إستقلال 2025 .. جمهورية القرار المؤجل

إستقلال 2025 .. جمهورية القرار المؤجل

  • ٢١ تشرين الثاني ٢٠٢٥
  • ناتالي أبو حرب

وطن معلّق على قائمة إنتظار أبدية؛ ينتظر قراراً سيادياً لا يأتي، واستحقاقاً دستورياً لا يكتمل، ومستقبلاً يُرحَّل باستمرار إلى أجل غير مسمى.

جردة حساب مفتوحة منذ ثمانين عامًا. إنّها قصة وطن يعلن إستقلاله كل عام، ثم يمضي بقية أيامه يبحث عنه بين وصاية خارجية، وسلاح داخلي، وقرار مسلوب. من انتداب الأمس إلى وصايات اليوم، لم تكن حكاية لبنان سوى سلسلة من محاولات التحرّر التي تنتهي دائماً عند باب السيادة المغلق. فهل نحن شعب يحتفل بنصر قديم، أم شعب يتحسّر على نصر لم يتحقق بعد؟

أكثر من ثمانية عقود مرّت منذ إعلان الاستقلال عام 1943، يوم قيل إن لبنان استعاد قراره من الانتداب الفرنسي، لكن الطريق منذ ذلك اليوم لم يكن يومًا مستقيمًا… بل سلسلة استقلالات ناقصة، تُنتزع وتُفلت، تُكتب وتُمحى، تبقى بالاسم وتُفقد بالمعنى. من استقلالٍ وُلد على طاولة تفاهمات وتوازنات هشة، إلى سنة 1958 حيث اهتزّ الكيان على وقع صراع المحاور. ومن الحرب الأهلية التي مزّقت البلد 15 عامًا، إلى اتفاق الطائف الذي أعاد الدولة بالحبر… لكنه ترك السلاح خارجها.

وبعدها مرحلة جديدة: دخول السلاح الفلسطيني وقواعد العنف العابر للحدود. حينها، صار لبنان ساحة مفتوحة، تُحكم فيها البندقية أكثر مما تحكم الدولة. وفي كل محطة، كان اللبنانيون يمشون بين ركام معارك ليست معاركهم، ويحملون راية وطن يهرب منهم أكثر ممّا يعود إليهم. ثم جاءت الوصاية السورية، فصل طويل امتدّ من الحرب إلى 2005. في تلك السنوات، كانت بيروت تبدو مستقلّة في الصورة… لكنها صارت عاصمة بقرار مؤجّل.

ومع اغتيال الرئيس رفيق الحريري، خرج الناس إلى الساحات، يهتفون لأوّل مرّة منذ عقود بكلمة «حرّية، سيادة، استقلال» حملت نكهة جديدة بعد عقود من قمع الوصاية وأدواتها. لكن طريق السيادة ظهر مغلقاً، بوجود سلاح الحزب وأجندات عابرة للحدود  فأصبح عنوان مرحلة جديدة: استقلال معلّق بين الداخل والخارج، بين الدولة والدولة الموازية.

ثم، في تشرين 2019، انفجر ما كان مكبوتًا. خرج الناس إلى الساحات بلا دعوة، في أكبر حركة احتجاجات مدنية منذ عقود. هتفوا ضد الفساد، ضد الطائفية، ضد تحالف السلطة والمال والسلاح. كانت ثورة 17 تشرين محاولة أخيرة لإعادة تعريف الإستقلال.وبالرغم من أنّ الثورة خمدت، بقي صداها شاهدًا على أنّ اللبنانيين ما زالوا يبحثون عن وطن باقٍ يشبههم… لاعن  من يحكمهم

ومع استمرار الحروب والاغتيالات والانهيار المالي والمؤسساتي أصبح الاستقلال ذكرى محفوظة أكثر مما هو واقع مُعاش.لكن مع كل هذا، يبقى اللبناني متمسّكًا بشيء يشبه العناد الجميل: فكرة أنّ هذا البلد، رغم كل ما سُرق منه، ما زال قادرًا أن يكتب استقلاله الحقيقي بيده.

في 22 تشرين الثاني هذا العام، سؤال مكرّر منذ عقود: متى يصبح إستقلال لبنان إستقلالًا كاملاً؟