سيمون كرم إلى الميكانيزم.. لبنان يسبق الحرب بخطوات متأخرة
سيمون كرم إلى الميكانيزم.. لبنان يسبق الحرب بخطوات متأخرة
سقط وهم القدرة على المناورة تحت ضغط التهديد، يسقط الآن وهم إمكانية تجنّب المواجهة بخطوات متأخرة. فالحرب أصبحت أقرب من أن تُدفع بتعيين أو لجنة أو وعد بالتفاوض.
لم يعد لبنان يعيش في دائرة التكهنات ولا في مساحة الغموض. فمشهد الهلع الذي يتمدد في الشارع نتيجة التهديدات الإسرائيلية يعيش في موازاته داخل مؤسسات الدولة، مهما حاول المسؤولون إظهار تماسك مصطنع وترويج روايات تطمينية لا تجد صدى في الواقع. وكل ما كان يُقال عن أنّ الأمور ما زالت تحت السيطرة تلاشى في اللحظة التي غادر فيها البابا الأراضي اللبنانية، لتبدأ مرحلة جديدة كلياً عنوانها أنّ الحرب لم تعد احتمالاً، بل موعداً يقترب.
وما إن انتهت الزيارة البابوية حتى وقع التطور الأكثر دراماتيكية؛ إعلان القصر الجمهوري عن «خبر مهم» بطريقة أثارت الفضول والقلق معاً، قبل أن تخرج نجاة شرف الدين لتعلن تعيين سيمون كرم رئيساً لوفد الميكانيزم بعد التشاور مع الرئيسين نبيه بري ونواف سلام. هذا الإعلان لم يكن مجرد إجراء إداري، بل تنازلاً سياسياً كبيراً ظلّ حزب الله يرفضه لسنوات، لتتقدم الدولة اليوم وتقوم به بلا مقابل، في مشهد يعكس حجم الإرتباك داخل القرار اللبناني مقابل وضوح القرار الخارجي.
فالحزب، الذي لطالما لجأ إلى سياسة اللحظة الأخيرة، يجد نفسه اليوم أمام واقع يتجاوز حساباته. تمسّكه بالمماطلة وإنكار حقيقة الإنزلاق نحو مواجهة مقبلة يدفع البلاد إلى خطوات غير محسوبة، بينما يحاول رئيس الجمهورية تفكيك الأزمة قبل انفجارها، من خلال تقديم تنازلات تُنتزع عادة في إطار صفقات أو تفاهمات كبرى، لكنها الآن تأتي فارغة من أي مردود سياسي، لأنّ توقيتها المتأخر يُفقدها قيمتها. والعالم الذي تغيّر مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض لم يعد يتعامل مع لبنان بمنطق التوازنات القديمة، بل بمنطق الشروط المباشرة، نزع السلاح أو الحرب.
وتعيين سيمون كرم، على أهميته، لا يغيّر الإتجاه العام. فالرجل ذو الخلفية الدبلوماسية المرموقة، والمسيحي غير المنتمي إلى محور السلاح، يشكّل خروجاً واضحاً عن نمط اللجان السابقة لترسيم الحدود، حيث كان التمثيل محصوراً غالباً بشخصيات محسوبة على الحزب أو بيئته. غير أنّ هذا التغيير لا يكفي لوقف السيل. فواشنطن كانت واضحة؛ المفاوضات لن تعطل عملية عسكرية إن قررت إسرائيل المضي بها، ولا خطوة إجرائية في بيروت قادرة على تعديل ميزان القرار الدولي.
والأهم أنّ شخصية كرم نفسها تحمل رمزاً سيادياً لا يمكن تجاهله. فهو المحافظ والسفير السابق في واشنطن الذي قدّم إستقالته اعتراضاً على الإنتهاك السوري للسيادة اللبنانية، وهو أحد أبرز وجوه لقاء قرنة شهوان الرافض لأي وجود عسكري خارج الدولة. اختياره اليوم يكشف رغبة الدولة في إرسال إشارة واضحة إلى الخارج بأنّها وصلت إلى مرحلة الإعتراف بضرورة الإمساك الكامل بالقرار السيادي، لكن تلك الإشارة تبقى شكلية ما دام السلاح غير الشرعي يفرض إيقاعه على كل ما تبقى من المشهد الداخلي.
لبنان يقف الآن عند حافة مرحلة شديدة الخطورة. الدولة تقدّم التنازلات بلا مقابل، المجتمع الدولي يعلي سقفه، وإسرائيل تتصرّف كمن حسم قراره ويبحث فقط عن اللحظة السياسية المناسبة. وفي ظلّ هذا المشهد، تبدو كل محاولات تأخير الحرب أقرب إلى مسكنات لا تغيّر الإتجاه الفعلي للأحداث. فالمسار الذي رُسم للبنان لم يعد مرناً كما كان، والقرارات التي تُتخذ في الخارج تسير بوتيرة أسرع بكثير من قدرة الداخل على اللحاق بها أو تعديلها.

