14 آذار.. إكرام الميت دفنه

14 آذار.. إكرام الميت دفنه

  • ١٤ آذار ٢٠٢٤
  • صبحي أمهز

تمرّ اليوم الذكرى السنوية الـ19 لإنتفاضة الإستقلال التي تبلورت تنظيمياً في الرابع عشر من آذار 2005. وبين الأمس واليوم، لم يبقَ من التحالف الآذاري سوى الذكرى، تماماً كما يحصل عندما نفقد عزيزاً فيتم الإكتفاء في ذكراه بزيارة ضريحه والتعايش مع فكرة الموت تطبيقاً للمقولة الشعبية « إكرام الميّت دفنه».

حركة ردّة الفعل
ليس سرّاً أنّ تظاهرة 14 آذار السيادية، إستفادت سياسياً من تغير دولي تمثّل بصدور القرار 1559 الذي قضى بخروج الجيش السوري من لبنان يوم 26 نيسان 2005، ونادى بسحب السلاح غير الشرعي وحصره بالقوة المسلّحة اللبنانية. بيد أنّ مليونية 14 آذار لم تكن في حينها سوى ردّة فعل على تظاهرة 8 آذار 2005 التي كان ركيزتها ثنائي «حزب الله - حركة أمل» تحت شعار شكراً سوريا.
وبين شكر سوريا والنضال الجماهيري لخروجها إستقطبت حركة 14 آذار كلّ الحالمين ببناء وطن حرّ، سيّد ومستقلّ. إلاّ أنّ الإستقلاليين بالمفهوم التنظيمي لم يستطيعوا مقارعة حديدية الثنائي الشيعي الذي إستطاع بناء جدران مشيّدة في بيئته قائمة على فكرة التخويف والتخوين.
هواة سياسة
فمن ناحية التخويف، إستطاع «حزب الله» ومن خلفه «حركة أمل»، تعبئة جماهيرهما على أنّ الخروج السوري يعني إستباحة الشيعية السياسية، وبالتالي لا شيء يحمي الوجود إلّا السلاح. أما من ناحية التخوين، فقد تمكّنت توليتارية الثنائي لصق صفة التخوين بكلّ شيعي يغرّد خارج سربه الطائفي فكانت المواجهة في الشارع الشيعي أشبه بهدر دم وبإسقاط حكم الردّة على شيعيي 14 آذار.
هذا في الجانب الموضوعي، أما ذاتياً فكان الإعتراض السياسي الشيعي مقتصراً على هواة سياسة لم يستطيعوا خرق بيئتهم، وجلّ ما أنتجوه هو «عقدة عقاب صقر» الذي سطع نجمه وأصبح نائباً فيما بعد. المعترضون الشيعة كانوا مجرّد طامحين لأن يكونوا «عقاباً صغيراً» على قاعدة أنّه داخل كلّ شيعي سيادي عقاب صغير.
مبررات موت تنظيمية
على الضفّة التنظيمية، كانت ركيزة «14 آذار» كتحالف قوى، تقوم على «القوات اللبنانية» ، «تيار المستقبل»، «الحزب التقدمي الإشتراكي» و«الكتائب اللبنانية» كتكتلات طائفية صلبة، من جهة، وعلى قوتين عابرتين للطوائف تمثلاتا بـ«حركة اليسار الديمقراطي»و «حركة التجدّد الديمقراطي».
وفي «التشريح السياسي» لأعمدة العمل السيادي، أصبح «تيار المستقبل» في خبر كان، فحلّ نفسه رضائياً ليصبح دوره مقتصراً على قراءة سعد الحريري سورة الفاتحة على ضريح والده من كل عام.  أما «الحزب التقدمي الإشتراكي» فأعاد تموضعه وإنفتح على الثنائي لإعتبارات متعلّقة بأمن المجتمع الدرزي المنتشر على كتف الضاحية.
بدورهما حركتا اليسار والتجدّد الديقراطتيتن، لم يبقَ منهما سوى الإسم وبعض الرومانسيين الذين لا يستطيعون مواجهة ثنائي حديدي كالثنائي الشيعي.
وعليه، إقتصر الدور التنظيمي لفريق «14 آذار»على المارونية الحزبية، الأمر الذي يقوّي «حزب الله» في بيئته على قاعدة المظلومية الشيعية وأنّ الموارنة سيسعون مجدداَ لتهديد الوجود السياسي للشيعة، ما يجعل الفرز المذهبي، عنصر جذب في بيئة الحزب الحديدية.
بناءً على كلّ ما تقدّم، وبعد المسار السياسي الطويل منذ 2005، وخلط الأوراق السياسيّة في البلاد ، لا يمكن في هذه الذكرى سوى إصدار ورقة نعوة لتحالف كان حلماً إستقلالياً لغالبية الشعب اللبناني.