الحرب: ظلال قاتمة على الشباب
الحرب: ظلال قاتمة على الشباب
«إنّ الحرب لا تُصنع بالأسلحة فقط، بل تُصنع بالقلوب والعقول»، كما قال إيمرسون، وهو ما يعكس الواقع المرير الذي يعيشه اللبنانيون اليوم. يعيش اللبنانيون تحت وطأة حرب نفسية مدمرة تُفكك النسيج الإجتماعي، وتزرع الخوف في قلوب المواطنين. في ظل إنعدام الأمان، يُعاني الكثيرون من نزوح مستمر، حيث يضطرون للنوم في الشوارع تحت تهديد الإنفجارات والإستهدافات العشوائية.
تتلاشى آمال الشباب في مستقبل مشرق، مما يؤدي إلى تزايد مشاعر الإحباط واليأس. فهذه الأزمات المتكررة لا تترك آثارًا على الحياة اليومية فقط، بل تُحدث جروحًا نفسية عميقة . ومع كل تهديد جديد، يتعاظم الإحباط، و يُظهر مدى المعاناة المستمرة التي يواجهها الشباب اللبنانيون في ظل ظروف طاحنة. هذه التحديات تتطلب فهمًا عميقًا للأبعاد النفسية والاجتماعية للحرب.
تأثير الحرب على الشباب:
تُعدّ الحرب من أكثر الأزمات التي تُسبب تداعيات واسعة وعميقة على المجتمعات، ومن بين تلك التداعيات تبرز الآثار النفسية التي يمكن أن تكون مدمرة وطويلة الأمد في لبنان، الذي عانى من سنوات طويلة من النزاعات المسلحة والحروب الأهلية وفي الفترة الاخيرة مر بأصعب الازمات الإقتصادية والأوبئة وأخيراً الحرب التي ما زالت تعصف بالبلاد
تتسبّب الحروب والعنف السياسي في تأثيرات عميقة على الصحة النفسية للمقاتلين وضحايا الحروب من المدنيين. يُعاني الأفراد من مجموعة واسعة من الآثار النفسية، مثل الإكتئاب، اضطراب القلق، واضطراب الهلع، بالإضافة إلى اضطراب ما بعد الصدمة)PTSD) الذي يُعتبر من أكثر التشخيصات، شيوعًا بعد التعرض للحرب. هذه التأثيرات ليست مجرد مشكلات فردية، بل تعكس سياقًا اجتماعيًا معقدًا يتطلب فهمًا عميقًا لعوامل عديدة، بما في ذلك الأسباب السياسية والاجتماعية التي تكمن وراء الصراعات. (المصدر: مركز الأبحاث والدراسات الإنسانية)
تتجلى الأعراض الجسدية المرتبطة بالحرب مثل الصداع، الآلام غير المفسرة، والإجهاد، بشكل واضح بين الضحايا، حيث تُعبر عن المعاناة الناتجة عن الصراع. ومع ذلك، فإنّ هذه الأعراض لا تعني غياب الشكاوى النفسية، بل تعكس طلبًا تقليديًا للمساعدة ونظرة إلى الأحداث من منظور صحي. في هذا السياق، تُفهم المعاناة الناتجة عن الحرب على أنّها تجربة إجتماعية وليست فردية، حيث يُساهم المعنى الاجتماعي الذي يُفسر من خلاله الألم في فهم الآثار النفسية.
،“War and mental health: A brief overview”(المصدر
)British Medical Journal BMJ 22 يوليو 2000.
عندما يتعرض أفراد مجتمع ما للحروب والإرهاب ولا يستطيعون استيعاب ما مروا به، تزيد فرصتهم في الشعور باليأس والإحباط. تستهدف الحرب النسيج الاجتماعي، وتمنع الفئات المختلفة من القيام بأدوارها التقليدية كمصدر دعم وتكيف، مما يؤدي تدريجياً إلى انهيار المجتمع. في أوقات الأزمات، قد تتفاقم آثار مدمرة مثل العنف ضد النساء، وإدمان الكحول، أو اللجوء للبغاء لتأمين المعيشة.
تشير الدراسات إلى أنّ الإصلاح الإجتماعي هو أفضل علاج لضحايا الحرب، حيث يمنحهم الفرصة للاعتراف والعدالة. كما أن الصحة والمرض لهما جذور سياسية واجتماعية، مما يستدعي النظر في الموقف السياسي للمختصين الصحيين قبل الثقة بهم.
British Medical Journal (BMJ)المصدر:
في منطقة الشرق الأوسط، تُظهر الدراسات أنّ انتشار اضطرابات الإكتئاب واسع النطاق. وجدت دراسة نُشرت بواسطة عبء المرض العالمي في عام 2011 أنّ أكثر من 5% من سكان المنطقة عانوا من الاكتئاب في عام 2010. تأتي فلسطين بين الدول الثلاث الأعلى في معدلات الاكتئاب، مما يدل على أنّ الظروف السياسية والإجتماعية تؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية. (المصدر: مركز الأبحاث والدراسات الإنسانية) ADHR
في العراق، أظهرت الدراسات أنّ اضطراب ما بعد الصدمة ينتشر بشكل أكبر بين الشباب، حيث وجدت دراسة أجريت في عام 2006 أنّ 30% من المراهقين في الموصل يعانون من هذا الاضطراب. كما أنّ معدلات اضطراب ما بعد الصدمة تصل إلى 61% بين المراهقين الأكبر سنًا في بغداد. هذا يؤكد على العواقب الخطيرة للعنف السياسي على الأجيال الشابة. (المصدر: مركز الأبحاث والدراسات الإنسانية)ADHR.
وفي فلسطين، أفادت وزارة الصحة الفلسطينية أنّ ثلاثة أرباع الفلسطينيين يعانون من الاكتئاب، بينما تشير الدراسات إلى أنّ الأجيال الشابة هناك تواجه مشاكل نفسية أكثر من نظرائهم في المجتمعات الأكثر سلامًا. كما أنّ التعرّض المستمر للعنف يزيد من مستويات الاكتئاب والقلق. (المصدر: مركز الأبحاث والدراسات الإنسانية)ADHR
أما في لبنان، فإنّ تأثير الحرب الأهلية الطويلة الأمد يظهر من خلال معدلات عالية نسبيًا من الإضطرابات النفسية. تُظهر الدراسات أنّ الشباب، الذين كانوا في فئة العمر 11-35 عند بدء الحرب في عام 1975، كانوا أكثر عرضة لتجارب الصدمة. (المصدر: British Medical Journal (BMJ
طرق تفريغ الضغط النفسي:
أصبح من الضروري البحث عن وسائل فعالة لتفريغ هذا الضغط النفسي المتراكم. هناك العديد من الطرق والاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد الأفراد على التعامل مع التوتر بفعالية، مما يعزز شعورهم بالراحة والسعادة. في الفقرات التالية، نستعرض بعض هذه الأساليب التي أثبتت فعاليتها في تخفيف الضغط النفسي وتعزيز الصحة النفسية.
1. 1- الكتابة والتعبير عن المشاعر: تخصيص وقت يومي لكتابة اليوميات أو التعبير عن المشاعر والأفكار يمكن أن يكون وسيلة فعّالة لتفريغ الضغوط والتوترات. تساعد الكتابة على فهم المشاعر وتوضيح الأفكار، مما يسهم في تخفيف العبء النفسي.
2. 2- ممارسة الهوايات: الانخراط في أنشطة ترفيهية مثل الرسم، العزف على آلة موسيقية، أو القراءة يمكن أن يساهم في تحويل التركيز عن الضغوط اليومية. توفر هذه الأنشطة شعورًا بالراحة والانغماس في اللحظة الراهنة، مما يقلل من مستويات التوتر.
3. 3- التأمل وتقنيات التنفس: ممارسة التأمل بانتظام واستخدام تقنيات التنفس العميق تساعد في تهدئة العقل وتخفيف مستويات التوتر بشكل كبير. يمكن أن تسهم هذه الممارسات في تحسين التركيز وزيادة الوعي الذاتي.
4. 4- الاستماع إلى الموسيقى: الموسيقى الهادئة والمفضلة لديك تعد وسيلة ممتازة للاسترخاء وتخفيف التوتر. تعتبر الموسيقى أداة فعالة لنقل المشاعر وتعديل الحالة النفسية.
5. 5- الخروج إلى الطبيعة: قضاء الوقت في الهواء الطلق، مثل المشي في الحدائق أو التنزه في الجبال، يمكن أن يعزز الشعور بالسلام الداخلي والهدوء. تُظهر الأبحاث أن التفاعل مع الطبيعة يُقلل من مستويات القلق والاكتئاب.
يتطلب الوضع الراهن في لبنان ضرورة زيادة الاهتمام بالدعم النفسي للأفراد المتأثرين بالنزاعات والأزمات. يجب أن تركز الجهود على معالجة القيود الهيكلية التي تفرضها الحروب على التنمية الشخصية والاجتماعية، مع تقديم استراتيجيات دعم شاملة تعزز من قدرة الأفراد على التغلب على التحديات النفسية. من خلال تعزيز التواصل الاجتماعي