"أوري تسافون".. تعرض عقارات للبيع في جنوب لبنان
"أوري تسافون".. تعرض عقارات للبيع في جنوب لبنان
أسعار تبدأ بـ80 ألف دولار! خيالات توسعية إستعراضية
عرضت حركة إستيطانية إسرائيلية تُدعى «أوري تسافون» أراضٍ وعقارات في جنوب لبنان للبيع، داعية المستثمرين إلى «التوجه شمالاً». ونشرت ما سمّته «حركة الاستيطان في جنوب لبنان» خريطة تتضمّن بلدات تقع جنوب نهر الليطاني، من مصبّ النهر عند القاسمية حتى كفركلا، وتشمل أربع مدن رئيسة على الأقل هي صور، بنت جبيل، مرجعيون، وحاصبيا، إلى جانب القرى التابعة لتلك الأقضية، إضافةً إلى مزارع شبعا والمناطق التي كانت محتلة شمالاً. وأطلقت على هذه المناطق أسماء عبرية، معلنة أسعاراً تبدأ من 300 ألف شيكل (نحو 80 ألف دولار)، بزعم إقامة مستوطنات جديدة فيها. واللافت أنّ هذا الإعلان ليس الأول من نوعه، إذ سبقته حملة مماثلة في أيلول الماضي بعنوان «حان الوقت للحصول على منزل في لبنان»، قبل أن تُجدّد الحركة اليوم نشاطها بنشر الخريطة الجديدة.
تأسست «أوري تسافون» تخليداً لذكرى الجندي الإسرائيلي يسرائيل سوكول، الذي قُتل في غزة مطلع العام 2024، وكان يحلم – بحسب عائلته – بالاستقرار في لبنان. وبعد مقتله، تعاون الناشط عاموس عزاريا مع عائلته لتأسيس الحركة التي تروّج لفكرة «الاستيطان في جنوب لبنان». ومنذ إطلاقها، توسعت الحركة بسرعة، وباتت تضم أكثر من 3000 عضو في منتدياتها عبر «واتساب»، حيث يتداول القادة صوراً من الحدود الشمالية وينتقدون ما يصفونه بـ«سياسات إسرائيل المذعنة»، ويقترحون أسماء عبرية للمدن اللبنانية ويخططون لرحلات مستقبلية في الجنوب تحت شعار: «ليس حلماً... بل حقيقة».
يعكس هذا الإعلان محاولة جديدة لإحياء خطاب خيالي إستيطاني وتوسّعي يستند إلى سرديات دينية وصهيونية متطرفة، تسعى إلى تجديد شرعنة فكرة «أرض الميعاد» وتوسيعها جغرافياً لتشمل مناطق خارج حدود فلسطين التاريخية. إنّ استخدام رمزية الجندي القتيل لتأسيس الحركة يكشف توظيفاً عاطفياً للحرب من أجل تجييش المجتمع وتحويل الفقد إلى مشروع أيديولوجي.
يمكن فهم هذا التطرف ضمن دينامية العلاقة بين الأيديولوجيا الدينية-القومية والواقع العسكري والسياسي الذي تعيشه إسرائيل في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد حروب غزة المتكرّرة وتنامي التهديدات على جبهات متعدّدة. صعدت تيارات اليمين الديني لتعيد تعريف الحرب كاختبار إلهي، وتحوّلها إلى وسيلة خلاص قومي. ويتجلى التطرّف في نزعة الإنتقام الجماعي التي تُلبَس ثوب «الأمن القومي»، حيث يُبرّر التدمير الممنهج والإستيطان بإسم «حق الدفاع عن النفس».
إنّ خطورة هذا التطرف تكمن في أنه يُحوّل الصراع من نزاع سياسي إلى حرب عقائدية مطلقة وتغذّي فكرة «التهديد الوجودي الدائم»، فتبرّر مزيداً من العنف والتمدد الإستيطاني. وهكذا تصبح «أوري تسافون» أكثر من مشروع عقاري رمزي؛ إنّها تجسيد لبنية فكرية ترى في الحرب والإستيطان جوهر الوجود الإسرائيلي، وتعبّر عن محاولة للهروب من الواقع السياسي عبر إنتاج خيالات توسعية جديدة تلبس ثوب الخلاص الديني.
