أبناء رميش … في عيد القيامة «مَنْ علينا»؟
أبناء رميش … في عيد القيامة «مَنْ علينا»؟
رسمت رميش مشهداً لافتاً في يوم الشعانين بأغصان الزيتون و السلام، رغم الصواريخ التي تحيط بها من كلّ الجهات، فلم تتلاشَ ولم تسمح للسواد أن يهزم نفوس أهلها
يستقبل أهالي رميش عيد الفصح بإرادة صلبة ، حشود وزينة، كما مراسم الزياح التي إعتاد المسيحيون عليها كلّ سنة في عيد الشعانين والجمعة العظيمة والفصح.
ترنّ الأجراس في القرية، لتخرق صوت المدافع والصواريخ، فما عادت القصة، مجرّد تبادل للقصف بين «الحزب» وإسرائيل، بل صارت المواجهة العسكرية فوق، تتّجه نحو الداخل إنّما بأشكال مختلفة. المواجهة هناك، بين الحزب والقرى المسيحية الصامدة تحديدًا، ولو بطريقة غير مباشرة.
وليس أهم من عيد القيامة ليعكس أهالي رميش صمودهم، على طريق الجلجلة التي يجرّهم إليها العدو أوّلاً منذ الإجتياح في السنين البعيدة، وظلم القريب مؤخّراً.
وعلى الرغم من ذلك، لا تتردّد منطقة رميش من السعي الدائم للحوار، كما يقول كاهن رعيّتها الأب طوني الياس. إذ يشدّد عبر «بيروت تايم»، أنّ أهالي رميش، متشبّثون بأرضهم، ولا ينتزعون عنها، فمنذ بدء تصعيد المواجهات، نزح عدد ضئيل من البلدة، إنّما بقي العدد الأكبر صامداً في أرضه. فكلّ ما يريده أهالي رميش هو العيش بسلام على أرضهم. وتعليقاً على الإشكال الأخير الذي حصل، يشرح الكاهن الياس أنّ السكان على ثقة بالجيش اللبناني.
أمّا عشيّة الأعياد، يؤكّد الكاهن أنّ الإستعدادات للفصح المجيد تبرز بشدّة. فقد توجّه أهالي البلدة إلى قريتهم من العاصمة بيروت وإحتفلوا بعيد الشعانين الأحد الماضي، وأقاموا «زياح الشعانين»، وسط حشود كبيرة على الرغم من أنّ العيد مشوباً بالتوترات والتحديات بسبب الوضع الأمني المسيطر في هذه المناطق.
كيف تجرّأ أهالي رميش ورسموا هذه المشهدية على الرغم من النشاطات العسكرية القائمة في المنطقة؟
«إذا كان الله معنا، فمن علينا؟» بهذه العبارة يردّ الكاهن من منطقة رميش ليعكس إيمان وصمود أهالي المنطقة، ويقول «إنّنا أبناء الرجاء والقيامة والحوار الدائم».
رفعت الكنائس الصلوات والتراتيل يوم خميس الغسل والجمعة العظيمة، في منطقة رميش، كما أحيا أبناء الطوائف المسيحيّة التي تتّبع التقويم الغربيّ رتبة دفن المسيح، بحسب عاداتها وتقاليدها كلّ سنة.
فالحقيقية أّنّه لم يتغيّر مشهد الأعياد في منطقة رميش، كما تقول إبنة البلدة، فالنتينا سمعان، رغم الحرب القائمة في الجنوب. فقد شارك حوالي 3500 شخصاً في زيّاح الشعانين. أمّا بالنسبة لأسبوع الآلام، تبقى الإحتفالات ذات طابع ديني، حيث لم يشعر أهالي المنطقة بالتغيير كما كان في عيد الميلاد، فقد تختلف روحية عيد الميلاد عن الفصح.
غابت البهجة والفرح في منازل القرية ليلة عيد الميلاد 2023، كما تسرد فالنتينا، وكان هؤلاء قد اعتادوا أن يشاركوا في قدّاس نصف ليل ليلة العيد، وتحضير السفرة، وتبادل الهدايا. بينما لجهة عيد الفصح، تخفّ وطأة الخوف والقلق، وكما شارك 3500 يوم الشعانين، تأمل فالنتينا بمشاركة ما يفوق عن 5000 شخصاً في قدّاس عيد الفصح.
من جهّته، أكّد رئيس بلدية رميش ميلاد علم، أنّه لم يتغيّر شيئاً على أهل رميش، مقارنة بالسنة الماضية، لا بل تميّزت قدّاس الشعانين هذه السنة، بوجود السفير البابوي.
لبس أهالي رميش حلّة الإيمان في هذا العيد، فيكرّر علم «نحن أولاد الأرض والمسيح»، وبكركي لا تخضع أبداً!
وتمنّى أن تحلّ السنة القادمة بظروف آمنة، منوّهاً بدور الكنيسة على صعيد الإعاشات والمساعدات لأهل القرية.
من اللافت، إصرار أهالي منطقة رميش والقرى المسيحية المجاورة المشاركة الحثيثة في الأعياد هذه السنة، وكأنّه نوع من التجلّي لصلابة الموارنة في الجنوب اللبناني ومقاومتهم في سبيل أرضهم.
وفي نبذة عن تاريخ أهل رميش، فقد أتت عائلات «مارونية» منذ عصور، من البلدات المحيطة «عيتا، عين إبل، بنت جبيل»، بإستثمار سهل رميش وإنشاء منازل لها على تلة صغيرة تقع بين بركتين إلى الجنوب الغربي من السهل. تم تدشين كنيسة مار جرجس في رميش عام 1750 بعد حوالي عشر سنوات على تأسيسها، وبرزت البلدة ككيان سياسي عام 1797 إثر تعيين أحمد باشا الجزار لضاهر شوفاني شيخاً عليها.
كانت البلدة عرضة لغزوات البدو الذين كانت مضاربهم على التلال المجاورة لجهة الجنوب الشرقي. لم تتوقّف هذه الغزوات حتى إعلان دولة إسرائيل، وإقفال الحدود عام 1948. وللأسف، يستمرّ الجنوبيون اليوم بحمل أثقال الحرب والإحتلال.
ختاماً، منذ دهور، ويمشي أهالي الجنوب، على درب الجلجلة، ولبنان كلّه على هذه الدرب، لكن لم يشهد الوطن على مرّ تاريخه القديم والحديث على جلجلة مماثلة، حيث الذي يصلب الشعب هو الدولة أو «الدويلة»، لكنّ الجنوبيين لن يتعبوا ولن ييأسوا تطبيقاً لما ورد في صلاة النوم عند الطوائف التي تتبع التقويم الشرقي: «إعلموا أيّها الأمم وانهزموا، لأنّ الله معنا».