثل بلدة حميلة في قضاء النبطية، التي تمتليء حقولها بالقذائف العنقودية، يعيش المزارعون حالة من الخوف المستمر.
ما هي القنابل العنقودية
القنابل العنقودية هي أسلحة غير تقليدية محظورة دوليًا، تتكون من عبوة تنطلق منها قنابل صغيرة تزن كل واحدة منها نحو 20 كيلوجرامًا. يتم إسقاطها من الطائرات أو إطلاقها كصواريخ، وتنتشر على مساحات واسعة، ما يجعلها تشكل خطرًا على المدنيين والعسكريين على حد سواء.
يمكن لهذه القنابل الصغيرة أن تغطي مناطق كبيرة وتتحول إلى ألغام غير منفجرة، مما يزيد من مخاطرها. بالإضافة إلى ذلك، تفتقر إلى التوجيه الدقيق، ما يؤدي إلى انتشار الضرر على نطاق أوسع.
أضرار القنابل العنقودية
تسّبب القنابل العنقودية أضرارًا جسيمة، حيث يمكنها قتل أي شخص في نطاق 50 مترًا من موقع الانفجار، وتنفجر عند اصطدامها بالأرض، ما يؤدي إلى إصابات واسعة النطاق.
إحدى أنواع القنابل العنقودية تحتوي على ذخائر تنجذب نحو الحرارة، ما يجعلها أكثر فتكًا بالمركبات والعربات العسكرية.
الاستخدام العالمي للقنابل العنقودية
إستُخدمت القنابل العنقودية لأول مرة خلال الحرب العالمية الثانية. ومنذ ذلك الحين، اعتمدت عليها العديد من الدول في النزاعات المسلحة، من بينها الولايات المتحدة، وروسيا، وإسرائيل.
خلال الحرب الأميركية في فيتنام، أسقطت الولايات المتحدة حوالي 260 مليون قنبلة عنقودية. كما استخدمتها في حروب أخرى مثل العراق، أفغانستان، واليمن. بين عامي 2010 و2019، وقد تم تسجيل أكثر من 4315 إصابة بسبب القنابل العنقودية في 20 دولة.
إتفاقية الذخائر العنقودية
تم توقيع اتفاقية حظر استخدام القنابل العنقودية في عام 2008. وتهدف الاتفاقية إلى حماية المدنيين والبيئة، وتلزم الأطراف الموقعة بتدمير المخزونات المتبقية وتطهير المناطق الملوثة. دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في عام 2010 بمشاركة 107 دول.
ولكن ورغم توقيع العديد من الدول على إتفاقية حظر القنابل العنقودية، استخدمت إسرائيل هذه الأسلحة في الجنوب اللبناني، ما يزيد من معاناة السكان. ولا تعتبرالقنابل العنقودية مجرد سلاح حرب وحسب، بل هي أيضاً أداة تدمير طويل الأمد تؤثر على الأمن الغذائي، والبيئة، وحياة الأجيال المقبلة.
وفي النتيجة، إنّ الحرب الإسرائيلية على لبنان ليست مجرد معركة تنتهي بإعلان الهدنة، بل هي ذكريات وأضرار تبقى لعقود. والقنابل العنقودية واحدة من أبرز الشواهد على هذا الواقع المرير. وبينما يسعى لبنان لإزالة آثار الحروب، يظل الخطر قائمًا، مما يجعل الحاجة إلى دعم دولي وإجراءات صارمة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى