صلوات الآلام السريانية في جبة بشري جذورها عميقة في التاريخ منذ ١٤٤٠ م حتى اليوم

صلوات الآلام السريانية في جبة بشري جذورها عميقة في التاريخ منذ ١٤٤٠ م حتى اليوم

  • ٢٩ آذار ٢٠٢٤
  • إلياس معلوف

إنّها بلدة حصرون في قضاء بشرّي، المتكئة على كتف وادي قاديشا مهد الحياة النُّسكية ، خلال الأسبوع الأخير من الصوم الكبير.. أسبوع الآلام المهيء للقيامة! وصلاة الليل أو صلاة الحاش، بالسّريانية حاشو تعني الآلام إستذكاراً للساعة التاسعة لحظة موت المسيح على الصليب. هي فترة عظيمة ومقدّسة تبعث الخشوع والصّبر والإيمان في نفوس المؤمنين. فيها تدمع السّماء، وتهتزّ الأرض، وتتشقّق العروش الفانية، وتتفتّح القلوب لاختبار الوجع مع موت المسيح وعيش الفرح مع قيامته.

وفي هذا الوقت من كل سنة، تبدأ ليتورجيا أسبوع الآلام في الكنائس المارونية، الصلوات قائمة على كتابات آباء الكنيسة ومنها  أناشيد مار أفرام السرياني والتي تجسد رؤية لاهوتية وروحية نظمت بلغة شعرية رمزية. يقف جوقان متقابلان حول «القراية»(الئراية بالعامية اللبنانية) وهي المكان التي يوضع عليها كتاب الحاش الماروني لتلاوة الأناشيد المتضمنة العقائد اللاهوتية  السليمة.

في التقليد الطقسي، كان نساك قاديشا يتلون هذه الصلوات  في الليل، تسمى القومات، وهم يتّكئون على عصيهم، لتعينهم على تخطي تعب النعاس والوقوف. يصفها الأسقف والمؤرخ والشاعر الزجلي جبرائيل إبن القلاعي بالزجلية المارونية الاساسية التي بدأت في القرن الرابع عشر وانتظمت بشكلها النهائي في القرن ١٥ عشر.



 

هي صلوات لها مكانة إستثنائية في الذاكرة الجماعية، هي لغة القلب لأهل الجبال الموارنة في كنائسهم. وهي ترتبط إرتباطاً وثيقاً بالإرث الماروني، ومن  أول شمال لبنان تحديداً من منطقة بشري وصولاً سائر قرى جبل لبنان المارونية وضعت نفس المخطوطات في الكنائس. والكتب باللغة السريانية وصلت عبر المخطوط المنسوخ  عام ١٤٤٠ م وبعدها عبر المخطوط المطبوع عام ١٥٨٥  حين أنشأت أول مطبعة في الشرق في دير مار  انطونيوس قزحيا المتصل بوادي قنوبين. أما الستار وراء الصليب، فيُترك حتى نهار الجمعة العظيمة و يزاح يوم سبت النور  ويرمز الى أنّ الحواجز قد إنكسرت بين الإنسان والله ورُفعت كرامته مع المسيح.

وترتفع حصرون 1420 متراً عن سطح البحر، تتكىء على كتف وادي قاديشا المدرج على لائحة التراث العالمي للأونيسكو، ويحدُّها من الشمال بلدة حدشيت ، ومن الشرق خراج بلدة بزعون ومن الجنوب خراج بلدة تنورين وحدث الجبة ومن الغرب الديمان.

إسم حصرون فينيقي الأصل قديم ومعناه المكان المسوّر والمحصّن والمحصور، وهذا ما ينطبق على طبيعة هذه البلدة المحاطة بسور طبيعي من الجبال والوهاد يجعل إسمها مطابقا للمسمى تماماً. أما التقليد فيُرجع الإسم الى السريانية ومعناه «الخنصر» على إعتبار أنّ جغرافية المحيط تمتد نحو الوادي بشكل يد وتشكل حصرون موقع الخنصر في اليد. الملفت أّنّ البلدات التي تحمل أسماء فينيفية قليلة في لبنان، إذ يحمل غالبها اسماء سريانية، والدلالة أنّها كانت مركزاً للنشاط الإنساني منذ القدم.


 

 

كما كل قرى وبلدات جبة بشري سكنها السريان والمبشرون منذ القرن السابع، أما أقدم أثر مسيحي ، يذكر العلامة السمعاني، المتحدّر من حصرون ،أنّه يعود الى أحد تلامذة القديس سمعان العمودي وويذكر أنّه رأى الحجارة المنقوشة عليها الصلبان الاربعة التي طلب القديس سمعان إقامتها على قمم كلّ من حصرون وبشري وأيطو وإهدن. ولا يزال الإسم يُطلق على إحدى قمم حصرون «قرنة مار سمعان»

والعلامة يوسف سمعان السمعاني (١٦٨٧ – ١٧٦٨)، من كبار علماء الموارنة، أرسل الى  المدرسة المارونية في روما سنة ١٦٩٥، آتقن ٣٠ لغة ، نال الدكتورة في اللاهوت والفلسفة، وعين  حافظاً لمكتبة الفاتيكان، ومستشاراً في مجمع الايمان ، وقام بوظيفة مؤرخ مملكة نابولي سنة ١٧٥١م، ومؤلفاته تعتبر مرجعاً علمياً، دفن في كنيسة مار يوحنا الإنجيلي في روما.

 

 

 

 

وقد وصف الرئيس الفرنسي الراحل الجنرال شارل ديغول بلدة «حصرون» بـ«وردة الجبل» متغنياً بجمال بيوتها التي يكسوها القرميد الأحمر.

تشتهر حصرون بزراعات عدَّة من بينها التفاح والإجاص والخوخ والمشمش والرمان والكرز وزراعة البندق الذي يندر وجوده في المناطق اللبنانية. أما على الصعيد الصناعي ففي حصرون معامل عدة لإنتاج حجر الخفان ولنشر الحجر الطبيعي ولصناعة البلاط وفيها مصانع للحدادة الإفرنجية التي تنتج «صوبيات» للمازوت والحطب توزع في مختلف المناطق اللبنانية. وعلى المستوى السياحي ونظراً لارتفاعها عن سطح البحر ووقــوعــهــا على تــخــوم وادي قنوبين باتت حصرون مصيفاً هاماً، وأقيم فيها مجموعة مــن الــفــنــادق والمطاعم والمقاهي ومراكز التسلية. ويشهد هذا القطاع نمواً مطرداً إذ إنَّ المزايا التي تتمتع بها البلدة جعلتها مــقــصــداً للمصطافين والسياح العرب والأجانب. كذلك للشأن الإجتماعي والثقافي في حصرون حيز كبير إذ تضم العديد من النوادي والجمعيات الإجتماعية والثقافية كما الروحية والحركات الرسولية.